المقرر الاخواني الجديدالحمد لله، فقد كتب لي عمراً جديداً، وكما يقول أهل البادية: 'عمر الشقي بقي'، فقد كدتم أن تخسروني يا قراء، وان تطالعوا 'القدس العربي' اليوم، فلا تكتحل أعينكم بالاطلاع على معلقاتي، لأنني سأكون قد صعدت إلى الرفيق الأعلى، وقد استمعت إلى الدكتور مصطفي الفقي المدير السابق لمكتب المخلوع للمعلومات، على قناة 'النهار'، وهو يتحدث عن شيخ الأزهر السابق، الذي أكرمه بالصلاة على والدته، عندما نقلت للرفيق الأعلى، فأيقنت حينها أنه فوق كل ذي علم عليم، وكنت اعتبر نفسي فقيهاً، ولم أقف على أني محدود الثقافة الدينية، إلا عندما استمعت إليه، وهو الذي كان مرشحاً لعضوية مجمع البحوث الإسلامية، لولا غضب شيخ الأزهر، الراحل الشيخ سيد طنطاوي عليه، بحسب قوله. كنت أعتقد أن الرفيق الأعلى أمر خاص بالرسول، فهو من قيل له عند وفاته: 'إلى الرفيق' الاعلى طبت حياً وميتاً'، لكن الفقي أكد أن كل الموتى يصعدون وقد كان يمكن ان أصعد إلى هناك، وأترككم تشعرون بالفراغ العاطفي وانتم تطالعون هذه الزاوية العطرة 'فضائيات وأرضيات' فلا تجدوني. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فان الدكتور مصطفى الفقي يقدم برنامجاً على فضائية 'النهار' اسمه 'سنوات الفرص الضائعة'، يعيد فيه اكتشاف نفسه، كما لو كان في مهمة وطنية بالقصر الرئاسي، قبل ان يتم الاستغناء عن خدماته ليظل معلقا بأستار أهل الحكم، ويقدم مبارك من خلاله على انه الحاكم الصالح لكن مشكلته فيمن حوله، وعندما كان الفقي هو من حوله، كان الحكم رشيداً، وعندما غادر، فقد الحكم صفة الرشد. لست ممن يحرصون على مشاهدة برنامج الدكتور الفقي، لأن شهادته مجروحة علي من كل الجوانب، وأنا لا اقبل شهادته هنا ولو في حزمة من بقل ، لكنني أشاهده عندما 'يجافيني النوم'، فكلامه يأتي مصحوباً بموسيقى عاطفية اقرب ما تكون إلى 'زقزقة العصافير'، تجعلني اشعر أنني اجلس في 'كازينو الشجرة'، المكان الذي كان يذهب إليه المراهقون ليمارسوا الغرام، في زمن عبد الحليم حافظ.. أنا من الزمن التالي له. محظوظون أنتم ولا شك ببقائي على قيد الحياة، بعد أن كادت روحي تخرج في يوم الجمعة (25 يناير)، فقد كتبت معلقة الأسبوع الماضي، ونزلت إلى ميدان التحرير، وكان يوماً رائعاً، إذ كانت الحشود في الميدان لا تذكرني بيوم الغضب، الثلاثاء (25 يناير 2011) ولا بجمعة الغضب ( 28 يناير 2011)، كلا اليومين كانا يوم كر وفر، لكن ذكرني بأيام استقرت فيها الثورة في الميدان، وان عكر صفونا ما كان يأتينا من أخبار عن ممارسين للعنف في محافظات مختلفة، ليسوا منا ولسنا منهم، فالثورة المصرية أذهلت العالم بسلميتها. حالة الأمن في الميدان، جعلت زميلنا الصحافي جمال أبو عليو، يقف في مواجهتي متحدياً: 'هل يوجد من بينكم من يريد أن احمله'؟!.. ولم يفهم الواقفون مغزى هذا التحدي، وجمال هو من استجرت به في يوم (28 يناير 2011) فلم يجرني، فقد أثرت في القنابل التي ألقيت علينا بسخاء من قوات الأمن في ظل النظام البائد، وشعرت كأن روحي في طريقها للخروج من جسدي والصعود إلى الرفيق الأعلى (على مسؤولية مصطفي الفقي)، وظننت أنني لو مت فسوف يضيع جثماني الطاهر، الذي فوجئت بي مشغولاً بمصيره لأسباب لا استطيع تفهمها الآن: قلت لجمال بصعوبة بالغة: 'لو مت احملني'.. وكان قد بدا لي لطوله انه يستطيع أن يحمل من في وزن ليلي علوي، وأنا في وزن محمد صبحي، لكنه خذلني بقوله: 'لقد استندت على جدار مائل'. ولم أجد ' المنار' فلما جن الليل، في يوم الجمعة قبل الماضي، وعند حدود الساعة العاشرة، وجدت صبيانا يطلقون سيقانهم للريح، على نحو من شأنه ان يثير فزع المتظاهرين، فتحدث خسائر من جراء الهروب غير المنظم، وهتفت: اثبت، وهو الانجاز الوحيد الذي قمت به في اليوم الأول للثورة، وكان الناس يستجيبون لي، أما في يوم 'جمعة الغضب' فلم أكن محتاجاً لترديد هذه العبارة فقد كان الثبات هو عنوان هذا اليوم. 