انور سلطان أُعلن عن الوحدة ولكن لم تقم دولة الوحدة فعلا. لقد دخلت ( ج ع ى ) الوحدة لا لكى تذيب نفسها ،عبر ذوبان مؤسساتها وعلى رأسها المؤسسات العسكرية ، لأنها دولة قبيلة . لم تدخل دولة القبيلة الى الوحدة لتفقد سيطرتها على جيوشها وتسلمها لدولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، بل دخلت الى الوحدة من اجل ايجاد الغطاء لغزو الجنوب. وهذا ما حدث. وبدأت بافتعال الازمات والاغتيالات من اجل طرد الجنوبيين من صنعاء، فصنعاء هي عاصمتهم التي لن يتنازلوا عنها ابدا لأحد، والجنوبيون مجرد دخلاء انتهت مهمتهم بعد اعلان الواحدة. وحولت صنعاء الفترة الانتقالية الى ازمة شنت خلالها حرب اعلامية شعواء تقاسمها المؤتمر والاصلاح، فالمؤتمر تكفل بنبش الماضي واثارة الاحقاد وتأجيج الانقسام الموجود اصلا. والاصلاح تكفل بالجانب الديني وتكفير الحزب الاشتراكي وكل من انتمى اليه، وقاد حملة حزب الاصلاح أحد شيوخه الكبار. دفعت صنعاء باتجاه الحرب ومزقت وثيقة العهد والاتفاق التي جاءت لإنقاذ ما يمكن انقاذه قبل ان يجف حبرها، وأطلقت اولى شرارات الحرب في عمران مشفوعة بإعلان حرب على لسان على عبدالله صالح من ميدان السبعين في 27\4\ 1994 م. ثم ما لبثت أن شنت حربا شاملة بعد هذا الاعلان بأسبوع في 4\5\1994 م دشنتها بالهجوم على معسكر باصهيب. كل هذا بعد ان خرج الجنوبيون الذين وقعوا الوحدة من صنعاء وبقي في صنعاء فقط من له ثارات من الذين هربوا اليها قبل اعلان الوحدة. لقد دخلت ( ج ع ى ) الوحدة لتجد المبرر الكافي للسيطرة على الجنوب العربي مستغلة قبل كل شيء اليمننة التي حجبت حقيقة الحرب، وتصدع الجبهة الداخلية الجنوبية، والدين ، والخداع بحصر الخلاف مع الحزب الاشتراكي اليمنى الكافر ذي التاريخ الاسود ، الذى تهرب من الوحدة واصابه الحنين الى الماضي . لقد صوروا تهربهم هم من تنفيذ اتفاقيات الوحدة، وطرد الجنوبيين من صنعاء، انه تراجع من قبل " الحزب " عن الوحدة، وكان هذا قبل قيام الحرب بفترة، والكثير ابتلع الطعم ولم يدرك طبيعة الحرب واهدافها. كانت ( ج ع ى ) تنظر الى ان مجرد اعلان الوحدة ، ولو لم تقم دولة الوحدة الذى تمثل الشعبين في الواقع ، مدخل كاف لضم الجنوب اليها ، فهي الدولة الاصل بينما ( ج ى د ش ) ماهي الا دولة مفتعلة قامت على أراضي ( ج ع ى ) التي اقتطعها الاستعمار منها ويجب ان تنتهى . وكما قال الزندانى: فقد حكم يمننا -أي الحزب -في المحافظات الجنوبية 23 عاما . انتهى كلامه. نعم هو هكذا، حكم يمنهم، ويجب طرده وازاحته واستعادة الجزء الضائع من يمنهم. دخلت ( ج ع ى ) لا تلغى نفسها بل لتلغى ( ج ى د ش ) ، وكان اعلان الوحدة مجرد خدعة. ان الاستراتيجية التي دخلت بها ( ج ع ى ) الى الوحدة تتلخص في جملة قصيرة : الاحتفاظ بكيانها كما هو والغاء كيان ( ج ى د ش ) . وهى خطة جهنمية استغلت مشاعر الوحدة وغباء النظام في الجنوب واسطورة اليمننة، والدين، وكل ما يمكنها