اختيار وزير الداخلية لمنصب رئاسة الحكومة في مواجهة الازمة في تونس تونس وكالات: اختارت حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس الجمعة ترشيح وزير الداخلية علي العريض لرئاسة الحكومة ومحاولة تشكيل فريق قادر على اخراج البلاد من ازمة سياسية عميقة نشبت بعد اغتيال معارض يساري. وقد ابلغ زعيم النهضة راشد الغنوشي قبيل ظهر الجمعة ترشيح العريض الى الرئيس المنصف المرزوقي الذي وافق على تعيينه. وبعد ذلك اعلن الناطق باسم الرئاسة عدنان منصر ان 'الرئيس تمنى للعريض النجاح وسيسلمه هذا المساء رسالة تكليفه رسميا' تشكيل الحكومة المقبلة. ووعد العريض بعد لقائه الرئيس التونسي بانه سيسعى الى تاليف حكومة 'لجميع التونسيين والتونسيات'، وقال 'سندخل مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة التي ستكون حكومة جميع التونسيين والتونسيات انطلاقا من ان الرجال والنساء متساوون في الحقوق والواجبات'. وشدد العريض على انه يحتاج الى دعم 'الرئاسة والمجلس الوطني التأسيسي والاحزاب السياسية والمجتمع المدني لارساء الديمقراطية التي يتطلع اليها الجميع'. واوضح انه سيتطرق في مناسبة اخرى الى 'اولويات' الحكومة المقبلة، رافضا الرد على اسئلة الصحافيين. واعتبارا من تاريخ تعيينه، لدى العريض مهلة تستمر 15 يوما لتشكيل فريقه الحكومي الذي يفترض ان يحصل بعد ذلك على ثقة المجلس الوطني التأسيسي. وعبر رئيس الدولة عن امله في ان يقوم العريض، الشخصية من حركة النهضة، بالعمل على ذلك 'في اسرع وقت ممكن، لان البلاد لا تتحمل الانتظار اكثر'. ويمكن لحزب النهضة اول قوة سياسية في البلاد ممثلة ب98 نائبا، الحصول بسهولة على تأييد 109 نواب (من اصل 217) ضرورية للموافقة على الحكومة. ووعد الحزب بتشكيل حكومة تجمع بين الشخصيات السياسية والتكنوقراط لتوسيع قاعدتها في اسرع وقت من اجل الخروج من الازمة التي تشهدها البلاد منذ اغتيال المعارض اليساري الكبير شكري بلعيد في السادس من شباط (فبراير). وعلي العريض (57 عاما) سجن وتعرض للتعذيب في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ثم اصبح وزيرا للداخلية بعد ثورة 2011. ويعد العريض رجل حوار وينتمي الى الجناح المعتدل في النهضة. وعين علي العريض خلفا لحمادي الجبالي الذي استقال الثلاثاء من رئاسة الحكومة بعد فشل مبادرته التي عارضتها حركة النهضة بشدة. واكد الجبالي في خطابه ان حركة النهضة عرضت عليه ترشيحه مجددا لرئاسة الحكومة الجديدة لكن 'بعد التأمل والاستشارة والاستخارة رايت صعوبة ان اقبل مهمة لا ارى فيها فرصا للنجاح ، لذلك اعتذرت وانا آسف لاني اعلم ان بلادنا وشعبنا ينتظر حلا'. وحمل مسؤولية فشل جهوده في تشكيل حكومة التكنوقراط الى 'كل الاطراف دون استثناء' رافضا بذلك توجيه اي اتهام لحزبه. واستقبلت مبادرة الجبالي ايجابيا من طيف واسع من المعارضة والراي العام وايضا من حزب التكتل احد اطراف الائتلاف الثلاثي الحاكم بزعامة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي. لكنها اصطدمت في المقابل برفض 'صقور' حزب النهضة وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية الشريك الثاني في الحكم وايضا من حركة وفاء المكونة من منشقين من المؤتمر. وقد قدم الجبالي مساء الخميس اعتذاره الى الشعب التونسي عن خيبة الامل، مؤكدا انه لا يزال مقتنعا بان تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية هو 'الحل الانسب' لاخراج تونس من ازمتها. وقال الجبالي امين عام حزب النهضة في خطاب توجه به الى التونسيين عبر التلفزيون الرسمي 'ارى دائما في حكومة الكفاءات الحل الانسب (...) شرط ان تكون مدعومة من كل الاحزاب وان تبتعد عن التجاذبات السياسية'. وتباينت ردود فعل السياسيين التونسيين على الإعلان رسميا عن تكليف العريض بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة خلفا لحمادي الجبالي. وتراوحت هذه الردود بين مؤيد، ومتحفظ، فيما لم يتردد البعض في وصف لعريض بأنه 'فاشل'، وقد يزيد في تأزيم الوضع في البلاد، بينما تمسك البعض الآخر بضرورة تحييد الوزارات السيادية. وقال محمد الحامدي الناطق الرسمي باسم التحالف الديمقراطي، إن تعيين لعريض رئيسا للحكومة التونسية الجديدة 'يعتبر خطوة أولى باتجاه تحييد وزارة الداخلية'. واعتبر أن حركة النهضة الإسلامية بترشيحها لعريض لمنصب رئاسة الحكومة 'أصبحت تعتمد سياسة المناورة'،لأن عددا من قادتها كانوا في وقت سابق 'يعتبرون تغيير علي لعريض وإبعاده عن وزارة الداخلية بمثابة الكارثة'. غير أن محمود البارودي القيادي في التحالف الديمقراطي، والنائب بالمجلس الوطني التأسيسي، لم يتردد في وصف لعريض بانه 'عنوان من عناوين فشل حكومة حمادي الجبالي'. وإعتبر في تصريح إذاعي أن تكليف لعريض برئاسة الحكومة الجديدة، بعد حادثة إغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، وأمام عديد التجاوزات الأمنية 'سيزيد من تأزّم الوضع كما سيزيد من حالة الإحتقان وإنعدام الثقة بين الشعب والسلطة الحاكمة'. أما زياد الأخضر القيادي في الإئتلاف اليساري 'الجبهة الشعبية'، فقد اعتبر أن اختيار حركة النهضة لعلي لعريض لخلافة حمادي الجبالي هو 'محاولة بائسة منها لإبقاء وزارة الداخلية تحت سيطرتها'. وقال في تصريح إذاعي إن لعريض' ليس الشخص المناسب لتشكيل حكومة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد'. ومن جهته، إكتفى التحالف السياسي'الإتحاد من اجل تونس' بالدعوة إلى تحييد وزارات السيادة وتشكيل حكومة محدودة العدد، لا يترشح أعضاؤها للإنتخابات المقبلة، وكذلك حلّ روابط العنف وميليشياته ومنع الأمن الموازي من اجل توفير مناخ إنتخابي ملائم يسمح بتشكيل سلطة تنفيذية تؤمن الإنتقال الديمقراطي. ودعا في بيان وزعه امس كل القوى السياسية الى حوار وطني فوري وجامع وشامل للتوافق الوطني لإنهاء الفترة الثانية للمرحلة الإنتقالية حول خارطة طريق واضحة وتواصلا مع مبادرة الحوار التي أطلقها الإتحاد العام التونسي للشغل. وقال مسؤول رفيع من النهضة لرويترز 'مجلس الشورى اختار علي العريض رئيسا للحكومة المقبلة في تونس'. وقال زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على صفحته على الفيسبوك ان العريض اختير لمنصب رئيس حكومة. وينظر الى العريض على انه من الجناح المتشدد للنهضة الذي يرفض عودة الاحزاب المقربة من النظام السابق الى الحياة السياسية. وواجه العريض انتقادات بقمع الاحتجاجات عندما كان وزيرا للداخلية. وتنتقد المعارضة العلمانية تساهله مع العنف خصوصا مع المتشددين السلفيين مما ساهم في تفشي العنف السياسي في البلاد وانتهى بمقتل بلعيد على يد مجهول. وانتقدت الجبهة الشعبية التي ينتمي لها بلعيد تعيين العريض رئيسا للوزراء. وقال زياد لخضر القيادي بالجبهة الشعبية 'القرار يعمق الازمة لان لعريض ترأس وزارة تتحمل مسؤولية مقتل بلعيد وتتحمل مسؤولية العنف الذي انتشر في البلاد'. لكن تونسيين يقولون انه أظهر صرامة كبيرة في مواجهة تنظيمات ارهابية تابعة للقاعدة. وبدأت تونس بعد الإطاحة ببن علي في كانون الثاني (يناير) 2011 التحول الديمقراطي وانتخبت المجلس التأسيسي ثم اتفق حزب النهضة مع منافسيه العلمانيين على اقتسام السلطة. لكن الخلافات عطلت وضع الدستور وأدت الشكاوى بشأن البطالة والفقر في بلاد تعتمد على السياحة إلى اضطرابات متكررة. وتحول حالة الغموض القائمة دون الانتهاء من التفاوض على قرض قيمته 1.78 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. وقالت مؤسسة ستاندرد اند بورز يوم الثلاثاء إنها خفضت تصنيف تونس الائتماني السيادي طويل الأجل بالعملتين الأجنبية والمحلية وعزت ذلك إلى 'احتمال تدهور الوضع السياسي في ظل آفاق مالية وخارجية واقتصادية تزداد سوءا'.