إنهم يأتون من الخلف ولعبة المتناقضات براء الخطيب تفاجأنا عندما قرأنا رواية " انهم يأتون من الخلف " للكاتب المصري براء الخطيب، فالرواية التي كتبت في عام 1978م تتحدث عن المينا والعلاقة القائمة فيه، وهي بدلك تكون ضمن مواضيع ادب الحبر الذي اسهب فيه حنا مينة الروائي السوري، ومع ان الرواية كتبت بوقت مبكر نسبيا الا انها لم تأخذ حقها من الاهتمام، ان كان على صعيد الموضوع ( الميناء )ام الشكل والاسلوب ( التراث والتغريب)، وبما ان ادب البحر لم يتم تناوله الا بشكل محدود، من خلال حنا مينة وجبرا ابراهيم جبرا من خلال رواية "السفينة" وفي الاونة الاخيرة تم تناول اجزاء من رواية " الرب لم يسترح في اليوم السابع" لرشاد ابو شاور، تكون هذه الرواية ضمن الاعمال القليلة التي تناولت البحر وما يتعلق به، من هنا هي تحتل مكانة مهمة في الارواية العربية، من خلال طرحها لموضوع البحر والميناء والعلاقة القايمة عليه، اما على صعيد الشكل والاسلوب فقد استخدم براء الخطيب التزاوج والتقترب بين المتناقضات فهناك الخمارة خلف المسجد " ها هي خمارة الربح البسيط خلف مسجد سيدي البوصيري" ص9، فنجد التناقض بين طبيعة المكانين ومع هذا فهما متلاصقين، وبهذا اراد براء الخطيب ان يقول لنا بان هذا هو العالم لا يوجد فيه فكر او اعتقاد واحد وانما عدة افكار وهي متواجدة وعيش مع بعضها رغم الاختلاف والتناقض بينها، وهذا التناقض في المكان المسجد والخمارة انعكس على الافراد، بحبث نجدهم رغم معاقرتهم الخمر داخل الخمارة الا انهم يطلبون من الله الستر "لنشرب ونطلب من الله الستر فهو ستار رحيم" ص13،" ... ويبقى لي ثلاثة كؤوس وربنا يرزقنا بخمرة بقية الليلة"ص60، هذا على صعيد الاشخاص المعاقرين للخمرة ورواد الخمارة، اما الاخرين رواد المسجد فقد تناولهم براء الخطيب بطريقة اخرى متناقضة لما يبدون فهم من خلال التلاصق بين المكانين نجدهم يرتادون المكانين رغم التعارض بينهما "صب ريس المستورة كأسين كأسا للحاج ناضوي وكأسا له ... فشرب الحاج كأسه " ص12، فهذه الريادة للخمارة وللمسجد كانت تمثل المزاوجة بين المتناقضات وتوحدهما معا، فقد ارد الكاتب هنا ان يجعلنا لا نزدري ايا كان لما تبدي من سلوك فلكل منا عالمة الخفي، الذي لا يظهره لاحد، ولم تقتصر هذه التصرفات المتناقضة للمكانين وللاشخاص وحسب بل تعداها الى السلوك الذي كان يمثل ذروة الازدواجية للشخصيات الروائية " تقيأ الحاج ... جاء عمران ومسح الارض ومسح عباءة الحاج واحضر زجاجتين نصف كونياك ونصف روم" ص13، لم يكتفي الكاتب بهذا الامر بل تعداه الى ما هو ابعد منه بكثير، ممارسة البغاء قبل وبعد صلاة الصبح "وحتى اذن الديك " .. صباح كل جمعة دون ان يراك احد ثم تصلي الجماعة وتعود ... وتعود زبيدة تقول تجدني في انتظارك" ص22، " آه يا زبيدة دثؤيني جيدا "ص31، " نصف روم يا عمران وسوف نشرب حتى يؤذن الديك" ص35هذا (التغريب) للاحداث جعل الرواية تحمل فكرة التوحد بين المتناقضات او الازدواجية في سلوك الاشخاص، وكأنه الكاتب اردنا ان لا نهتم بالشكل بدا حيث انه لا يمثل سوى قناع يخفي خلفه حقيقة اخرى. وما يميز هذا العمل الروائي استخدام التراث الديني القرآن الكريم بشكل كبير، فتكاد كافة الشخصيات الروائية تتحدث منطلقة من الثقافة الدينية التي تشكل اساس فكرها، فرغم اقدامها على فعل الكبائر شرب الخمر والبغاء الا ان الثقافة الدينية تكاد ان تكون ملازمة بالقول لاي حديث يتكلم به الشخصيات، " قل لو كان البحر مدادا كتبتها يد الخالق مختتمة بها كتاب الخلق المقدس"ص13 " وصل داخل حضنها الرحيم، مبسملا باسمه الرحمن الرحيم"ص19" آه يا زبيدة دثريني" ص31" يوم الجمعة الماضية قال الامام مرة انك امارة بالسوء وقال مرة اخرى انك لوامة ولذلك وانا المؤمن لن أتمر بامرك انت الامارة بالسوء هذا ما قاله لنفسه الامارة بالسو"ص50، والرواية تحتوي على الكثير من هذه المقولات، طبعا هذا يعكس الثقافة الدينة لبراء الخطيب اولا قبل ان يكون ذلك ثقافة المجتمع المصري، ً