بين الإنتاج الموسيقي وذلك الدرامي حبل قصير، ففي حين تراجع الأوَّل تطوَّر الثَّاني إثر الثورات العربيَّة الَّتي أسفرت عن تغييرات كثيرة على الصَّعيد الحياتي، فما أسباب هذه التَّغيرات على الواقع الفني؟ بيروت: اجتاحت العالم العربي منذ حوالي السَّنتين موجة تغييريَّة، فأخذت بداية منحى ثوريًّا لتغيير أنظمة سياسيَّة وإيجاد أخرى بديلة تحاكي مطالب وتطلعات الشَّعب، وسرعان ما انعكست على كافَّة الأصعدة والمجالات الحياتيَّة، والفنُّ كان إحداها، إذ تراجع الإنتاج الموسيقي وقلَّ عدد الحفلات في بعض الدول مقابل إزدهارها في دول أخرى وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الدراما. ولكن هذا التَّراجع أو التَّقدم بحسب القطر الجغرافي، لديه معطيات متشَّعبة ولا تنحصر فقط فيما أنتجته المظاهرات والمطالبات بتغيير الأنظمة من تردي الأوضاع الأمنيَّة والسِّياسيَّة في بعض الدول، إذ أنَّ لها جذور أخرى وقديمة نسبيًّا ومن بينها القرصنة الإلكترونيَّة، وتردِّي مستوى الأغنية والأعمال الفنيَّة. "إيلاف" استفاتت قرَّاءها حول أسباب إزدهار القنوات الدراميَّة المتخصِّصة على حساب قنوات السِّينما والموسيقى في العالم العربي، فوجدت نسبة 63.07% أنَّ السَّبب يعود إلى الملل من كثرة القنوات الموسيقيَّة وتكرار المحتوى، في حين رأت نسبة 14.46% أنَّ السَّبب هو في القرصنة وانعدام الرِّبح في الإنتاج الموسيقي والسِّينمائي، بينما ردَّت نسبة 13.79% السَّبب إلى تحكم شركات الإعلان الَّتي تقرِّر أين تستثمر أعمالها. وفي هذا السِّياق، وللوقوف على العلاقة الَّتي نتجت عن الآثار الَّتي خلَّفتها الأوضاع الأمنيَّة على تراجع الإنتاج الموسيقي المتمثِّل بإحياء الحفلات وتقدُّم ملحوظ للدراما الَّتي يصل نتاجها إلى بيت المشاهد دون الحاجة إلى الخروج إلى الشَّارع، ومدى تأثير توجَّهات الشَّركات المعلنة على هذين القطاعين، تحدَّثت "إيلاف" إلى مجموعة من المعنيين بالشَّأن الفنِّي الموسيقي والدرامي. زياد الشويري: تردي الإنتاج سببه الشّركات والنَّهج الثَّوري المتشدِّد الذي خلَّفته الثورات بداية يرى المنتج اللبناني، زياد الشويري، صاحبة شركة Online Productions في حديثة ل"إيلاف" أنَّ تراجع الإنتاج الموسيقي لديه عدَّة اعتبارات من بينها القرصنة والأضاع الأمنية والسِّياسيَّة الَّتي تعاني منها الكثير من الدول العربيَّة، ولكنَّه ردَّ السَّبب الأساسي في ذلك إلى شركات الإنتاج الَّتي تتحمَّل المسؤوليَّة المباشرة في ذلك ومحاولتها العب على مبدأ الحصريَّة وربط عدد كبير من الفنَّانين معها في وقت هي غير قادرة على استيعاب كل هذه الأعداد، وبالتَّالي لا تسوِّق لهم بالطريقة عينها والأهمية نفسها وتهتم بعدد قليل من الفنَّانين على حساب الباقين. ورأى أنَّ الأثر السَّلبي الذي فرضته الثَّورات على الواقع الفنَّي أنَّها أفرزت نهجًا سياسيًّا متشدِّدًا وغير مشجِّع للفن، وبالتَّالي بات الفنَّان يتردَّد قبل إصدار أو إنتاج أي عمل جديد