'اثبت'، لكن أحداً لا يستجيب لي حيث فقدت هيبتي في المنطقة، وكانت قناة 'المنار'، على موعد معي بجانب مبنى جامعة الدول العربية، وبصعوبة بالغة شققت طريقي وسط الجماهير المحتشدة، وهناك لم أجد 'المنار'، ووجدت قنوات تنتمي إلى إعلام الفلول، لو كانت واحدة من هذه القنوات لقلت انه ' كمين'، يستهدف أن ألفظ أنفاسي الأخيرة في الميدان، فتخسر الأمة العربية والأمة الإسلامية، والأمم المجاورة للأمتين العربية والإسلامية، واحداً من أطيب الرجال، وسيقوم أصدقائي بنعيي حتماً على ' الفيس بوك' كتأدية واجب، ثم يتفرغون للمزرعة السعيدة. بعد اتصال هاتفي بالقوم في 'المنار'، جاء الرد متأخراً كسولاً، لقد ألغي الهواء، وفي طريق عودتي إلى حيث كنت، اكتشفت سر عملية الجري غير المنظم، إذ كانت هناك قنابل ألقيت على الميدان، وقد وصل تأثيرها وإذا بالميدان يصبح شبه خالياً، وعندها تلقيت اتصالاً هاتفياً من صديق يقول إن الميدان أمامه على شاشة التلفزيون خالياً من البشر، ولم يقل أن هذا بسبب قصفه بالقنابل، وتبين أن قنابل حكم مبارك بجانب قنابل حكم الإخوان رحمة، فحكم مبارك كان فاسداً في كل شيء، لذا فان من عهد إليه باستيراد القنابل جاء بقنابل منتهية الصلاحية، لكن قنابل الإخوان طازجة، خارجة من المصنع تواً، وكانت لا تحتمل ولا تطاق، وبحثت عن جمال أبو عليو فلم أجده بطبيعة الحال. في المساء والسهرة، جلست متنقلاً بين برامج 'التوك شو'، لا أمر عليها سوى سريعا، هذه الأيام، مللتها كلها، مقدمي البرامج تحولوا إلى خبراء في السياسة، هم يتمنون أن يكونوا ضيوفاً، ومحللين، بعضهم كانت رغبته أن يلقي كلمة الصباح في الإذاعة المدرسية، وفشل، وبعضهم وجدوا في التقديم التلفزيوني فرصة لكي يختبروا قوة أحبالهم الصوتية، لا تستطيع أن تميز بين الضيف والمذيع، فلا توجد أسئلة، وان وجد فالسؤال يطرح بعد أن يكون مقدم البرنامج قد رسم لضيوفه خريطة الطريق، ووجهة نظره التي ينبغي ان يتبنوها. حتي دينا عبد الرحمن، التي قلت فيها شعراً عندما كانت تقدم برنامجها الصباحي على 'دريم' وعندما لم يكن هناك احد يشاهدها تقريباً غيري، عندما كنت عاطل 'وخالي شغل'، أنا الآن كأم العروسة مشغولة ولا تفعل شيئاً. دينا انتقلت إلى 'سي بي سي'، وبعقد أكبر من عقد احتراف أمير في الرياض، بدون كفيل طبعاً، وربما ضخامة العرض جعلها تنتقل من مذيعة إلى زعيمة، تحلل، وتنظر، وتفتي، وتسرف في قول 'الاء.. أء'، ربما تسعى لان تعرفها 'باءها' المختلفة في النطق، كما عرف الرئيس السادات بها كلزمة خاصة به! صاحبتنا صارت تتكلم أكثر مما تستمع، وتقاطع أكثر مما تستوعب، ومؤخراً كان معها الناشط السياسي جورج اسحق، ومنال عمر أستاذ الصحة النفسية، الأول جاء ليكمل ما تتكلم فيه، والثانية جاءت لتجمل 'القعدة'، وقد تبناها إعلام الفلول، منذ ان تهجمت على الرئيس محمد مرسي، مع أنها لا تقول كلاما مفهوماً، فجملها مفككة، وكلماتها غائمة وهائمة في الملكوت! المدرسة العكاشية في مصر توجد مدرسة جديدة في التقديم التلفزيوني اسمها 'المدرسة العكاشية'، أسسها توفيق عكاشة صاحب قناة 'الفراعين'، الذي أغلقت قناته وترك معجبين به، وهناك منافسة حادة