استغلاله. والراجح انها خطة لم يدبرها على عبدالله صالح وحده بل هناك اشتراك دولي في رسمها. انها مؤامرة مكتملة الاركان لم تتضح الا بعد وقوع الفأس في الرأس. فكل ما جرى منذ اعلان الوحدة، بل قبلها والمسارعة في تقديم تاريخ اعلانها، مرورا بالفترة الانتقالية واغتيالاتها وحملاتها الاعلامية وتحضيرها للحرب، الى سيطرة ( ج ع ى ) على ارض الجنوب العربي والغاء مؤسساته دولته السيادية بمختلف اشكالها الجيش والمليشيا والشرطة ، والسيطرة التامة على بقية المؤسسات ، وبروز الممارسات الاستعمارية التالية من نهب وسلب وقمع وتكميم الافواه تحت تهمة " الردة و الانفصال " ، وفرض هوية مغايرة وعدم احترام الهوية الجنوبية ، كل ذلك ابرز حقيقة الاحتلال وجسده . وما قاله الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر فى مذكراته هو تأكيد لهذا الواقع الحي الذى ينطق بنفسه عن حقيقته. لا يمكن مقارنة حالة الوحدة اليمنية، التي اتخذها طرف خديعة، بحالة الوحدة الالمانية اطلاقا، ولا حالة حرب 1994م بحالة الحرب الاهلية الامريكية. فقد كانت الوحدة الالمانية وحدة لدولة قائمة قسمت بالقوة ، ثم مشروع الوحدة لتوحيدها من جديد ، مع هذا الحقيقة الا ان التوحيد كان على اسس صحيحة ، فلم تقام على اساس ان هناك قسم اكثر شرعية من قسم اخر ولا ينظر قسم الى ان الاخر فرع له (ولو حدث ذلك لن تكون الوحدة على هذا الاساس شرعية) ، وتم دمج مؤسسات الدولة دمجا صحيحا مع مراعاة كافة الاشكاليات وما يمكن ان تجره الوحدة من ظلم على شعب المانيا الشرقية نظرا لإلغاء نظامها الاشتراكي ، فلا يمكن ان تحول ببساطة الملكية العامة هناك ، وهى ملكية شاملة لكل شئ ولا يملك السكان سوى المقتنيات الشخصية ، الى الدولة الموحدة ككل ، بل لابد من رفع مستوى السكان فى المانيا الشرقية والا اصبحت الوحدة اجحافا بحقهم من الناحية المادية وحدها . ان دمج المؤسسات حقق الشراكة فى السلطة وتكافؤ الفرص، اما مراعاة النظام الاقتصادي واسس الملكية حقق العدل المادي ولم تذهب الملكية العامة في المانيا الشرقية غنيمة صافية للقسم الاخر، لا بل صرفت المانيا الغربية على تنمية القسم الشرقي لإزالة الفوارق الاقتصادية. كما ان حرب 1994م لا تشبه اطلاقا الحرب الاهلية الامريكية، اولا لسبب المذكور اعلاه انها وحدة بين دولتين وشعبين وليس اعادة توحيد جزأين قسما بالقوة. وثانيا ان الحرب الاهلية الامريكية كان سببها هو تحرير العبيد الذي رفضه الجنوب، وهو سبب لا يبرر الانفصال. فلم يكن مبرر الانفصال طغيان طرف على طرف وتهميشه ونهب ارضه وثرواته ابدا. وثالثا انها دولة واحدة اساسا. ورابعا انها دولة قائمة على شراكة متساوية وتحقيق مصالح الجميع ومراعاتها مما خلق رضاء شعبيا على الدولة وولاء لها، فهي دولة للجميع وتمثل الجميع، ولولا هذا الرضى لما استمرت الوحدة اطلاقا، وإذا لم يحقق الاتحاد مصالح اطرافه سوف تتفكك امريكا الى دول. 25 \ 2 \ 2013 م .