رغم تحول الإمارات إلى أرض خصبة لتصوير الأعمال الفنية من مسلسلات وأفلام، وقد شهدت إقبالاً عربياً وعالمياً لتنفيذ هذه الأعمال في الآونة الأخيرة، فإنها لم تستطع بعد أن تجذب المنتجين لتصوير البرامج فيها، علماً أنها تمتلك استوديوهات ضخمة تتوافر فيها المتطلبات اللازمة، مثل "مدينة دبي للاستوديوهات" و"مدينة دبي للإعلام" و"توفور 54" . فلماذا مازالت أغلبية البرامج التابعة لقنوات محلية، وأخرى عربية تبث من الإمارات، تعتمد على التصوير في استوديوهات بيروتوالقاهرة؟ توجهنا إلى المعنيين بالسؤال وجاءت الإجابات في التحقيق التالي الذي يثبت أن عجلة التصوير محلياً بدأت . يحدثنا علي جابر مدير عام قنوات "إم بي سي"، التي تتخذ من مدينة دبي للإعلام مقراً لها، عن تصوير البرامج ببيروتوالقاهرة قائلاً: "السبب الأساسي وأعتقد الوحيد الذي يجعل مؤسسة "إم بي سي" تنتج أغلب برامجها ببيروتوالقاهرة أكثر بكثير مما تنتجه بدبي، هو اقتصادي، فكلفة الإنتاج في الإمارات تجعلنا نجد الساعة الإنتاجية تبلغ 30 أو 35 في المئة أكثر من أي مكان آخر يتم فيه الإنتاج، وعدم وفرة الأيادي العاملة الفنية المتخصصة بالبرامج هنا كوفرتها في تلك الدول، وهنا أقصد المهارات الفنية التقنية، كما أن استقدامهم للإمارات يتسبب في ارتفاع الأجور" . ويتابع جابر: نتفاوض مع إمارتي أبوظبيودبي لتأمين التسهيلات والخصومات، ليصبح الإنتاج البرامجي محلياً، وقررنا بشكل جدي قبل فترة، بالتعاون مع "مدينة دبي للاستديوهات" و"توفور 54" بأبوظبي، أن ننقل جميع أعمالنا الدرامية لتنتج محلياً، أما البرامج الكبرى في "إم بي سي" ؛برنامج "ذا فويس"، فحين قررنا إنتاجه بدبي وجدنا أن فرق السعر لم يكن لصالحنا، وبما أننا مؤسسة تجارية بالدرجة الأولى ويهمنا الإنتاج الأقل تكلفة، قمنا بحسابات الربح والخسارة، لذا تقرر إنتاج البرنامج ببيروت، ونقل برنامجي "أراب آيدول" و"أراب غوت تالينت" إلى دبي بعد انتهاء مشاوراتنا مع دبيوأبوظبي، كي نؤمن تكلفة إقامة وسفر وإيجار استوديو، ومعدات أقل، أي أن هناك خطوات حثيثة بهذا الشأن . ويشير جابر إلى أن من ايجابيات الإنتاج المحلي تواجد الإدارة المركزية بدبي، بحيث تجعل العمل أكثر سلاسة لمتابعة الأعمال المنتجة، والسيطرة على نظام جودة الإنتاج بشكل أفضل . أما التحديات التي تواجه الإنتاج خارج الإمارات فهي: "عدم الاستقرار الذي نلاقيه في بيروتوالقاهرة الآن بينما تتمتع الإمارات باستقرار وبيئة مشجعة على العمل بشكل آمن ويدعو إلى التطوير أيضاً" . ويضيف: "نحن ننتج ما قيمته 150 مليون دولار بالسنة، بينما مؤسسات دبيوأبوظبي قد تكون تنتج بما قيمته 350 مليون دولار سنوياً، وبذلك يمكن للإمارات استقطاب ثلثي ما ينفق خارجها إلى الداخل" . يشيد علي خليفة الرميثي، المدير التنفيذي لشؤون الإذاعة والتلفزيون في مؤسسة دبي للإعلام، مدير تلفزيون دبي، بمبادرة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، التي ترمي إلى خفض تكلفة الإنتاج الإعلامي، بعد التنسيق مع مدينة دبي للاستوديوهات، وتحقيق خصومات كبيرة في الفنادق وتسهيلات في تصاريح التصوير، والتنقل والشحن، وهذه عوامل دافعة ومحفزة لجذب الإنتاج إلى دبي، وأضاف قائلاً: "نحن في مؤسسة دبي للإعلام بدأنا