حوار النخبة نقاش متجدد على صفحات منتدى الحراك الجنوبي ندعو المثقفين الجنوبيين للمشاركة فيه.. على هذا الرابط http://aden11.com/vb/showthread.php?t=29290 "ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده" * بقلم :عمقيان بمتابعة مساهمة الاساتذة الاجلاء يجد المرءفيها من الثراء النظري مايغني ، فهو حوارعقل وفكر في رحاب منتدى فسيح باقلامه ومشرفيه وادارته ، فثقافة الحوار تحتاج الى الحرية والحوار العاقل المتوازن ، فهما يشكلان مدخلا مهما لها، وهي الثقافة التي تؤسس احترام الذات بمثل ماتؤسس احترام الاخر اي كان الاختلاف معها ، من خصائصها اعتراف كل طرف بالاخر والايمان بالندية والمساواة ، اما وظيفتها فتعني الانفتاح على الاخر نفسيا وفكريا وموضوعيا وعدم فرض شروط مسبقة ، واهمية اشاعة التفكير النقدي الحر المستند الى العقل وتنمية روح المبادرة وتحمل المسؤولية ، فالحوار اداة تواصل وتفاهم واستيعاب ومراجعة . وفي هذه الحلقة من النقاش التي نسهم فيها من موقع الاجتهاد النسبي في الثقافة والاختصاص ، فان شمولية المادة وسعتها تعقد مهمة المشاركة بتعدد المدارس ومنهجية النقاش ، وغياب التدرج الحواري الذي يهدف لاشباع كل فكرة من جزئيات المادة و من ثم الانتقال للفكرة اللاحقة لها، ، كأن ينطلق النقاش حول مفهوم الحوار ، من ثم خصائصة ووظائفه ، نطاقه ومحاوره وتطبيقاته ، فللحوار مفهوم ونطاق واسع ، ولكل نوع من انواعه ادواته وماهيته ، فالحوار بين الاديان وحوار الثقافات تختلف عن الحوارالسياسي وهكذا ، وبالرغم من اندراجها جميعا تحت مفهوم الحوار ، فان مسالكها وطرقها ليست واحدة ، كما ان الحواروتطبيقاته تختلف باختلاف تطور المجتمعات الانسانية حضاريا وثقافيا ، فالبنى الاجتماعية والسياسية تلعب دورا مهما في خلق بيئة الحوار وثقافته وتنميته ، ومقوماته في ا لبيئة الديمقراطية التصالحية تحتلف عنه في البيئة التصارعية ، والعقلية الحوارية لايمكنها ان تتطور موضوعيا في بيئة تصادمية وثأريه وهمينة القمع والتسلط. ان الحوار في واقعنا لا يعتبر قضية نظرية مجردة قياسا الى المفهوم النظري المتعارف عليه ، فالخلاف لا يدور حول الحوار بمفهومه العام ولكن بثقافة الحوار وتطبيقاته، ولذلك فنحن معنييون بتقييم مكونات البنى الاجتماعية وانعكاسها على سلوك الفرد والجماعة ، في بيئة تؤمن بالمغالبة وتنتج فكرا تصارعيا وتصادميا يقوم على الهيمنة والتسلط ، اي مدرسة صراعية بالمعنى الحياتي والحضاري ، نجد في الثقافة نفسها مدخلا للعزلة والممانعة ومبررا لعدم التفاعل والاندماج وعدم الانفتاح على الاخر . فالثقافة السياسية العربية مثلا ، التي نعتبر جزء منها هي ثقافة سلطوية بمعايير التبعية ، ومساواة المواطنين بمفهوم الرعية ، جعلت البنى الشكلية التقليدية ميدانا للصراع مع الاخر واقصائه ، فحل نهج القمع البدائي محل الحوار العقلاني ، ومكان ثقافة التواصل والحوار والتنوع ، في صراع بعضه معلن متجدد، وبعضه الاخر كان ينخر في صلب المجتمعات ، وسادت دعوات الانغلاق والتفرد في موقف الدولة تجاه مواطنيها او موقف التيارات الحزبية العقائدية في مواجهة بعضها، فالعلاقات الاجتماعية السائدة بين الافراد غالبا ما يسودها التسلط والقهر، فهي سلطة ابوية ، كما يراها احد الباحثين ، وهو قهر الطبيعة وقهر التقاليد الجامدة التي تشل الفكر وتمنع الموقف النقدي ،وقهر السلطة على اختلاف وجوهه واشكاله . ولذلك فأن منظمومة القيم التقليدية تتغلل في السلوك اليومي ، وانتجت بدورها صراعا في شخصية الفرد ، وعلى حد تعبير احد الشعراء " ان الواحد منا في الداخل يحمل ضده *" فالتعصب قيمة طاغية على مستوى الدول والافراد وسلوك متبلورومترسخ في الشخصية العربية. ان الاشكالية التي يواجهها بعض المثقفين والباحثين ، هي انغماسهم في مدخلات الفكر الغربي ، وعدم قدرتهم على موائمة اوغربلة الافكار الناتجه عن حضارات وتجارب انسانية مختلفه على واقعهم ، ليس في المفاهيم الجزئية المتعلقة بقضية الحوار ، بل و بغيرها من المفاهيم