أغلق عينيك بهدوء، عد بالذاكرة عاما إلى الوراء، وتذكر يوم رحل عن عالمنا الساحر الساخر جلال عامر، نعم مضى عام، لكن لا يستطيع أحد أن يقول إنه عام على الرحيل، ففعليا لم يرحل الكاتب الكبير جلال عامر عن عالمنا، فقد كان معنا الراحل فى جميع المواقف وطوال الوقت، لم يستطع الموت حرماننا منه، فنجحت روحه الساخرة الطيبة المصرية الخالصة فى البقاء حولنا طوال العام الماضى. سأقول لك ما قلت منذ عام يوم كتبت عن الراحل عقب وفاته مباشرة، نفذ وصيته وابتسم من فضلك، ابتسم بإرادتك فلا خيار أمامك سوى الابتسام حتى لو كنت حاملا لهموم الدنيا كلها، فكلمة منه كافية ونظرة من عينيه المطمئنتين تكفيك لتحمل الصعاب وتكفيك لتحمل الألم، ابتسم قبل أن تبتسم رغما عنك، فأنت فى حضرة الساحر الساخر، ابتسم بإرادتك حتى يرى البسمة المرسومة على وجهك فيعلم أنه مازال قادرا على العطاء رغم رحيله، ابتسم فابتسامتك أقل ما نقدمه للكاتب الكبير الراحل جلال عامر، الذى رحل عن عالمنا مهموما بنا، موجوعا بآلامنا، لم يشكُ يوما من مرض أو ضعف أو قلة حيلة، فقط بكى عندما رأى المصرى يتطاول على المصرى، ويضربان بعضهما، وقتها فقط شعر بالألم، وكانت المرة الأولى التى نرى فيها دموع الساخر، ووجهه مهموما، قال كلمته الأخيرة «المصريين بيموتوا بعض»، ولم يحتمل ألمها، فأصيب بجلطة فى القلب أجرى على أثرها عملية جراحية، لكنه سرعان ما رحل فى هدوء تام مثلما عاش فى هدوء. بعد وفاته ظهرت عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى التى تحمل اسمه، وظل معنا يوميا من خلال هذه الصفحات التى تنشر كل يوم كلمة من كلماته أو مقالا سبق أن نشر من قبل فى إحدى الصحف، وهو ما أثبت للمصريين أن أمثال عامر لا يموتون ويبقون معنا حتى النهاية نستأنس بهم ونهتدى بخطاهم، نحاول السير على دربهم، نستمد منهم الأمل والقوة والصبر والحكمة، ونشرت جميعها آخر مقالاته التى كتب فيها الآتى: «نريد رئيساً لا يرفعون عنه الستار كأنه تمثال فرعونى أو يقصون أمامه الشريط كأنه محل تجارى، بل حاكما يحكم ويتحكم ويحاكم من أخطأ ويُحاكم إذا أخطأ»، وكتب أيضا «نريد عقداً اجتماعياً جديداً نمارس فيه السياسة فى الجامعات وليس فى الجوامع وفى المدارس وليس فى الكنائس، فبيوت الله تعلو على مقار الأحزاب.. نريد علاقة صحية وصحيحة بين السلطة والإعلام، كتب الراحل هذا الكلام منذ عام، ولأننا فى مصر فمازال الكلام صالحا حتى الآن، لم يفسد أو يفقد مناسبته، وأعتقد أنه لو كان الراحل قادرا على الكتابة الآن لكتب نفس المعنى ربما بكلمات وتعبيرات مختلفة، والحقيقة لا أحد يعلم إن كنا سنرى هذا الحاكم فى مصر أم لا ولا أحد يعلم أيضا هل سنرى مصر بهذه الصورة أم لا، لكن جميعنا يعلم أن جلال عامر دائما هنا بيننا.