له، إضافة إلى خوفه من الآثار المترتبة عن الظروف الإجتماعيَّة والأمنيَّة الصَّعبة الَّتي تعيش ضمنها شعوب هذا البلدان، ولا تصلح لإقامة الحفلات والسَّهرات. وأشار الشويري أنَّ التَّقدم في مجال الدراما لا علاقة له بتقديم هذا الفن للجمهور وهو موجود في منزله من خلال الشَّاشات، وإنَّما بسبب العمل على مواضيع تتلاقى مع واقع هذه الشعوب وتطلعاتهم، خصوصًا وأنَّ الهدف الأساسي من الدراما هو تصوير وعكس واقع المجتمع الحقيقي وإيصال رسائل، وقدَّم أمثلة عن بعض المسلسلات الَّتي أنتجها خلال العامين المنصرمين وأبرزها "العائدة" الذي قدَّم رسائل حول أهميَّة التَّعايش وتقبل الآخر المغاير بفكره ودينه. وأضاف أنَّ الأوضاع الأمنيَّة والسِّياسيَّة الَّتي وضعت تحت مسمَّى الثَّورات لم يكن لها أثر إيجابي على الدراما خصوصًا وأنَّ كثافة الإنتاج العربي الدرامي المميَّز لديه مركز ثقل في سوريا ومصر، وبالتَّالي تراجع إنتاجهما كثيرًا منذ بدأت الأحداث والمظاهرات وفي سوريا حالياً الإنتاج شبه متوقِّف، وهناك مشاريع أجِّلت وأخرى ألغيت بحكم هذه الأحوال، في حين أنَّ مصر عادت للإنتعاش قليلاً، ولكنَّه رأى أنَّ نوعية وجودة الدراما السوريَّة أهم بكثير من المصريَّة لأنَّ الأولى ترتكز على الإنتاج والنصَّ والإخراج بينما في مصر يتمُّ التَّركيز على الممثِّل النَّجم القادر على اختراق كافة الأسواق العربيَّة. ورأى نهاية أنَّ هذا التَّراجع إنعكس إيجابًا على الدراما الخليجيَّة واللبنانيَّة من خلال الإنتاجات المشتركة، مشيرًا إلى أنَّ لبنان قادر على أنّْ يكون مركزًا للإنتاج في حال تعاون المنتجون فيما بينهم واتَّحدوا، خصوصًا وأنَّ هذه الإنتاجات ولو أنَّها ليست جميعها لبنانيَّة فهي تتمُّ بشكل فوضوي ولكنَّها تسهم في إعلاء الدراما. روبير فرنجية: تردي الإنتاج الموسيقي له عدَّة خلفيَّات منفصلة عن الوضع الأمني إلى ذلك، رأى النَّاقد الدرامي والصِّحافي اللبناني، روبير فرنجية، أنَّ الإنتاج الغنائي مرتبط بعدَّة عوامل غير العامل الأمني، ورأى أنَّه في حال لم يتم برعاية شركة ميسورة فإن نتائجه غير مضمونة وأصبح يميل إلى وضعه في إطار المغامرة. ورأى أنَّ تردي مستوى الأغنية يأتي من عدَّة خلفيَّات أبرزها أنَّ الشُّعراء والملحِّنين الأكثر طلبًا بات أجرهم مرتفعًا وهذا من حقِّهم وبالتَّالي لم يعد بمقدرة الفنَّان الصَّاعد التَّعامل معهم لذلك يذهب نحو الأرخص، كما أنَّ تكلفة إنتاج فيديو كليب بمستوى لائق هي كبيرة، إضافة إلى مسؤوليَّة الإذاعات في بث الأغاني الَّتي يدفع أصحابها سعرًا أعلى بغض النَّظر عن مستواها الفنَّي، ولا ننسى الإفتقار إلى البرامج الَّتي تساعد الفنَّان في لبنان وما هو موجود لا يركِّز على هذا الشِّق، إضافة إلى طغيان صفة التَّغريب على المهرجانات اللبنانيَّة باستثناء الإعتماد على بعض الأسماء، وكل تلك الأسباب مجتمعة أدَّت إلى تراجع في نسبة الإنتاج الموسيقي عند الفنَّانين اللبنانيين. وعلى المستوى الدرامي، وجد