استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    جريمة مروعة تهز شبام: مسلحون قبليون يردون بائع قات قتيلاً!    لماذا رفض محافظ حضرموت تزويد عدن بالنفط الخام وماذا اشترط على رئيس الوزراء؟!    "جروح اليمن لا تُداوى إلا بالقوة"...سياسي يمني يدعو لاستخدام القوة لتحقيق السلام المنشود    " تصريحات الزبيدي خاطئة ومضرة وتخدم الحوثي!"..صحفي يحذر من تمسك الزبيدي بفك الارتباط    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    ليفربول يعود إلى سكة الانتصارات ويهزم توتنهام    رصاصاتٌ تُهدد حياة ضابط شرطة في تعز.. نداءٌ لإنقاذ المدينة من براثن الفوضى    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ورشة في عدن بعنوان "مكافحة غسل الأموال واجب قانوني ومسئولية وطنية"    أين تذهب أموال إيجارات جامعة عدن التي تدفعها إلى الحزب الاشتراكي اليمني    السلطة المحلية بمارب توجه بتحسين الأوضاع العامة بالمحافظة    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    صحيفة بريطانية تفجر مفاجأة.. الحوثيون دعموا تنظيم القاعدة بطائرات مسيرة    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    الوكيل الحسني يطلع على سير اعمال مشروع إعادة تاهيل الشارع العام مدخل مدينة الضالع    لماذا اختفت مأرب تحت سحابة غبار؟ حكاية موجة غبارية قاسية تُهدد حياة السكان    خصوم المشروع الجنوبي !!!    الحبيب الجفري ناعيا الشيخ بن فريد.. أكثر شيوخ القبائل والساسة نزاهة في بلادنا    افتتاح دورة مدربي الجودو بعدن تحت إشراف الخبير الدولي ياسين الايوبي    مجلس القضاء الأعلى يقر إنشاء نيابتين نوعيتين في محافظتي تعز وحضرموت مميز    قيادي حوثي يعاود السطو على أراضي مواطنين بالقوة في محافظة إب    بعد رحلة شاقة امتدت لأكثر من 11 ساعة..مركز الملك سلمان للإغاثة يتمكن من توزيع مساعدات إيوائية طارئة للمتضررين من السيول في مديرية المسيلة بمحافظة المهرة    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    تنفيذي الإصلاح بالمهرة يعقد اجتماعه الدوري ويطالب مؤسسات الدولة للقيام بدورها    الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بغزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و683    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    عندما يبكي الكبير!    صحيفة بريطانية: نقاط الحوثي والقاعدة العسكرية تتقابل على طريق شبوة البيضاء    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقف عراقي يكتب عن فرج فودة وأجواء عدن المخيفة بعد الوحدة مباشرتا
نشر في الجنوب ميديا يوم 12 - 11 - 2012

((عدن الغد)) د. رشيد الخيّون
فرج فودة.. توقعنا الاغتيال ونحن في أجواء عدن المخيفة!
فرج فودة
كنا شاهدنا المناظرة التاريخية، على هامش دورة معرض الكتاب بالقاهرة 1992، التي اغتيل إثرها الباحث فرج فودة (8 يونيو/ حزيران 1992). كان صيف القاهرة يقترب مِن صيف مدينة عدن الساخن، والاغتيالات على قدم وساق في هذه المدينة، بعد الوحدة اليمنية في مايو (أيار) 1990. كانت المناظرة بين دعاة الدَّولة المدنية ودعاة الدَّولة الدينية، أو الخلافة الإسلامية بشكل مِن الأشكال. حينها وبتأثير الأجواء الكئيبة والمخيفة لكثرة الاغتيالات، بقينا نترقب اغتيال الباحث العميق فودة في أية لحظة.
كان النزاع على أشده في اليمن، بين الإسلاميين، القادمين مِن الشِّمال، وشيخهم عبد المجيد الزَّنداني، الصيدلاني والشيخ الدِّيني الحزبي، وصوره وخطاباته تملأ صحيفة "الصحوة"، ومقرات حزب الإصلاح، وهو تجمع الإخوان المسلمين باسم جديد، وخصومهم دعاة المدنية بعدن بعد انحسار الاشتراكية من خطاب اليمن الدِّيمقراطية.
بعدها قُتل فرج فودة بفتوى من قادة أو شيوخ "الحركة الإسلامية"، التي تحول إليها قاتل فودة من جماعة الدعوة والتبليغ مروراً بالإخوان المسلمين، التي مارست العنف الجهادي، وأقامت لها جمهورية بمنطقة إمبابة المصرية، هذا ما سمعته من تسجيل لأبي العلاء عبد ربه، الذي أُطلق سراحه بقرار مِن الرئيس محمد مرسي مؤخراً، وقابل هذا القرار احتجاج مِن شباب الثورة، ودوائر عديدة مِن المجتمع المصري.