فعلياً بالإنتاج المحلي، ولدينا برامج تنتج في بيروت وحقوقها مملوكة لتلك الجهات المنتجة، ولكن الوضع الأمني العام في المنطقة حتم علينا أن ننقل الإنتاج البرامجي إلى الإمارات، أما الدراما فأعتقد أننا أكثر الجهات إنتاجاً لها محلياً، إلا أن ذلك لا ينفي وجود عدد من التحديات في هذه المسألة، كمعاناتنا في الحصول على نصوص جيدة وممثلين، إضافة إلى ظهور ظاهرة جديدة في الإمارات، وهي تحول عدد كبير من الفنانين إلى منتجين وهذا خطأ برأيي" . وختم: أعتقد أن البيئة في الإمارات كالتنوع الجغرافي وموقعها يخدمها لمصلحة العملية الإنتاجية، ولذلك فإن أغلب إنتاجنا المقبل سيكون بين دبيوأبوظبي والفجيرة، إضافة إلى فتح قناة تعاون مع أبوظبي، وهناك استوديو بدبي يقام على تجهيزه في شارع الشيخ زايد، وآخر في "مدينة دبي للاستوديوهات"، وهذا هو التحول الذي نعمل عليه حالياً، ورغم أن التكلفة ستزيد إلا أن الأمر يخدمنا كإدارة في مراقبة العملية الإنتاجية، ونحن كمؤسسة حكومية ملزمون بتمويل إنتاجنا المحلي" . حول التحديات التي تفرض نفسها في إنتاج البرامج يقول الرميثي: "بيروت تبقى هي الخيار المفضل بالنسبة للقيمة الإنتاجية، حيث تكلفة الساعة الإنتاجية أقل بكثير من أي مكان آخر حتى من القاهرة نسبة إلى النوعية الإنتاجية، كما لديهم مهارات فنية عالية خاصة في برامج الترفيه، حيث تتوافر هناك الفرق الفنية والاستعراضية وكل ما يلزم، إضافة إلى العنصر الأهم وهو توفر الجمهور، ففي الإمارات تكلفة الجمهور مرتفعة جداً، كما أن هناك عدم التزام من قبلهم، إضافة إلى قيود اجتماعية كثيرة، بينما تفاعل الجمهور في بيروت هو عامل مهم لعملية الإنتاج، حيث لديهم ثقافة الوجود في المسرح التي للأسف نفتقدها في بلدنا" . عن التغلب على المعوقات يقول: "لا توجد عملية خالية من المعوقات، إلا أن التغلب عليها يتم بالخبرة التي تنشأ بالممارسة، فارتفاع التكلفة الإنتاجية محلياً وثقافة الحضور المسرحي قد نتجاوزها في المستقبل، بعد أن نعمل على الإنتاج المحلي للبرامج، ما يخلق حركة تستقطب فنيي العمل إلى الدولة، خاصة أننا نتمتع بمميزات عدة وأساسية كاستقرار الوضع الأمني وتوفر الكهرباء، وهذه فرصتنا الذهبية لتبوؤ عملية الريادة الإنتاجية، وتحويلها إلى استثمارية" . أما عيسى الميل مدير قناة "أبوظبي - الإمارات" فيرى أن إنتاج أي برنامج محلياً أو خارجياً يعتمد على عناصر عدة قائلاً: "لكل برنامج ظروفه سواء في المضمون وما يفرضه من عناصر، أو في الشكل وما له من تفاصيل مادية، ولكن دائماً هناك إمكانية إنتاج البرامج في الدولة بما يغذي روح التنافس بين القنوات الفضائية، كما أن التكلفة تختلف بين برنامج وآخر . وفي ما يخص مسألة توفر الجمهور محلياً يوضح: الأمر يعتمد على القدرات التنسيقية في القناة لكي تستطيع جذب أعداد كبيرة من الجمهور الشبابي الذي يخدم توجه البرامج ويضيف نكهة حيوية للمتابعة، وتستطيع الإدارة توفير أي عدد من الجمهور من دون مقابل مادي، فالعلاقات الطيبة والفائدة الاجتماعية والإعلامية هي المقابل في مثل هذه الحالات" . وعن مدى إمكانية تصوير البرامج داخل الدولة، خاصة مع توفر الاستديوهات في المنطقة الإعلامية بأبوظبي "توفور 54"، يقول الميل: "هناك خطة تعتمد على