الفريق السامعي: العدوان الصهيوني على سوريا انتهاك للسيادة وجزء من مشروع استعماري قذر    جامع بن حبريش يسلم حضرموت لأحزاب البعث اليمنية    الرئيس الزُبيدي يناقش مع السفير الياباني سبل مضاعفة الدعم التنموي لبلادنا    حان الوقت للتعاون مع جنوب اليمن وصوماليلاند لحل معضلة الحوثيين    خبير أرصاد: أمطار متفاوتة متوقعة على مناطق واسعة من اليمن خلال الساعات القادمة    الذهب يرتفع مع ترقب الأسواق مفاوضات الرسوم الجمركية الأميركية    بأكثر من 210 ملايين ريال.. صندوق المعاقين يصرف دفعات من المساعدات الدراسية    عشرات الشهداء في غزة بينهم 21 من طالبي المساعدات    موعد مباراة الزمالك والشمس الودية استعدادا للموسم الجديد    فيفا يعلن فتح باب التسجيل لقرعة تذاكر كأس العالم 2026    نيابة الصناعة التجارة بعدن تتلف 15520 علبة من معجون الطماطم الفاسد    غارات صهيونية تستهدف القصر الرئاسي وهيئة الأركان ووزارة الدفاع في دمشق    مناقشة وإقرار مشاريع الخطط الدراسية الموحدة في الجامعات    بتعمد رسوب آلاف الطلاب.. اتهامات للمليشيا بالتلاعب بنتائج الثانوية    آفة المخدرات... خطر يُهدد مستقبلنا    سوق نجم الخامس بحوطة الفقية علي    القحوم يشيد بجهود الجمعيات التعاونية في تنظيم تسويق محصول التمور    الاقتصاد يدشن 54 خدمة جديدة عبر البوابة الإلكترونية لهيئة المواصفات "تسهيل"    ليفربول يجهز 120 مليونا لضم إيزاك    اليمنيون يؤدون صلاة الاستسقاء في العاصمة صنعاء والمحافظات    حملة واسعة لرفع المركبات المتهالكة وإزالة العوائق والتعديات على الشوارع العامة والرئيسية بدارسعد    الجنوب بين فكي الأزمة الخدمية والاقتصادية.. والمجلس الانتقالي يؤكد تمسكه بخيار الصمود    لواء الضبة بالشحر يضبط مواطنًا بحوزته أسلحة وذخيرة وأجهزة لاسلكية    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 16-7-2025 في الجنوب واليمن    المقدم النقيب: قوات المسلحة تخوض معركة وطنية وتكتب تاريخاً مشرفاً بالأمجاد    الترب: اليمن قوة لا يستهان بها في المنطقة وحان الوقت لصنع السلام    هندرسون يعود إلى الدوري الإنجليزي    البايرن يخصص مبلغًا قياسيًا لضم رودريجو    مركز أمريكي: الحملة الأمريكية فشلت في تحقيق أهدافها في اليمن وتكبدت خسائر فادحة    عصيان مدني شامل بالمكلا    علماء الآثار الروس يستخدمون مسيرات تحت مائية لدراسة مدينة قديمة غارقة    بيع ختم يمني من ذهب الإلكتروم في مزاد بأمريكا    مختصر كتاب الحرب النفسية وسائلها وأساليبها الملتوية    خواطر سرية.. ( الشهداء يضعون الاختبار )    الفلفل الأسود بين الفوائد الغذائية والمحاذير الدوائية    حقوق الإنسان تدين جريمة الميليشيا بحق الأطفال شمال تعز وتدعو الأمم المتحدة لإدانتها    فتاوى الذكاء الاصطناعي تهدد عرش رجال الدين في مصر    أول فرع تأسس للإخوان المسلمين في اليمن تم العام 1929    سيتي يعيّن توريه في الجهاز التدريبي    عُمان تستعين بكيروش في الملحق الآسيوي    ليفربول يعرقل رحيل دياز إلى البايرن    عودة الرئيس الزُبيدي تنعش آمال شعب الجنوب بتحسن الأوضاع المعيشية    مراسل صحفي يفضح بطولات "صلاح باتيس" الوهمية ضد الحوثيين والرئيس هادي    هؤلاء لا يريدون وطن    وزير الشؤون الاجتماعية يبحث دعم المرأة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان    الجاوي: إجراءات البنك المركزي بصنعاء ليست تدابير مالية داخلية    خبير مالي يوضح حول تاثير الورقة النقدية المطبوعة على قيمة العملة الوطنية ويحذر من العبث بقاعدة بيانات العملة الوطنية    روبا فيكيا (قصيدة لعراة العالم)    اسباب ارتفاع الضغط وعلاجه بلاعشاب    وزارة الأوقاف تعلن تدشين أعمال موسم الحج القادم    تدشين فعاليات موسم نجم البلدة السياحي لعام 2025م بالمكلا    دعوة للمشاركة في أداء صلاة الاستسقاء غدا الأربعاء 10 صباحا    المدير العام لفرع الهيئة العامة لحماية البيئة بساحل حضرموت تؤكد الأهمية البيئية لظاهرة موسم البلدة    كنز دفين منذ 5500 عام.. اكتشاف مقبرتين داخل "أهرامات" في بولندا!    أخطاء شائعة في تناول الأدوية قد تعرض حياتك للخطر!    حلم تلاشى تحت وطأة صفعات قوية    الامم المتحدة: تفشي شلل الأطفال في 19 محافظة يمنية    مرض الفشل الكلوي (12)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنسانية قبل التدين
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 04 - 2012


بقلم : الحبيب علي زين العابدين الجفري
الحمد لله..