كان فرج فودة مدافعاً عن الدولة المدنية، ويعتقد أنه بعد الخلفاء الراشدين لا يمكن الحديث عن دولة مشابهة لها، في تاريخ الخلافة الإسلامية، بإقرار العدالة وإحقاق الحق، فالدول التي أتت بعدها اتسمت بالصراعات والخلافات، واستثنى فترة خلافة عمر بن عبد العزيز (99 101ه)، وشهور من تاريخ الخلافة العباسية التي دامت أكثر من خمسمائة عام، وحسب ما سمعته منه في المناظرة المذكورة، التي أذيعت آنذاك على مساحة واسعة، أنها فترة الخليفة المهتدي العباسي (قُتل 256 ه).
قيل كان جماعة من علماء الأزهر قد أفصحوا بفتوى تعتبر فرج فودة مرتداً، وهذا ليس بالغريب إذا علمنا بقصة الشيخ علي عبد الرازق (ت 1966) عام 1925 وكتابه "الإسلام وأُصول الحكم"، الذي لخص فيه أن الإمامة ليست أصلاً في الإسلام، وأن الدولة الدينية لا وجود لها، فحوكم حينها وطُرد من الأزهر، وتلك قصة معروفة.
أتذكر أنه في (1991 1992) كتبت مقالاً في جريدة "صوت العمال" العدنية تحت عنوان "الدين لا يجوّز السياسة"، ومقالات أخرى تحت عنوان أسبوعي "قضايا إسلامية"، وغيرها التي كنت مندفعاً فيها، وغير مقدر الظرف الذي حولي، فكان من الشباب بقية.
فأخذت صحيفة الصحوة الإخوانية تنشر دعاية لبحث سينشره أحد شيوخ حزب الإصلاح ضد الكاتب والصحيفة التي كتب فيها، والتي كانوا يسمونها من على منابر المساجد التي يهيمنون عليها بالصحيفة الحمراء، فجاء الرد في حلقتين، احتفظ بهما إلى الآن، وبعد أيام وصلتني رسالة دست إلى الدار فيها وعيد وتهديد.
كان رئيس تحرير "صوت العمال" محمد قاسم نعمان، يضع خلفه مدفع رشاش صغير في مكتبه، ويحمل مسدساً، فلما أبلغته بأمر الرسالة، وأن مغادرتي عدن صارت قراراً لا رجعة منه، وعلى وجه الخصوص قطع الراتب لستة شهور من وزارة التربية. قال لي رئيس التحرير: ستتحسن الأحوال، ولا تقلق، فأبقى معنا. اتذكر قلت له: خلفك مدفع رشاش وبيدك مسدس، وأنا ليس لدي سوى هذا! ورفعت له القلم.
وأنا اتحضر للحصول على الفيزا الصعبة المنال آنذاك، على العراقيين ومن مدينة صنعاء، قُتل فرج فودة، فكتبت مقالاً بعنوان: "فرج فودة شهيد الحقيقة"! لكن رئيس التحرير فضل، مداراة لظرفي العصيب بعد رسالة التهديد التي أتت من مجهول لا يخرج من دائرة الإسلاميين،، أن يُنشر في اليوم الذي أغادر فيه عدن، وهو يوم الخميس 25 يونيو 1992.
أبو العلا محمد عبد ربه أحد المتهمين فى قضية قتل فرج فودة
على أية حال، كان اغتيال فرج فودة متوقعاً بعد تلك المناظرة الساخنة في معرض الكتاب، لكن الذي لا يفهم أن الرجل عندما ذكر الشيخ محمد الغزالي (ت 1996)، في المناظرة أثنى عليه، وجعل ما كتبه في أمر الدولة الدينية دليلاً في مداخلته، ويذكره بعزيزنا المحترم إلى غير ذلك، ولما جاء الشيخ الغزالي شاهداً في المحكمة في قضية قتل فودة شهد بردته، وبحق الأمة في تنفيذ حكم القتل، فلا مانع من أن يتقدم أحد الشباب وينفذ الحكم فيه بلا أمر حكومي أو قضائي.
مع أن الشيخ الغزالي كان مشهوراً عنه الوسطية والتسامح قياساً بشيوخ آخرين، سواء كانوا أزهريين أو شيوخ الحركة الإسلامية. بعدها ظهر الشيخ العراقي طه جابر العلواني، عبر مقالة تلفزيونية مصرية، الذي له رأي بقتل المرتد مخالف لما جرى، فأوضح أنه عند اللقاء بالشيخ الغزالي جرى حوار حول هذه القضية بالذات، وكان رأيهما متطابقين في شأن عدم إباحة قتل المرتد غير المحارب. أما لماذا يشهد لصالح قاتل فودة، لأن المشتركين الآخرين أعدموا بقضايا أُخر، وأبو العلاء حوكم بقضية فودة، أجاب الغزالي: إنه أراد انقاذ الشباب القاتلين، فلو شهد خلاف ذلك لأعدموا. انتهى كلام الشيخ طه العلواني!
