العودة إلى الجذور كان شعار المصمم جورجيو أرماني في مجموعته الأخيرة التي أطلقها في أسبوع موضة "الهوت كوتور"، والذي أقيم في العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا، فقد استلهم أرماني ملامح من الحضارات الآسيوية والأفريقية القديمة ووضعها في إطار من الحداثة لا تؤثر على مضمونها ولكنها تضعها في إطار الاتجاهات المعاصرة للموضة العالمية. أزهار البياتي (الشارقة) - قلة من المصممين قادرة على تحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة في الجمع بذكاء ما بين سمات الكلاسيكية ولمسات الحداثة والابتكار، والمصمم المخضرم جورجيو أرماني واحد منهم، حيث استطاع وبحرفية مطلقة ترجمة هذا المفهوم، من خلال عرضه الأخير في أسبوع موضة "الهوت كوتور"أو فن الخياطة الراقية، والذي أقيم في العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا، ليستعرض من هناك تشكيلته الجديدة لموسمي ربيع وصيف 2013، راسما فيها ملامح من أفكاره الخاصة لاتجاهات الموضة العالمية المقبلة. الانتصار للأنوثة وسط ترقب وانتظار لما ستأتي به منصات باريس لموضة "الهوت كوتور" للموسمين المقبلين، جاءت معظم العروض وكأنها صياغة جديدة للطراز الكلاسيكي التقليدي في الملابس، مستعيدة في إطارها العام نفحات عابقة من زمن الماضي الجميل، منتصرة لصفات الأنوثة عند النساء، ومظهرة أناقة الرقي والتكلف في أسلوب الحياة آنذاك، لنشهد اتجاه العديد من دور الأزياء العالمية لاستعادة إحياء استلهامات موحية من كنوزهم القديمة، وطرازهم في تصميم الموضة في بدايات القرن العشرين وصولا إلى منتصفه، مؤكدين عنوانا واحدا، ألا وهو العودة للجذور واستعادة مفردات المظهر الكلاسيكي الأنيق عند المرأة، ولعل ما أبدعه المصمم الإيطالي أرماني مؤخرا أبلغ إشارة لهذا النمط والاتجاه، حيث جاءت باقته الجديدة لموضة "الهوت كوتور" بنماذج لافتة من القطع والموديلات، والتي أطرت في معظمها مزاجه الخاص وشغفه الكبير بالنهل من حضارات الشعوب، مستوحيا في هذه المرة ملامح آسيوية من اليابان، وأخرى أثينية من القارة السوداء، ليمزجها معا في نسيج منسجم ومتناغم لأبعد الحدود، ويصوغها بقوالب أخرى أكثر بساطة وتفرد، معبرا من خلالها عن نمطه المدهش ولمسته البديعة في تناول الأزياء. لقاء الشرق والغرب كان مزاج المصمم في هذه المجموعة يميل لناحية "الترف القبلي"، ليأخذ معه في رحلة ممتعة حول العالم، ويحكي لنا قصة اللقاء المثير بين حضارتي الشرق والغرب، وحيث يكون بطل الرواية فيها هو النسيج، ملمسه، وطبيعته، وكمية الضوء الذي يعكسه، بصحبة تفاصيل أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر أسلوب القصّات وتنفيذها، مع هندستها التركيبية المدهشة، والتي تترجم في مفهومها الكلي صورا مترفة للشرق الأقصى، أو تكتفي فقط بعكس لمسات لزخارف أثينية قديمة تذكر بنقوش الوشم على الوجوه الأفريقية، وكأن الخامات الغربية بكل ما تحمله من ثراء وغنى وبرودة، تولفت وامتزجت مع تلك الطبعات والزخرفة الشرقية الثائرة الفوارة، مظهرة نتاجا متفردا ونسقا عجيبا من الفن والجمال، لتنفذ بموديلات وقطع في منتهى الأناقة والرقيّ، تستحق أن تلبس بفخر على السجادة الحمراء، وهذا يتضح بجلاء من خلال تركيز أرماني على إبراز مناطق وحنايا مثيرة من القوام، أو من خلال بنائه الذكي للخطوط وتلك التفاصيل الصغيرة الظاهرة على القماش، مبينا حرفيته الواضحة في فن الخياطة اليدوية الدقيقة، وطراز قصاته المتماوجة، مع خصوصية مطرزاته القيّمة، والتي لا تقل فخامة وغنى عن قطع حقيقية من المجوهرات. ... المزيد