جاء رجل إلى مكة فى بداية البعثة وقد وصل إليه طرف من خبر النبى الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ يبحث عنه فلما وجده باشره بالسؤال قائلاً:
- من أنت؟
- رسول الله.
- ومن أرسلك؟
- الله عز وجل.
- بماذا أرسلك؟
- فأجابه النبى الكريم: «بأن تُوصلَ الأرحام، وتُحقن الدماء، وتُؤمَّن السبل، وتُكسَّر الأوثان، ويُعبد الله وحده لا يُشرك به شىء».
فقال الرجل: نِعمَ ما أرسلك به، وأُشهدك أنى قد آمنت بك وصدقتك.
وهنا دروس عظيمة فى حرص الرجل على التثبت والتأكد من الخبر بمباشرة التحقق من صاحبه قبل الحكم عليه وعدم الانصياع إلى الشائعات التى كانت تطلَق لتشويه الرسالة.. ودروس فى مباشرة السؤال ووضوحه والنظر فى محتوى الرسالة قبل الحكم عليها.. ودروس فى سرعة الاستجابة للحق عند ظهوره وعدم التمسك بالموروث والسائد على نحو يحجب القلب والعقل عن تمييز الحق من الباطل.
غير أن الشاهد هنا فى توصيف النبى للرسالة؛ ففيه ما نحتاج إلى التوقف معه وتأمله والاستفادة منه فى المرحلة التى نمر بها.
أصل الرسالة عقيدة التوحيد: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّما إِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحِدٌ».
ومع ذلك قدَّم النبى الكريم فى تعريفه الرجل بما أرسله الله به ثلاثة أمور قبل أن يذكر له التوحيد ويطالبه به، هى:
1- صلة الأرحام؛ الروابط الأسرية (الأمان المجتمعى).
2- حقن الدماء؛ قيمة النفس (تأمين الحياة).
3- تأمين السبل؛ أى الطرقات (الأمن العام).
ثم ذكر تكسير الأوثان وعبادة الله وحده.
فالرجل جاء من بيئة تشكو من نتائج تفشى قطيعة الأرحام والاستهانة بالدماء وقطع الطريق، وهذا الحال، من فقدِ الإنسان لأوليات حق العيش الكريم وحرية الاختيار وتحقيق العدالة، لا يمكن معه فقه عظمة الصلة بحقائق التوحيد الخالص أو تذوق حلاوة الإيمان بالله قبل أن يستقر فى القلوب الإيمان بضرورة ترسيخ هذه المعانى.
ودون «تأمين الحياة» و«الأمان المجتمعى» و«الأمن العام» لا تتشكل لدى الإنسان حرية الاختيار الناضج، ومن ثمَّ لا يكون اختياره حقيقياً بل يكون أشبه بالاضطرار والإكراه المعنوى.
وهذا الدين يقوم على أساس حرية الاختيار: «لَا إكْراهَ فِى الدِّيْنِ».. وتقوم تكاليفه كذلك على أساس حرية الاختيار، فالمُكرَه تسقط عنه المؤاخذة.. بل إن العقل الذى هو مناط التكليف لا يستقل بالنظر فى الأمور فى ظل فقد الأمان، فلا يكون اختياره حقيقياً ولا تنضج قراراته.
وأما القلب الذى هو بيت الإيمان ومستودعه فلا يجد طمأنينته فى ظل غياب هذه التعاليم الفطرية الإنسانية الصحيحة، ومهما توهَّم صاحبُه رسوخَ إيمانه وهو غير مبالٍ بالروابط الإنسانية ولا بحرمة الدماء ولا بحق الأمان فلا يكون بناء الإيمان فى قلبه إلا على شفا جرف يوشك أن ينهار عند أول هزة تحصل له.. فالإيمان يستقر فى قلب الإنسان.