كان فرج فودة ليس ضد الإسلام الدين، هذا ما قرأناه في كتبه وسمعناه في مناظرته المذكورة، حبث قال: الدِّين أسمى وأجل من توريطه في الحزبية والسياسة المباشرة، إنما كان ضد الإسلام السياسة، أو الإسلام السياسي بالمختصر. ويبدو أنه تعرض لقضية مهمة لدى الإسلاميين وهي قضية الأموال، المفصلية لدى الجماعات الإسلامية عامة، ففيها يدار النشاط وعبرها يتماسك الأتباع. كذلك له سابقة مع الإسلام السياسي، فقد قدم استقالته من حزب الوفد الجديد احتجاجاً على ائتلاف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين.
كان مساء يوم الثامن من يونيو، الساعة السادسة، موعداً بين فرج فودة، بالقرب من مكتبه "الجمعية المصرية للتنوير" شارع أسماء فهمي، وقتلته الثلاثة. لكن القتلة قالوا: لم نقرأ كتبه، إنما هناك فتوى بقتله. أخيراً: اطلق سراح القاتل فهل اغلقت القضية، لتكون الدِّماء مباحة لأبناء الأمة، حسب شهادة الغزالي؟!
كنا شاهدنا المناظرة التاريخية، على هامش دورة معرض الكتاب بالقاهرة 1992، التي اغتيل إثرها الباحث فرج فودة (8 يونيو/ حزيران 1992). كان صيف القاهرة يقترب مِن صيف مدينة عدن الساخن، والاغتيالات على قدم وساق في هذه المدينة، بعد الوحدة اليمنية في مايو (أيار) 1990. كانت المناظرة بين دعاة الدَّولة المدنية ودعاة الدَّولة الدينية، أو الخلافة الإسلامية بشكل مِن الأشكال. حينها وبتأثير الأجواء الكئيبة والمخيفة لكثرة الاغتيالات، بقينا نترقب اغتيال الباحث العميق فودة في أية لحظة.
كان النزاع على أشده في اليمن، بين الإسلاميين، القادمين مِن الشِّمال، وشيخهم عبد المجيد الزَّنداني، الصيدلاني والشيخ الدِّيني الحزبي، وصوره وخطاباته تملأ صحيفة "الصحوة"، ومقرات حزب الإصلاح، وهو تجمع الإخوان المسلمين باسم جديد، وخصومهم دعاة المدنية بعدن بعد انحسار الاشتراكية من خطاب اليمن الدِّيمقراطية.
بعدها قُتل فرج فودة بفتوى من قادة أو شيوخ "الحركة الإسلامية"، التي تحول إليها قاتل فودة من جماعة الدعوة والتبليغ مروراً بالإخوان المسلمين، التي مارست العنف الجهادي، وأقامت لها جمهورية بمنطقة إمبابة المصرية، هذا ما سمعته من تسجيل لأبي العلاء عبد ربه، الذي أُطلق سراحه بقرار مِن الرئيس محمد مرسي مؤخراً، وقابل هذا القرار احتجاج مِن شباب الثورة، ودوائر عديدة مِن المجتمع المصري.
كان فرج فودة مدافعاً عن الدولة المدنية، ويعتقد أنه بعد الخلفاء الراشدين لا يمكن الحديث عن دولة مشابهة لها، في تاريخ الخلافة الإسلامية، بإقرار العدالة وإحقاق الحق، فالدول التي أتت بعدها اتسمت بالصراعات والخلافات، واستثنى فترة خلافة عمر بن عبد العزيز (99 101ه)، وشهور من تاريخ الخلافة العباسية التي دامت أكثر من خمسمائة عام، وحسب ما سمعته منه في المناظرة المذكورة، التي أذيعت آنذاك على مساحة واسعة، أنها فترة الخليفة المهتدي العباسي (قُتل 256 ه).
قيل كان جماعة من علماء الأزهر قد أفصحوا بفتوى تعتبر فرج فودة مرتداً، وهذا ليس بالغريب إذا علمنا بقصة الشيخ علي عبد الرازق (ت 1966) عام 1925 وكتابه "الإسلام وأُصول الحكم"، الذي لخص فيه أن الإمامة ليست أصلاً في الإسلام، وأن الدولة الدينية لا وجود لها، فحوكم حينها وطُرد من الأزهر، وتلك قصة معروفة.