فرنجية في معرض حديثه ل"إيلاف" أنَّ لبنان لم يتأثَّر بالثورات ولم يؤثِّر، بل بقي على حاله ولم يستثمرها وكأنَّ هذه الثَّورات لم تحصل. وقال لقد قدِّمت لنا فرصة لنستفيد من الأحداث الحاصلة في البلدان المجاورة، فأخذنا المنتجين والمخرجين من بلدان أخرى ولكنَّنا أخفقنا في ذلك، ولم نرَ أسماء عربيَّة لامعة تعمل في لبنان مثل نجدت أنزور مثلاً وإنَّما جلبنا من لا يعملون في بلادهم وأعطيناهم فرص عمل في لبنان، أي استعنا بالأسماء الباهتة. وأضاف: "مسلسل "روبي" الذي كتبته اللبنانيَّة كلوديا مرشيليان وأنتجه السُّوري أديب خير لم يمرّْ عند المنتجين اللبنانيين مرور الكرام، بل أثار إنزعاج البعض لدرجة أنَّه حكي عن وضع فيتو على كلِّ ممثل لبناني يتعامل مع مخرج غير لبناني". ورأى أنَّ مشكلة الإنتاج في لبنان لا ترتبط بالعامل السِّياسي في البلدان المجاورة، وأشار إلى أنَّ الشَّاشات اللبنانيَّة فتحت يديها لكلِّ المنتجين وبدأت تدرِّج فكرة إعادة بث الأعمال لإيصالها إلى أكبر عدد من الجمهور، ولكن المشكلة أنَّ الكثير من المنتجين لا يفقهون بالفنِّ وعند تحقيق ذلك سنكون قد قطعنا مسافة مهمَّة في طريق التَّطور. جوزف عطية: التراجع الموسيقي كان إيجابيًّا إذ أبقى على الأفضل وفي سياق متصل، رأى الفنَّان اللبناني، جوزف عطيه، أنَّ التَّراجع الموسيقي كان إيجابيًّا، ما سمح بتفنيد من يعملون في هذا المجال، وهذه خطوة مفيدة ومهمَّة. وأشار إلى أنَّه مع حصر الإنتاج لأنَّ ذلك سيخرج أعمالاً على مستوى، وليس كما كان الحال عندما كانت الأمور خارج السِّيطرة وكان كل من يريد إصدار عمل يقوم بذلك بغض النَّظر عن الإضافة الَّتي يسهم بها، فحصر الإنتاج أو التَّقليل منه بغض النَّظر عن أسبابه هو أمر إيجابي وصحِّي. وأضاف عطيه ل"إيلاف" أنَّ اللبناني لا يتأثَّر بالأوضاع الحاصلة في بلده ويثابر على العيش والإحتفال والسَّهر ولو كانت الحرب قائمة، فكيف الحال لو أنَّ هذه الحرب مندلعة في دول مجاورة، لذلك لا أرى علاقة بين تأزم الوضع الأمني وتقدُّم الأعمال الدراميَّة لأنَّها تحكم على النَّاس البقاء في بيوتهم، لأنَّ اللبناني محصَّن ضدَّ الحروب الَّتي باتت أمرًا عاديًا بالنسبة له. ندى بو فرحات: توفر الأمني أساسي لسير عجلة الإنتاج أمَّا الممثِّلة اللبنانيَّة، ندى بو فرحات، فرأت أنَّ الأوضاع الأمنيَّة أثَّرت على الإنتاج الموسيقي والحفلات والدليل على ذلك إلغاء جميع حفلات عيد الأضحى في بيروت نتيحة تزامنها مع مقتل اللواء وسام الحسن وما تبعه من أحداث وفوضى في الشَّارع. ورأت أنَّ الدراما اللبنانيَّة استفادت إيجابيًّا من الثورات المحيطة بنا، ولو أنَّ هذا التَّطور كان محبزًا حصوله في أوضاع أكثر أمانًا، فتوجَّه المخرجون والمنتجون السوريون إلى لبنان والخليج لكي يعملوا، ما أسهم في إعلاء مستوى الأعمال المحليَّة، مشيرة إلى أنَّ التَّعاون بين البلدان العربيَّة من هذا المنحى ضروري لأنَّ بعض الدول غير قادرة على التَّقدم من دون مساعدة.