تأملوا هذه العبارة جيداً: الإيمان يستقر فى قلب الإنسان.
ودون «قلب إنسان» لا يكون هناك استقرار حقيقى للإيمان مهما كانت صور العبادات التى يقوم بها، ومهما قرأ من كلام الله تعالى ورتَّله «قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ»؛ لأن أثر القرآن يتوجه إلى القلب «إنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد».
وهذا القلب الحى هو الذى يتفاعل مع ذكر الله بالطمأنينة «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللهِ..»، ويستشعر معانى الخشية والوجل «إنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم..»، ويتعشق الطهارة من الغل والحقد «وَلا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنا غِلّاً للَّذِينَ آمَنُوا..»، ويكون صاحبُه منسجماً مع محيطه مؤتلفَ القلب صادق الأخوّة متجاوزاً للعداوة سامياً بإيمانه عنها «وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً..».
ولهذا جعل الله أساس الكسب هو القلب «وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم..»، وجعل نظره تعالى إليه قبل نظره إلى العمل «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»..
وربط تعظيم الشعائر برسوخ التقوى فى القلب «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ»..
وعندما وصف الله أتباع السيد المسيح، عليه السلام، قدَّم وصف قلوبهم على ذكر أفعالهم فقال: «وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً..».
فقدَّم النبىُ صلة الأرحام وحقن الدماء وتأمين الطريق على ذكر التوحيد؛ لأن الإخلال بها والتجرؤ على قطيعة الرحم وسفك الدماء والتعدى على من يسيرون فى الطريق أفعال تضر قلوب مرتكبيها فيحيط بها الران «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلوبِهِمْ مَا كَانوا يَكْسِبُون»، ويصيبها العمى «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ».. وتفقد التمييز والفهم «لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يفْقَهُون بِها..»، وتُغلِّفها القسوة «ثمَّ قَسَتْ قُلوبُكُم مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِى كَالحِجَارَةِ أَو أَشَدُّ قَسْوَةً..»، فيسهل على الإنسان الكذب ويصبح كلامه مخالفاً لحقيقة ما فى قلبه «يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ..»، ويسهل عليه أن يقول للناس ما يأباه قلبه «يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأبَى قُلُوبُهُم..»، دون أن يشمئز من المرض الذى أصاب قلبه أو يخشى ازدياده بتماديه «فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً..».
وعندها يفقد إحساسه الإنسانى بالخطأ ولا يزداد إلا تمادياً فى الرذيلة وإن صلى وصام وقرأ القرآن «وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ..».
وقد حذَّر الله من هذه الحالة التى يقسو فيها القلب فلا يتحرك ولا يتأثر بالذكر «فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيةِ قُلُوبُهُم مِنْ ذِكْرِ الله..».
بل ربط سبب إصرار الكفار على الكفر بعد وضوح الحق لهم بما فى قلوبهم من حمية جاهلية «إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى قُلوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ..».
ودعاهم إلى التطهر منها بالسير الآمن فى الأرض كى تتنور قلوبهم فتتفكر وتعقل «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَتُكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يعْقِلُون بِها..».
نعم أحبتى..
الإنسانية قبل التدين، ولا أقول قبل الدين.. فالمرأة التى حبست هِرَّة حتى الموت دخلت النار، والمومس التى سقت كلباً غفر الله لها بالرحمة التى فى قلبها.. كما أخبر المعلم الأعظم والإنسان الكامل، صلى الله عليه وآله وسلم.
لهذا فنحن بحاجة إلى استعادة إنسانيتنا حتى يصح تديننا..
ونحن بحاجة إلى أن يتوجه تديننا إلى إحياء قلوبنا لتنتعش آدميتنا وتستيقظ إنسانيتنا فتخلع عنها الاغترار وتأوى إلى رحاب الله وحده لا شريك له.. فتخلع عنها شرك «الأنا»، وتخلع عنها شرك الطمع، وتخلع عنها شرك الرياء والسمعة، وتخلع عنها شرك حب المكانة والشهرة، وتتلقى حقيقة العلم الأقدس: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِناتِ واللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ».
اللهم ثبِّت عِلم «لا إله إلا الله» فى قلوبنا واغفر لنا ذنوبنا والمؤمنين والمؤمنات.
0.000000 0.000000
شارك الموضوع في
Like this:
Like Loading...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.