أتذكر أنه في (1991 1992) كتبت مقالاً في جريدة "صوت العمال" العدنية تحت عنوان "الدين لا يجوّز السياسة"، ومقالات أخرى تحت عنوان أسبوعي "قضايا إسلامية"، وغيرها التي كنت مندفعاً فيها، وغير مقدر الظرف الذي حولي، فكان من الشباب بقية.فأخذت صحيفة الصحوة الإخوانية تنشر دعاية لبحث سينشره أحد شيوخ حزب الإصلاح ضد الكاتب والصحيفة التي كتب فيها، والتي كانوا يسمونها من على منابر المساجد التي يهيمنون عليها بالصحيفة الحمراء، فجاء الرد في حلقتين، احتفظ بهما إلى الآن، وبعد أيام وصلتني رسالة دست إلى الدار فيها وعيد وتهديد.
كان رئيس تحرير "صوت العمال" محمد قاسم نعمان، يضع خلفه مدفع رشاش صغير في مكتبه، ويحمل مسدساً، فلما أبلغته بأمر الرسالة، وأن مغادرتي عدن صارت قراراً لا رجعة منه، وعلى وجه الخصوص قطع الراتب لستة شهور من وزارة التربية. قال لي رئيس التحرير: ستتحسن الأحوال، ولا تقلق، فأبقى معنا. اتذكر قلت له: خلفك مدفع رشاش وبيدك مسدس، وأنا ليس لدي سوى هذا! ورفعت له القلم.وأنا اتحضر للحصول على الفيزا الصعبة المنال آنذاك، على العراقيين ومن مدينة صنعاء، قُتل فرج فودة، فكتبت مقالاً بعنوان: "فرج فودة شهيد الحقيقة"! لكن رئيس التحرير فضل، مداراة لظرفي العصيب بعد رسالة التهديد التي أتت من مجهول لا يخرج من دائرة الإسلاميين،، أن يُنشر في اليوم الذي أغادر فيه عدن، وهو يوم الخميس 25 يونيو 1992.
على أية حال، كان اغتيال فرج فودة متوقعاً بعد تلك المناظرة الساخنة في معرض الكتاب، لكن الذي لا يفهم أن الرجل عندما ذكر الشيخ محمد الغزالي (ت 1996)، في المناظرة أثنى عليه، وجعل ما كتبه في أمر الدولة الدينية دليلاً في مداخلته، ويذكره بعزيزنا المحترم إلى غير ذلك، ولما جاء الشيخ الغزالي شاهداً في المحكمة في قضية قتل فودة شهد بردته، وبحق الأمة في تنفيذ حكم القتل، فلا مانع من أن يتقدم أحد الشباب وينفذ الحكم فيه بلا أمر حكومي أو قضائي.
مع أن الشيخ الغزالي كان مشهوراً عنه الوسطية والتسامح قياساً بشيوخ آخرين، سواء كانوا أزهريين أو شيوخ الحركة الإسلامية. بعدها ظهر الشيخ العراقي طه جابر العلواني، عبر مقالة تلفزيونية مصرية، الذي له رأي بقتل المرتد مخالف لما جرى، فأوضح أنه عند اللقاء بالشيخ الغزالي جرى حوار حول هذه القضية بالذات، وكان رأيهما متطابقين في شأن عدم إباحة قتل المرتد غير المحارب. أما لماذا يشهد لصالح قاتل فودة، لأن المشتركين الآخرين أعدموا بقضايا أُخر، وأبو العلاء حوكم بقضية فودة، أجاب الغزالي: إنه أراد انقاذ الشباب القاتلين، فلو شهد خلاف ذلك لأعدموا. انتهى كلام الشيخ طه العلواني!
كان فرج فودة ليس ضد الإسلام الدين، هذا ما قرأناه في كتبه وسمعناه في مناظرته المذكورة، حبث قال: الدِّين أسمى وأجل من توريطه في الحزبية والسياسة المباشرة، إنما كان ضد الإسلام السياسة، أو الإسلام السياسي بالمختصر. ويبدو أنه تعرض لقضية مهمة لدى الإسلاميين وهي قضية الأموال، المفصلية لدى الجماعات الإسلامية عامة، ففيها يدار النشاط وعبرها يتماسك الأتباع. كذلك له سابقة مع الإسلام السياسي، فقد قدم استقالته من حزب الوفد الجديد احتجاجاً على ائتلاف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين.
كان مساء يوم الثامن من يونيو، الساعة السادسة، موعداً بين فرج فودة، بالقرب من مكتبه "الجمعية المصرية للتنوير" شارع أسماء فهمي، وقتلته الثلاثة. لكن القتلة قالوا: لم نقرأ كتبه، إنما هناك فتوى بقتله. أخيراً: اطلق سراح القاتل فهل اغلقت القضية، لتكون الدِّماء مباحة لأبناء الأمة، حسب شهادة الغزالي؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.