د. عبد العزيز حسين الصويغ من بين القصص العالمية القديمة التي استمتعت بقراءتها قصة "العم جول" للكاتب الفرنسي الشهير جي دي موبسان. وهي قصة تُعبر أكبر تعبير عن خيبة الأمل التي يُصاب بها الإنسان نتيجة ارتفاع خط التوقعات عنده إلى درجة تجعل ارتطامه بالواقع عملية مؤلمة وقاضية. وهي تتحدث عن أسرة فرنسية مكونة من أب فقير وأم كادحة وبنات في سن الزواج ولا يكاد دخل الأسرة رغم العمل الشاق والمتواصل يفي بأبسط حاجات الأسرة من مأكل وملبس، ناهيك عن تأخر زواج البنات، وهل يتقدم لهن أحد وهن على هذه الحالة من البؤس والشقاء؟ وفي أحد الأيام وصل ساعي البريد حاملاً رسالة من "العم جول" قريب الأسرة الذي هاجر منذ عشرين عاماً إلى أمريكا طمعاً في الثراء، بعد أن ظنوا انه قد أثري ونسيهم، أو أنه مات. كانت الرسالة تحمل مفاجأة للأسرة يبلغهم فيها العم جول بأنه سيصل إلى ميناء مرسيليا بعد أسبوعين. وجلست الأسرة تحلم ماذا سيحمله العم جول لهم من ثروة تنقلهم إلى عالم جديد يفتح لهم باب الأمل والسعادة. حلم الأب ببيت جديد وارف يجمع شمل الأسرة بعد وصول العم جول، بينما حددت الأم ملامح العريس القادم لكل بنت من البنات. والفساتين والجهاز الذي ستشتريه عندما يصل العم جول. وفي الموعد المحدد ذهبوا جميعاً لاستقبال المليونير القادم بالثروة والحظ الذي فتح ذراعيه للأسرة البائسة بعد غياب طويل. ووصلت الباخرة إلى الميناء وأشرأبت أعناق جميع أفراد الأسرة وتعلقت أنظارهم بسلم السفينة التي سينزل منها الركاب .. غير أنهم وبعد ساعات طويلة من الانتظار لم ينزل أي إنسان يستطيعون أن يتعرفوا فيه على شخص العم الغائب. فصعد الأب إلى قبطان الباخرة ليسأله إذا كان معه رجل بهذا الاسم. وبلا مبالاة أشار له القبطان إلى رجل عجوز مُحطم يجلس على الرصيف يبيع في سلة صغيرة قذرة حبات البندق. وحكى له كيف عانى هذا الرجل في أمريكا معاناة شديدة، وعاش شظف العيش حتى أصبح كهلاً، وكيف تقدم إلى القبطان طالباً أن يركب معه عائداً إلى بلاده مقابل أي عمل لقاء أجرة سفره، وأنه أشفق عليه وسمح له بالسفر معه. وعندما نزل الأب والدموع في عينيه ليحكي لزوجته قصة العم جول .. اقترب الاثنان من الرجل وتعرفا في ملامحه المغضنة ووجهه الشاحب على الشقيق الذي رحل شاباً منذ عشرين عاماً. وعاد الأب والأم إلى بناتهما ليبلغاهن أن العم جول لم يصل؟! لا أدري ماذا يمكن أن تعني هذه القصة للقارئ .. لكنني وجدت فيها انعكاساً على الحال الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية مع ارتفاع قدر التفاؤل بقدر ما نسمع من تصريحات تنقلنا إلى عوالم أخرى .. ليهبط بنا الواقع المعاشي إلى أرض الواقع، فتتحطم كل آمالنا على صخرة الحقيقة! نافذة صغيرة: [[النية -وحدها- لا تكفي للحكم على الإنجاز، فيجب أن تتوفر أيضًا الإرادة للقيام بالعمل، ومواجهة التحديات، وأن تتجسّد الوعود في إنجازات حقيقية ملموسة على أرض الواقع.]] عبدالعزيز الصويغ (المدينة: 12/06/2012). [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain