الطلب يرفع العرض. ويبدو أن آخر صيحات «الموضة» في السعودية ودول الخليج هي اقتناء الحيوانات الوحشية. ولذا تنامت في اليمن شبكات تهريب تسعى للربح السريع ولكن على حساب توازن مهم للحياة على الكوكب. لندن: ست لبؤات افريقية تجلس على أرضية الأسمنت المسلّح الممتدة بطول ستة أمتار داخل قفص شُيّد من قضبان حديدية صدئة، وخلفها أسدان يذرعان المكان جيئة وذهابا في هذا الأسر الأجنبي. المكان قرية على بعد كيلومترات عدة من أقرب طريق واضحة المعالم في سهل تهامة اليمني الملتهب بأشعة الشمس، يصعب الوصول اليها إلا عبر شبكة من التلال الرملية والصخور والنباتات الصحراوية الشائكة. لكن هذه القرية إحدى أوكار تجارة جديدة مربحة في اليمن بفضل الطلب وسط أهل الخليح على اقتناء الحيوانات الوحشية. داخل المجمع الذي يضم قفص الأسود تلتقي بحسن باري الذي اشتراها قبل أربعة أعوام وهي أشبال ليصبح مربي أسود. وهو يبيع صغارها الوليدة لمشترين اثرياء في المملكة العربية السعودية والامارات وقطر حريصين على اقتناء ما يميّز ويلفت النظر ويعزز المكانة الاجتماعية. ولا يخفي باري فرحته لأن لبؤاته حُمّل جميعا. ويقول باري، في لقاء مع صحيفة «غارديان» البريطانية التي أوردت هذا التقرير: « اتوقع أن تضع اللبوءات الست صغارها خلال أيام قليلة. ثمة طلب عالٍ على هذه الحيوانات، وعادة فإنني ابيع كل ما أملك. لا شيء يكسد مطلقا. إذا كان لدي ما أبيعه فثمة مشتر مضمون له». والواقع أن هذه تجارة مربحة حقا في اليمن الفقير لأن الشبل الواحد يعود بما لا يقل 50 ألف ريال سعودي (قرابة 14 ألف دولار). وعلى هذا الأساس بدأت شبكة من المهربين تتسع شيئا فشيئا وتشمل بضائعها - إضافة الى الأسود - الفهود والضباع والقرود وغيرها. وهكذا تحول شريط اليمن الساحلي الغربي الى طريق سريعة لشحن الحيوانات الوحشية بفضل سهولة اختراق الحدود مع السعودية. وكما هو متوقع فقد أثار هذا الأمر استنكارا واسع النطاق خاصة من المنظمات والهيئات المعنية بالحفاظ على الحياة الوحشية وإنقاذ الفصائل المهددة بالانقراض. فيقول ستيفن بريند، الذي يدير مشروعا تابعا لمؤسسة Born Free «وُلد حراً» العالمية في اثيوبيا: «هذه تجارة انتشرت وستواصل انتشارها للأسف، أولا بسبب الربحية العالية التي تدرها على التجّار، وثانيا بسبب غياب الرادع وكون احتمال التعرض للقبض والمحاكمة ضعيفا بعيدا. وكل هذا أمر محزن لأنه في غاية الضرر على الحياة الوحشية في المنطقة عموما ويؤثر ايضا على المجتمع المديني». ويشبّه بريند التجارة في الحيوانات الوحشية بتلك التي صارت تعرف باسم «ألماس الدم» في افريقيا، لأن كلا منهما جزء من نشاط إجرامي عبر الحدود، ويؤثر سلبا على البيئة وحياة المجتمعات. ويضيف قوله: «تشير دراسة للأمم المتحدة في مجال مخدرات والجريمة الى أن ثمة روابط قوية تجمع تهريب البشر والمخدرات والأسلحة والحيوانات الوحشية عبر الحدود. وعلى هذا الأساس يتضح أن هذه الفئة الأخيرة صارت ضحية أخرى لغياب القانون». في هذا الاتجاه يقول ديفيد ستانتون، وهو مدير مؤسسة خاصة تعنى بحماية الفهود الصيّادة في اليمن: «ثمة انطباع بين الناس وهو أن التعدي على الحياة الوحشية ليس جريمة. والأرجح هو أن اليمنيين الذين يتاجرون في هذه الحيوانات يعلمون أنهم ربما يخالفون قوانين البلاد. لكنني أشك في أنهم يشعرون بأنهم يقومون بعمل لا أخلاقي ويستوجب الندم». ويضيف قوله: «هؤلاء الناس تجار في نهاية المطاف. وللأسف فإذا مات من أشبال الفهود خمسة في الطريق الى المشتري، فإن اولئك التجار لا ينظرون الى هذا الأمر من منظور الخسارة في حفظ الأنواع وموازين البيئة وإنما من منظور الخسارة الواقعة على جيوبهم». ويُعتقد - وفقا للإحصاءات المعنيّة بهذه المسألة - أن ما بين 60 إلى 70 في المائة من الحيوانات الوحشية التي ترحل من مكان لآخر في صفقة بيع وشراء تنفق في الطريق الى السعودية ودول الخليج عموما. ومن هذه نحو 300 من أشبال الفهود الصيّادة تقضي سنويا جراء هذه الممارسة. ويرجع ويل ترافيرس، من مؤسسة «ولد حراً»، هذه الكارثة الى جذورها فيقول إنها تبدأ في القرن الافريقي حيث المصدّرون الطامعون في أموال الخليجيين. وهذا شيء مرفوض جملة وتفصيلا لأنه تجارة تهدد أنواعا وفصائل مهددة أصلا بالانقراض. وهذا الى جانب عوامل عديدة أخرى من بينها أنه يضع المال في مناطق تفتقر الى القانون ويسودها اللصوص واولئك الذين لا يتورعون عن فعل أي شيء من أجل الحصول على الدولار».