الاستفادة من العنصر المواطن والإمكانات المتاحة في الدولة، وسوف تشهد الدورات البرامجية المزيد من البرامج المنتجة محلياً والتي تتميز بجودتها العالية ولنا تجربة في ذلك في شهر رمضان"، بينما يجيب الميل عن وجود الفنيين محلياً، والذين يعدون عنصراً رئيساً في إنتاج البرامج: إن إنتاج البرنامج الواحد يمثل منظومة متكاملة في الميدان الفني والموضوعي، بحيث إذا تم توفير المكان الملائم والفكرة الجيدة والعناصر الناجحة فإن العنصر الفني سيكون قادراً على الانسجام مع البقية، بما يوفر الجودة وهو ما سوق نقوم به في المرحلة المقبلة حسب توجهات الإدارة . أما عن مقارنة تكلفة إنتاج حلقة برنامج بين الداخل والخارج، فيقول الميل: "لا يمكن وضع البرامج كلها ضمن قياس واحد، لكن في جميع الأحوال هناك قاعدة إنتاجية لفهم ومعرفة طبيعة خفض التكلفة مع توفر جودة الإنتاج" . من ناحية أخرى، يحدثنا عز عبدو، مخرج ومدير إنتاج شركة "نيوميديا برودكشن" عن أهم التحديات التي تواجه عملية إنتاج البرامج محلياً قائلاً: "الاستديوهات وارتفاع أجور الخبرات الفنية البشرية هي أهم المعوقات، لكن بالمقابل هناك تقنيات حديثة وعلى مستوى عالٍ متوافرة في الإمارات لا نجدها في مدن الإنتاج كبيروتوالقاهرة، إلا أن هاتين المدينتين تتميزان بوفرة الفنيين وبأجور منخفضة، وإذا استقدمناهم سنتكلف الكثير، ولذلك أجد أن مسألة ارتفاع الأجور العنصر الأهم الذي يواجهنا كمنتجين" . ويؤكد عبدو أن الإمارات تتمتع بخصائص عدة تؤهلها لتكون بيئة مميزة إنتاجياً وخاصة على مستوى الدراما، حيث الاستقرار والبيئة الإعلامية المناسبة والتقنيات الحديثة، إلا أن هناك بعض التحديات التي يأملون كمنتجين تجاوزها مثل ارتفاع أجور الجمهور . بينما يطرح عبدو حلولاً لهذا الاشكالية، تعتمد على توفير مزايا للفنيين كي يتم استقطابهم، والحاجة إلى استديوهات بأسعار مقبولة لشركات الإنتاج . محمود راشد "مسؤول المنتجين في تلفزيون أبوظبي"، يتفق مع عبدو في أن الإمارات تتميز بأهم عناصر الإنتاج، ألا وهي التقنيات الحديثة لإتمام العملية الإنتاجية، ويتفق معه في أن ارتفاع الأسعار والأجور هي المشكلة الحيقيقة، إضافة إلى ارتفاع أجور الجمهور، حيث يعد أجره أغلى بكثير مما يمكن استقطابه في كل من بيروتوالقاهرة، حيث يشكل الفرق الذي يتقاضاه الجمهور هنالك 25% مما يتقاضاه الجمهور في الدولة، إضافة إلى أن اهتمامات الجمهور في الدولة مختلفة عنها هناك، ففي الإمارات بحسب راشد يمكن استقطاب جمهور مسرح متكامل لبرنامج "شاعر المليون" دون أجر، لأن هناك طبقة واسعة مهتمة بالشعر، بينما يصعب استقطاب جمهور لبرنامج ترفيهي أو غنائي، كما أن تكلفة إنتاج برنامج ما في الدولة يرتفع بنسبة تقارب 40% مما لو تم إنتاجه في بيروت أو القاهرة ويضيف: "لا يمكن الحل دون النظر إلى ارتفاع الأسعار والأجور، ومتى ما توفر الحل لإقامات الفنيين ومعيشتهم استطعنا تجاوز الكثير من الإشكالية، بينما لا أتفق مع فكرة أن قرب مواقع إنتاج البرامج من الإدارة المركزية لأي قناة أو شركة إنتاج تعد ميزة إضافية لعملية الإنتاج المحلي، ذلك أننا في عصر تقني يتيح لنا تعديل أي برنامج حتى لو كان في دولة أخرى، لكن أستثني من ذلك البرامج المباشرة التي تبث على الهواء".