"إن الإخوان ومرسى هما أسوأ ما حصل لمصر؛ إنهم يخنقون الحريات ويهمشون المرأة والأقليات؛ ما نراه في مصر ليس ربيعا عربيا وإنما شتاء شديد البرودة. يجب قطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة". هكذا ارتفع صوت إحدى العضوات في البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي قبل التصويت على قرار بوقف المساعدات الاقتصادية لمصر، بسبب ادعاءات الانتهاكات التي يمارسها نظام الرئيس مرسي والإخوان ضد حقوق الإنسان. وقد شهدت الجلسة هجوما حادا من معظم أعضاء البرلمان، وتم استخدام لغة جديدة في توصيف ما يحدث من تطورات سياسية واقتصادية لمصر، لم يتم استخدامها حتى في عهد نظام مبارك الساقط، الذي لم يتورع عن انتهاك كل قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد فوجئ المتابعون لجلسة البرلمان الأوروبي باستخدام نفس الكلمات والجمل التي تستخدمها المعارضة المصرية المنضوية تحت مسمى "جبهة الإنقاذ" والإعلام الموالي لها، من قبيل أن الطريق الذي يسير فيه الرئيس مرسي والإخوان سوف يقود البلاد إلى الهاوية، وأن الرئيس يسعى إلى تحطيم المعارضة والقضاء على أية فرصة لبناء نظام ديمقراطي حقيقي. ووصل الأمر بأحد الأعضاء إلى القول إن أوضاع المصريين في عهد مبارك كانت أفضل بكثير من أوضاعهم في ظل الرئيس مرسي، حيث تزايدت الانتهاكات لحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية، خاصة في ظل سعي الرئيس إلى إتباع سياسات من شأنها أن تفيد جماعة الإخوان والمنتسبين إليها فقط. استخدام أعضاء البرلمان الأوروبي لنفس كلمات المعارضة والإعلام المصري يعني أن هناك خلافات عميقة بين مؤسسة الرئاسة والإخوان من جهة وبين الأوروبيين من جهة أخرى، جعلتهم يلجئون إلى تبني نهج المعارضة رغم علمهم أن هذه المعارضة لا تمثل ثقلا شعبيا ذا قيمة، وأن الرئيس يتمتع بأغلبية كبيرة في الشارع المصري استطاعت حمايته أكثر من مرة حينما حاولت بعض القوى الانقلاب عليه وإسقاط حكمه. ويبدو أن المواقف التي عبر عنها الرئيس مرسي خلال زيارته الأخيرة لألمانيا والتي كانت أكثر تشددا فيما يتعلق بالتعاون بين مصر وأوروبا بشأن بعض القضايا، ثم الزيارة التي قامت بها الدكتورة باكينام الشرقاوي مساعد الرئيس للولايات المتحدة والموقف الذي عبرت عنه خلال اجتماع لجنة المرأة بالأمم المتحدة الرافض لاتفاقية سيداو التي تنتهك مبادئ الدين الإسلامي فيما يتعلق بموقفه من المرأة والأسرة .. يبدو أن تلك المواقف دفعت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي إلى توجيه رسالة تحذير للرئيس مرسي. فأوروبا تريد أن يتراجع الرئيس بشأن موقفه حول قضايا التعاون ذات الحساسية الخاصة مثل قضايا الهجرة غير الشرعية والإرهاب، التي كان نظام مبارك يقدم فيها خدماته للأوروبيين مقابل عدم توجيه الانتقادات للانتهاكات التي يمارسها ضد حقوق المصريين فضلا عن تقديم المساعدات الاقتصادية له. أما الولاياتالمتحدة فتسعى إلى إعادة القاهرة مرة أخرى إلى حظيرة التبعية من خلال ممارسة الضغوط المستمرة على الرئيس مرسي وأهمها الضغوط الاقتصادية. لكن هناك خطوط حمراء لهذه الضغوط لن تتعداها. ويجب أن نتذكر ما قالته إحدى الصحف البريطانية حينما ذكرت أن مصر أكبر من أن تسقط، فهذا هو الرأي النهائي للأوروبيين والأمريكيين، لأن سقوط مصر يعني خلق تهديدات خطيرة للأمن القومي الأوروبي والأمريكي. فمصر هي رمانة الميزان لمنطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الفائقة للمصالح الإستراتيجية الأمريكية، وكذلك للشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط الذي يعتبر امتدادا طبيعيا لأمن أوروبا. من هنا يمكن القول إن تهديدات البرلمان الأوروبي بوقف المساعدات الاقتصادية هي من قبيل الضغط من أجل الحصول على مواقف أقل تشددا من القاهرة في القضايا التي تمس جوهر أمن أوروبا والولاياتالمتحدة، وهي القضايا البعيدة تماما عن تلك المطروحة في خطاب البرلمان مثل قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان التي لم يهتم بها حينما وصلت الانتهاكات إلى ذروتها خلال حكم مبارك ولم يحرك الأوروبيين ساكنا بل كانوا يتوددون إلى مبارك ويقدمون له المساعدات.