المخرج نجح في تصوير الواقع بصورة إنسانية حقيقية يجسد فيلم "ساعة ونص" للمؤلف أحمد عبد الله والمخرج وائل إحسان، مصرا مستقلة قطار الهموم بكل ما تحمله من ميراث الفقر والبطالة والعجز الجنسي والسرقة، الذي ورثته عبر سنوات طويلة من القهر والقمع والسكون المميت، حتى انقلب بها القطار في لحظة يأس عدمت فيها الحلول. ففي داخل القطار تدور أحداث الفيلم الذي بنى المؤلف تفاصيله على واقعة انقلاب قطار العياط عام 2009، ولكنه لا يتوقف عند اللحظات المأساوية التي عشناها عقب انقلابه، بل تجاوزها للحظات أكثر مأساوية دارت داخل هذا القطار القشاش، مثلت في كل حكاية من حكاويه وجعا من أوجاع الوطن (القطار الكبير). ماجد الكدواني الذي يلعب صول الداخلية في الفيلم كان رمزا لقهر الدولة المارقة التي سقطت بسقوط النظام، يمارس نفس البلطجة التي تحمل صفة الرسمية، فلا يدفع لبائع الشاي حسابه وينهر كل من حوله مستغلا هيبة البدلة الميري حتى وإن خلت أكتافه من النجوم والنسور، ولكنه في الوقت نفسه جزء من المجتمع، فيعاني نفس معاناة من يمارس عليهم القهر من عنوسة أخته التي لا يعرف لها سببا، وميراث ثقافي متناقض يتمنى فيه أن "يبوس في الشارع" كما فعل السجين الذي يقله وهو أحمد الفيشاوي، ولكنه يرفضه في الوقت نفسه بحكم الموروث الديني والثقافي الذي يحرم هكذا تصرف. كريم محمود عبد العزيز (عزت) يمثل حلم الهجرة إلى الخارج الذي دفع شباب مصر عبر سنوات فاتورته، إما غرقا في البحر وإما أموالا طائلة على سماسرة هذه الهجرة الوهمية، لينتهي بهم الحال كما حدث لعزت دون أموال سوى 2 جنيه في جيب بنطاله، ليعود على قطار الموت إلى أهله جثة هامدة، ولكنه أبدا لم يعد. إياد نصار (عز) حكاية من ضمن حكاوي التعليم المفرّغ من مضمونه، الذي يحمل لأصحابه آمالا عريضة في قيادة الأمة فكريا وثقافيا وسياسيا قبل أن تصطدم به الحال بصخرة الواقع المر في القطار كبائع كتب تجارية، يبتاعها الركاب لتسلية ساعاتهم الطويلة. نفس الظروف الصعبة التي دفعت عزت إلى التخلي عن أحلام الشاب الجامعي، دفعت عبده إلى التخلي عن أمه (كريمة مختار) في قطار الصعيد، تاركا لها ورقة بالية يطلب فيها من يجدها أن يتخلص منها في أقرب دار مسنين، في حالة جحود ورّثها كفر الفقر والعوز وقلة الحيلة. المخرج نجح في تصوير الواقع بصورة إنسانية حقيقية لدرجة صادمة، والتقطت كاميراته زوايا خدمت تفاصيل الحكاية بصورة كبيرة، كما كانت الحال في أحمد بدير الذي تعمّد أن يصوره من الأعلى وهو يبتهل لله ضعف حيلته الجسدية والمادية. الموسيقى التصويرية نجحت في رسم صورة أكثر مأساوية للواقع المصري العاجز عن التحسن، عجز أحمد بدير (مسعود) عن إشباع احتياجات زوجته الشبقة الفتية سمية الخشاب (صفية)، وكذلك حفرت أغنية حلم الغريب الحزن في نفوس المشاهدين. اجتمعت كل هذه المآسي في قطار واحد انقلب من فوق قضبان لم تكن موجودة بسبب الفقر أيضًا، ليرميهم في جنة التيه والنسيان عند الله الذي كان أرحم بهم من الدنيا التي تطحنهم كأقراص الطعمية التي توضع على صفحات جرائد حملت خبر وفاتهم، دون أن يأبه بهم أحد ومرت كما مر خبر غرق العبارة، ليصبحوا مجرد ورقة اقتلعت من كتاب مصر الحزين. إضغط لمشاهدة الفيديو: