GMT 0:00 2013 الخميس 14 فبراير GMT 0:27 2013 الخميس 14 فبراير :آخر تحديث مواضيع ذات صلة James Traub لعل إيران المثال الأفضل لمبادرة طرحتها إدارة أوباما، فنجحت وفق معاييرها الخاصة، إلا أنها أخفقت كسياسة، فبمحاولة التقرب من إيران والتعرض للرفض، تمكن البيت الأبيض من دفع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات قاسية على إيران، وبتشديد هذه العقوبات تدريجياً، نجحت الإدارة في خنق الاقتصاد الإيراني ببطء، وبالإصرار على أن "الاحتواء" ليس خياراً مطروحاً، أقنع الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألا ضرورة لشن هجوم على منشآت إيران النووية في المستقبل القريب على الأقل. نجح أوباما في كل الخطوات التي اتخذها. رغم ذلك، أخفقت سياسته الإيرانية، فما من أدلة على أن العقوبات ستدفع بإيران إلى الاستسلام وترغم القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، على القبول بالذل والتخلي عن برنامجه النووي، كذلك لا نرى أي إشارات إلى تفكير جديد في البيت الأبيض. يذكر والي نصر، الذي خدم في وزارة الخارجية خلال عهد أوباما قبل أن يصبح عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز: "لا أفهم كيف أن ما فشل السنة الماضية سينجح هذه السنة". لكنه على الأرجح لن يحظى بجواب من مسؤولي البيت الأبيض الذين "يبدون مسرورين بحالة الجمود الراهنة". لا تتفاوض الولاياتالمتحدة مباشرة مع إيران، بل تقوم بذلك من خلال مجموعة (5+ 1)، التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا. يرتكز موقف مجموعة (5+1) على ضرورة أن توقف إيران تخصيب الوقود النووي إلى نسبة 20% (التي تستطيع منها الانتقال بسرعة إلى مواد تُستعمل في تطوير الأسلحة)، وأن تنقل مخزونها الحالي من هذا الوقود إلى بلد ثالث، وأن تغلق إحدى منشأتَيها لتخصيب اليورانيوم في فوردو. في المقابل، تساعد دول هذه المجموعة إيران على إنتاج الوقود الذي تحتاج إليه لغايات طبية، والذي يدّعي النظام أنه هدفه الفعلي، لكن إيران رفضت هذا العرض، قائلة إنها لن توقف العمل في منشأة فوردو. تخفي هذه التطورات الأخيرة وراءها مسألة أكبر، إذ يعتقد آية الله والمحيطون به أن الولاياتالمتحدة تريد حمل إيران على الاستسلام، وهذا صحيح. لذلك من شبه المؤكد أن الجولة التالية من مفاوضات إيران مع مجموعة (5+1)، التي يُفترض عقدها في الخامس والعشرين من فبراير في كازاخستان، لن تحقق أي نتائج، ما لم تعبر الولاياتالمتحدة عن استعدادها لاتخاذ خطوات ذات أهمية في مقابل التنازلات الإيرانية. يذكر خبراء ضبط الأسلحة أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وكاثرين آشتون، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، يفضلان أن يعرضا على إيران خفض العقوبات، إلا أن ثمة حدوداً لما يمكنهما تقديمه من دون الولاياتالمتحدة. لا شك أن هذه المرونة ستذهب هباءً إن أصرت إيران بكل بساطة على اكتساب القدرة على إنتاج سلاح نووي، لكن الإشارات التي تبعث بها طهران تبدو غامضة، كما هي حال إيران دوماً، فقد أعلمت السلطات الإيرانية المفتشين النوويين أنها تخطط لتركيب جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي بهدف تسريع عملية التخصيب. لكن إيران قررت أيضاً تحويل جزء من مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب لاستعمالات طبية، بدل بلوغ الكمية الضرورية لتطوير قنبلة، ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى التوقع أن إيران لن تتمكن من إنتاج قنبلة قبل عام 2015 أو حتى 2016. وقبل أيام، انتقد علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي في الشؤون الخارجية، علناً المسؤولين الذين يستخفون بالمفاوضات، وكان يقصد على الأرجح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي شبّه برنامج إيران النووي بقطار لا مكابح له. دخلت إيران أخيراً مرحلة الاستعداد للانتخابات الرئاسية، التي ستكون كثيرة الاضطرابات على ما يبدو؛ لذلك قد تعجز عن خوض مفاوضات جدية حتى شهر يونيو، تماماً كما كانت الولاياتالمتحدة في عام 2012، ولكن يظهر جلياً أن العقوبات قد دفعت بالإيرانيين إلى سلوك وخطاب أكثر اعتدالاً. علاوة على ذلك، لا يُعتبر الضغط الاقتصادي كبيراً كفاية ليفرض على إيران تنازلات قد يراها النظام ضربةً للكبرياء الوطني. باختصار، قد تكون إيران اليوم مستعدة للقبول بتسوية تحفظ ماء وجهها أكثر مما كانت عليه قبل سنة أو اثنتين، غير أنها تحتاج إلى حوافز حقيقية لتخطو هذه الخطوة. إذن، ما الخطوات التي يجب اتخاذها؟ تشير كل الاقتراحات التي قدمها خبراء غير معنيين بهذه القضية إلى ضرورة أن تبدأ مجموعة (5+ 1) باتخاذ تدابير بسيطة لبناء الثقة، خصوصاً في المرحلة التي تسبق الانتخابات. ويتضمن تقرير صدر أخيراً عن جمعية ضبط التسلح عددًا من هذه التدابير. على سبيل المثال، يستطيع الدبلوماسيون الغربيون أن يقبلوا بعرض علي أكبر صالحي، وزير الخارجية الإيراني: الحد من "نطاق" التخصيب (أدنى من 20% بكثير)، مقابل تأمين قضبان الوقود للأبحاث والإقرار "بحق إيران بالتخصيب"، علماً أن الولاياتالمتحدة تدعم هذا المفهوم النظري إنما وفق شروط محددة. أو تستطيع إيران تعليق تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20% مقابل الامتناع عن فرض عقوبات جديدة عليها، لكن من المستبعد أن ترضى إيران بخطوات صغيرة مماثلة، إلا إذا شعرت أن الخطوات الإضافية ستؤدي إلى تنازلات علنية إضافية. بخلاف ذلك، تبدو الخطوط العريضة لما يطلق عليه في عملية السلام في الشرق الأوسط ب"الوضع النهائي" واضحة: تقبل إيران بعمليات تفتيش حقيقية تضمن ألا تخصّب اليورانيوم إلى نسب تفوق 3.5% وألا تنفذ برنامجاً نووياً عسكرياً، في حين يقر الغرب "بحق إيران بالتخصيب" ويزيل العقوبات. لا شك أن لدى المسؤولين الأميركيين أسباباً وجيهة للنظر بعين الريبة إلى حسن نوايا إيران، ففي عام 2009، توصلوا إلى اتفاق مع المفاوضين الإيرانيين، قوامه إرسال مخزون اليورانيوم العالي التخصيب إلى بلد آخر، إلا أن آية الله رفضه. وكما ذكر راي تقيه، خبير في الشؤون الإيرانية يعمل في مجلس العلاقات الخارجية، "طوّر خامنئي سياسات بات من الصعب معها القبول بالتسويات". لكن الولاياتالمتحدة ليست أفضل حالاً، فكل مَن شاهد جلسة تأكيد تعيين تشاك هيغل يدرك أن من المتعارف عليه بين أعضاء الكونغرس الأميركي، بغض النظر عن الحزب الذي ينتمون إليه، أن إيران دولة إرهابية غادرة غير شرعية لن تتراجع عن تطوير قنبلة ما لم يلوحوا بتهديد شن هجوم واسع. ولو كان هيغل متهوراً كفاية ليقترح أن تعرض الولاياتالمتحدة على إيران خفض العقوبات مقابل التنازلات الإيرانية لاضطر البيت الأبيض إلى البحث عن مرشح آخر ليحتل منصب وزير الدفاع. تذكر بعض التقارير أن الكونغرس الأميركي يتحكم بالأوراق المهمة، مع أن البيت الأبيض يحملها بيده، فقد تحولت العقوبات الأشد إلى قوانين نُصّت بطريقة تصعّب تخفيفها. صحيح أن أوباما يستطيع تعليق العقوبات لستة أشهر، غير أن آية الله لن يتخذ قرارات حاسمة لا يمكنه التراجع عنها مقابل ستة أشهر فقط من الراحة. نتيجة لذلك، يبدو البيت الأبيض عالقاً بين طهران والكونغرس الأميركي، فضلاً عن أنه لا يستطيع الاستمرار طويلاً مع حالة الجمود الراهنة. فقد أكد أوباما أن "الاحتواء" ليس خياراً مطروحاً. ويأمل الرئيس الأميركي أن يدفع خليط المصاعب الاقتصادية والخوف من العمل العسكري طهران إلى التعقل، وإلا سيكون أوباما مستعداً للجوء إلى القوة، حسبما قال. لربما يشعر أوباما أنه كما أدى رفض إيران محاولات الولاياتالمتحدة التقرب منها إلى عقوبات أقسى، كذلك سيؤدي فشل المفاوضات إلى ضربة عسكرية تتمتع بدعم كبير ضد منشآت إيران النووية، ويمكنه القول، بينما تقلع الطائرات الحربية، فإن إيران لم تترك لنا خياراً آخر. سيشكل ذلك انتصاراً دبلوماسياً... إن اعتبرنا توجيه ضربة إلى منشآت إيران النووية فكرة سديدة، لكن هذا الاحتمال الأخير مريع، (بل أسوأ ربما من الاحتواء) وسيشكل إخفاقاً يمحو كامل سجل المناورات الدبلوماسية الناجحة الذي شهدناها خلال السنوات الأربع الماضية. يدرك أوباما جيداً، بخلاف الكثير من أعضاء الكونغرس، أن حتى ألدّ خصومنا يملكون مصالح خاصة بهم، أنهم يعتبرون هذه المصالح شرعية تماماً كما ننظر نحن إلى مصالحنا، وأننا نملك على الأقل فرصة تسوية الخلافات معهم إن تمكنّا من العثور على مواضع تتداخل فيها مصالحنا، وقد آن الأوان ليطبّق هذه الحكمة في الشأن الإيراني.