للفوز بهم.. تابع إبراهيم عيسى، ويوسف الحسيني، ولميس الحديدي لتقف على حجم التأثر بهذه المدرسة، والأخيرة نموذج فريد على التحولات الكبرى في المنطقة، فقد كانت مسؤولة إعلامية بحملة حسني مبارك، ومنحت برنامجاً في تلفزيون الريادة نظير خدماتها في البلاط، استمر معها فترة في ظل حكم العسكر، ثم غادرت إلى 'سي بي سي' وكانت واحدة من إعلاميي الثورة المضادة، الآن هي تقدم نفسها على أنها من فجرت الثورة. شاهدتها قبل أيام تستضيف من قدمتها على أنها شاعرة، وعقب كل مقطوعة تهتف: 'الله' لأن شعر الشاعرة هجوم على الرئيس محمد مرسي، وهذا هو الموضوع. وإزاء مرض التوحد الذي أصاب برامج 'التوك شو' فقد شعرت بحالة من التشبع، فلا أذهب إليها إلا زائراً عابراً للبرامج، لعلي أجد على النار هدي، وقد وجدت الهدي في ليلتي، وأنا عائد من ميدان التحرير' مهدود الحيل.. مقطوع النفس'، فكان الجديد الذي وقفت عليه هو 'المقرر الاخواني' على المتحدثين من أعضاء الجماعة في هذه الليلة. كان قد وقع عنف، في عدد من المحافظات، ارتكبه بعض من كنا في السابق، وقبل أن تدين الدنيا للإخوان، ويدخل مرشحهم قصر الاتحادية، نصفهم بالطرف الثالث، لكني وجدت زميلنا قطب العربي، الوحيد من أصدقائنا الذي كان يجهر باخوانيته قبل الثورة، على قناة 'النيل للأخبار' وهو يقول كلاماً لم يقل به احد من قبل، فعلى جبهة الإنقاذ ان تتحمل مسؤوليتها عن هذا العنف، وعاد المذيع ليلفت انتباهه إلى ان الجبهة أعلنت براءتها منه، فيكون الرد ان دعوة الجبهة إلى مظاهرات اليوم يمثل غطاءً سياسياً لهذا العنف، فالمستقر عليه أن من يدعو إلى مظاهرة يحميها. لقد ذهبت إلى قناة 'روتانا'، حيث برنامج تامر أمين، احد الفلول المعتبرين، الذي يغسل نفسه الآن من تاريخه الوظيفي المشرف، في خدمة النظام البائد، كان مع تامر الزبون الدائم و'المقرر اليومي' هاني صلاح الدين، الذي أدهشني انه لم يحدث ان أصيب يوماً بانفلونزا البشر فلم يشارك في هذا البرنامج اليومي. هذا المقرر كان أيضاً يتلو من نفس 'المقرر الاخواني' الذي كان يتلوه في نفس اللحظة قطب العربي على ' النيل للأخبار' مع فارق جوهري هنا يتمثل، في أن قطب كان في مواجهة مذيع لم يأخذ كلامه على سبيل التسليم وإنما حاوره ورد عليه، في حين ان تامر أمين يأخذ كلام الاخواني هاني يومياً على 'كفوف الراحة'، وهاني هو رئيس قناة 'مصر 25' الاخوانية، ومع هذا فهو مقيم في مدينة الإنتاج الإعلامي ويقضي ليله كله متنقلاً من فضائية إلى فضائية، ومن برنامج إلى برنامج، حيث يعاني الإخوان من ندرة في الكوادر، على العكس من الحزب الوطني 'المنحل' الذي كانت لديه وفرة، لكنها كانت تتعالى على الظهور التلفزيوني والسجال، فكان من يقوم بدور هاني صلاح الدين اليوم هو جهاد عودة، فكل حزب حاكم له جهاد عودة الخاص به. 'المقرر الاخواني' الذي تلاه على أسماعنا في هذه الليلة قطب العربي وهاني صلاح الدين فطربنا له، وجعلنا نتحامل على تأثير كميات الغاز التي استقرت في بطوننا، يدور حول مسؤولية القوي المدنية عن وجود من يستخدمون العنف، فكان عليهم ان يمنعوهم، وإذا لم تكن لديهم القدرة فينبغي ان يعلنوا عن ترك ميادين النضال، وهو أمر لم يقل به احد في الأولين، فمواجهة من يخرجون على سلمية الثورة مسؤولية أهل الحكم وأجهزتهم الأمنية، وإذا سلمنا بما جاء في هذا المقرر، فمعناه ألا تتم الدعوة إلى تظاهرات أخرى، ليعيش الإخوان في قصر الاتحادية عيشة راضية لا يسمعون فيها لاغية. إن القوم يحلمون.. دعهم يحلمون. صحافي من مصر [email protected]