من أسلحة الدمار الشامل لعام2012, الذي كان مقررا انعقاده بالعاصمة الفنلندية هلسنكي في ديسمبر من العام الماضي, بسبب الوضع الراهن في الشرق الأوسط ووجود هوة عميقة تباعد بين مختلف الأفكار حول أمن المنطقة وترتيبات مراقبة الأسلحة, ليمثل ضربة غير متوقعة لجهود منع الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط. الغريب في البيان الأمريكي أن الظروف التي تحدث عنها كانت أدعي أن تدفع في اتجاه الحرص علي عقد المؤتمر وليس إلغائه أو تأجيله. فحتي خلال فترة الحرب الباردة, بكل أزماتها ومشكلاتها التي بلغت ذروتها في حالة أزمة حصار برلين1948 1949 وأزمة الصواريخ الكوبية1961, أنه كان هناك إدراك من جانب الدولتين العظميين, الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي, لأهمية التفاوض علي معاهدات للخفض التدريجي للأسلحة الاستراتيجية ذات الطابع النووي المحمولة علي صواريخ ذات مديات متعددة تتجاوز المدي المتوسط وصولا إلي الصواريخ العابرة للقارات فيما عرف باتفاقيات ستارت 3,2,1, بل كان هناك حتي تعاون علمي بين الطرفين في أحيان كثيرة لمصلحة الدولتين. علي الرغم مما حققته قضايا نزع السلاح, ضبط التسلح, وعدم الانتشار النووي من بعض التقدم عقب انتهاء الحرب الباردة, وبلوغها الذروة في عام1996, عندما مررت الجمعية العامة للأمم المتحدة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النوويةCTBT, فإنه علي المستوي الدولي عجزت عملية نزع السلاح وضبط التسلح الثنائي ومتعدد الأطراف عن إحراز تقدم ملموس علي صعيد إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وفي هذا, يمكن إرجاع أسباب فشل انعقاد مؤتمر هلسنكي إلي رفض كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل تعرض الأخيرة لانتقادات شديدة بسبب برنامجها النووي غير المعلن, واستخدام أطراف معينة, وتحديدا مصر وإيران, المؤتمر للدعوة لفرض عقوبات علي إسرائيل.مع إلغاء مؤتمر هلسنكي, تزداد المخاوف علي مدي واقعية فرص نزع السلاح النووي في الشرق الأوسط, خاصة مع احتمالات انتشار البرامج النووية في مناطق إقليمية في آسيا والشرق الأوسط وتحولها إلي تطوير أسلحة قد تستخدم في أغراض عسكرية, مع تزايد المخاوف من وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات إرهابية وشبكات إجرامية بما يمثل ليس فقط تهديدا للسلم والأمن الإقليمي والدولي, بل وكذلك تهديدا لبقاء البشرية في ضوء القوة التدميرية العالية للأسلحة النووية, وهو الأمر الذي تزداد احتمالاته في ضوء حقيقة أن معظم الصراعات التي يتم في إطارها امتلاك الأسلحة النووية من جانب قوي إقليمية في جنوب العالم تتسم بالطابع الذي يسمي عادة الاجتماعي الممتد, وهي صراعات معقدة يصعب حلها بالتوصل لحلول وسط بشأن قضاياها, وثمة تيارات متطرفة حتي بين القيادات علي الجانبين تتصور إمكانية إنهاء وجود الطرف الآخر, عندما تتاح الفرصة لذلك. في ضوء ما سبق, يمكن القول إنه إذا كان المجتمع الدولي ينظر للتهديدات العالمية المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل, وفي مقدمتها الأسلحة النووية, باعتبارها تهدد ليس فقط الأمن والاستقرار الدوليين, ولكن كذلك توفير البيئة الخصبة لاشتعال سباق تسلح إقليمي في منطقة مشتعلة بالأحداث الداخلية والتنافسات والصراعات الإقليمية التي لن يقتصر نطاقها علي أطرافها المباشرين, بل سوف يتورط فيها أطراف أخري مما يهدد باتساع نطاق التوتر وعدم الاستقرار, فعليه أن يستأنف علي وجه السرعة والحسم مختلف الجهود الرامية للاتفاق علي إعادة تحديد موعد عقد مؤتمر هلسنكي بما يسمح باستئناف التفاوض متعدد الأطراف حول القضايا ذات الصلة بإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل, وإلا فإن التداعيات ستكون سلبية للغاية سواء علي صعيد طرح تساؤلات مشروعة بشأن مدي استمرار فعالية معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ذاتها أو علي صعيد العواقب السلبية لذلك الفشل علي مستقبل آلية مؤتمرات المراجعة وعلي هدف عالمية نظام منع الانتشار النووي بشكل عام, وهو ما يفتح الباب علي العديد من الخيارات ذات الخطورة التي سيتم اللجوء إليها في حالة فشل مسار التفاوض خاصة في ضوء السوابق التي توحي بعدم استبعاد المنهج العسكري في التعامل مع المشكلات والأزمات المرتبطة بالاشتباه في سعي إحدي الوحدات الدولية للاشتراك في عضوية الدول النووية غير المعلنة كما حدث في حالة الحرب في العراق2003.