الجوهرية كقضية الديمقراطية وفكر الدولة ومضمون ووظيفة السلطة وغيرها من القضايا الفلسفية والنظرية في الفكر الانساني، وبالتالي يكون للمحاكاة والتقليد اثرا سلبيا في العمليات السياسية والاجتماعية والثقافية ، فيتولد صراع القيم التي تواجه الانسان وتنظم علاقاته بالاخرين وعلاقته بالواقع وعلاقته بنفسه ، فنكون امام قيم مركبة مستمدة من البداوة والقبيلة وحياة المجتمع الرعوي والمدينة والعصرنة، فقيم البداوة والقبيلة هي قيم العصبية والتعصب، " فشخصية الفرد هي فردية وجماعية ، فردية يصعب عليها العمل مع الاخر والتعاون معه ، وهي جماعية لان عضوية العائلة القبلية هي الزامية بالتنشئة ويستمد الفرد قيمه من حكم الجماعة. فهو من جهة مدفوع بنزعة فردية عمياء تجعله يخرج المجتمع ويناقضه ، وبغياب الاساس والبيئة الثقافية والاجتماعية القادرة على خلق التكامل والاندماج مع القيم الحضارية المُستجلبه ، اصبح في ظلها دور المثقفين والمفكرين دورا هامشيا و ببغاويا ،عاجزا عن الفعل والتفاعل في الواقع بغياب عنصر الابداع الذاتي المستقل ، فيكون وجه الثقافة التي نظهرها ماهي الا نقل لوجهات نظر الاخرين ، ونعجزعن قراءة لقديم بمعرفة جديدة بدلا من قراءة الظواهر الجديدة بمعرفة قديمة ، فكان مصير التفاعل والتعامل مع الحوار مثل بقية المفاهيم في ظل البنى الاجتماعية والسياسية ، يقوم على فرض صيغ معينه ، احادية النظر في الامور او اليها ، و اعتبار الحقيقة كلها في مكان واحد ، وفي حالة الاختلاف تظهر الرغبة في الاحتراب ومحاولة الاقصاء ، واضفاء صفة القداسة على الزعيم ليكون قوة كابحة في قهر الاخر ، وفي مهمة احتواء الاخرين والسيطرة عليهم ،ولعلنا نجد تجليات هذه الثقافة المركبة في ظاهرة الانفصام في سلوك الساسه والمثقفين العرب ، حينما يكونوا نظريا مع الحوار، ولكن فهمهم له يعني انه مجرد مصيدة للايقاع بالاخر او قهره ، لا البحث عن الحقيقة ، وفي الممارسة العملية يعود السياسي او المثقف الى جذوره الاجتماعية العصبوية ، بالنمط الابوي التقليدي حيث تكون التنشئة الاجتماعية قائمة على العلاقة العمودية لا الحوارية ، تشجع على الغيرة فتحمل معها بذور السلوك المستقبلي للفرد الذي يسعى للانتصار لذاته المشبعة بالحقد والكراهية . وبناء على ما تقدم ، فان الاشكالية الاساسية ،لا تتعلق بادراك مفهوم الحوار بل بالوعي باهميته والقدرة والقابلية على ممارسته وتحررالفرد من القيود المكبلة لوعيه وارادته ، فالحالة الثقافية العامة تظهر ان فئة من المثقفين يمتلكون مخزون معرفي وقدرات تنظيرية جيدة ، ولكن المشكلة في هذا النوع من المثقفين الذين يسوقون الافكار للاخرين ، انهم يعجزون عن ممارستها والتمثل لها في تعاملهم مع مجتمعهم ، فالمثقف ذاته يحمل الشي ونقيضه في آن واحد ، وهذه الحقيقة الصراعية والقيمية في ذات الفرد والجماعة ، تؤكد صعوبة الفصل التعسفي بين ثقافة الماضي المنشئة وثقافة الحاضرالمٌتًلبسةٍ ، فالهزات العنيفة والمتغيرات لم تحدث من التغيير ما يكفي في بناء ثقافة جديدة تنتقل بالفرد من دائرة التعصب والجمود والتبعية الى القدرة على الخلق والابداع والقبول بالاخر، فظل الحاضرفي ايقاعه وتفاعله العام امتدادا للماضي و نتاج مباشرا له ، وبين الماضي والحاضر فان اعمال وفعل العقل لم تتعثر بغياب تعلم التفكير الناقد والمشاركة السياسية ، وتظل هناك فجوة كبيرة بين النظرية والممارسة . واخيرا فأن ثقافة الحواريجب ان تستجيب للفطرةالانسانية الحرة ومع التنوع والتعدد الكامن في الطبيعة ، اي ان على كل مجموعة بشرية ان تدرك قيمة التجانس في صميم التعدد والتنوع ضمن ظروفها الخاصة ، وان لا تفقد مسؤوليتها الخلقية والانسانية في تشجيع ثقافة الحوار ، وهو ما نحتاج اليه لحل مشكلاتنا في حدود وعي وفعل الممكن ، فالحوار الحقيقي لا يتم الا اذا انشغل المتحاورون في التفكير الناقد الذي ينتج تعاونا ايجابيا فيما هو متفقا عليه ، وان يقدر كل طرف ما يختلف فيه وان لانجعله سبيلا للبغضاء والشحناء والفرقة والاقتتال .