الحل الامني ليس الحل في الاردنيعتبر اليوم الجمعة موعدا فاصلا في مسيرة الحراك الاردني السياسي وانتفاضة الغلاء المنبثقة عنه بصورة او باخرى، حيث سيذهب عشرات الآلاف من الاردنيين الى المساجد في ظل احتقان شعبي غير مسبوق. هذا الاحتقان بلغ ذروته يوم امس عندما سقط قتيلان برصاص الامن من اسرة واحدة تنتمي الى اكبر عشائر الشمال في مدينة اربد الحدودية المحاذية لسورية. القتيلان من عشيرة العمري الكبرى المعروفة بمواقفها الوطنية، وتشعباتها في معظم المناطق الاردنية الاخرى، وكان لافتا ان العشيرة ترفض حتى الآن دفن قتيلها الاول الا بعد اعتراف السلطات بالمسؤولية عن مقتله. رئيس الوزراء الاردني السيد عبدالله النسور اقدم على سابقة خطيرة عندما عمل على تصعيد حدة التوتر باصراره على المضي قدما في زيادة اسعار المحروقات وكأنه يتحدى الشعب والمتظاهرين، ويقول لهم افعلوا ما شئتم فلن اتراجع مثل الحكومات الاخرى. الحكومات الاخرى تراجعت من اجل تهدئة الشارع، ومنع تطور الامور الى الاسوأ، وكانت مصيبة في ذلك، لان العناد مع الشعب يعطي دائما نتائج عكسية، وهذا ما نأمل ان يقتنع به السيد النسور ويعمل على تلافيه. لا شك ان الدين الاردني فاق كل التوقعات عندما وصل الى 22 مليار دولار، وان العجز في الميزانية يقترب من الثلاثة مليارات دولار، ولا يمكن تجاهل الضغوط المكثفة التي يمارسها صندوق النقد الدولي من اجل رفع الدعم عن السلع الاساسية، ولكن قرار رفع هذا الدعم عن المحروقات وفي مثل هذا التوقيت كان خاطئا بل وكارثيا، فالعجز يمكن ان يتحمل بضع عشرات الملايين ريثما تنتهي الانتخابات البرلمانية، او تتجاوز البلاد فصل الشتاء القارس. الغلاء في الاردن بلغ معدلات قياسية، واصبحت عمان في منظور الكثيرين اكثر غلاء من عواصم عالمية مثل لندن وباريس بسبب غياب الخطط الحكومية القادرة على كبح جماح الاسعار ووضع الحلول لازمات البطالة المتفاقمة وتحفيز الدورة الاقتصادية بصورة علمية مدروسة وبما يؤدي الى رفع معدلات التنمية. ارتفاع اسعار المحروقات، والغاز والمازوت على وجه التحديد بمقدار خمسين في المئة يعني زيادة اسعار الخبز وتفاقم المعاناة من البرد القارس الزاحف على البلاد. فشل الحكومات الاردنية السابقة في علاج الازمة الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية، وتقليص العجز في الميزانية الى الحدود الدنيا ان لم يكن القضاء عليه لا يجب ان يدفع ثمنه المواطن الاردني المسحوق الذي باتت نسبة كبيرة منه عاجزة عن توفير لقمة الخبز لاطفالها بسبب الغلاء. الاعتماد على كرم الدول الخليجية وكأنه امر مسلم به ومضمون كليا، هو خطأ آخر للحكومات الاردنية، فهذه الدول، او بعضها، لا يريد للشعب الاردني ان يخرج من ازماته، ولا يريدون للاردن وسلطته الاستقرار لاسباب سياسية يعرفها الجميع ولا مجال للتفصيل فيها في هذا المكان. العاهل الاردني هو مفتاح الازمة، ولذلك يطالبه الكثيرون في الاردن وخارجه، ان يتدخل وان يضع حدا لهذه القرارات الخاطئة برفع الاسعار ويفتح ابواب الحوار مجددا مع قيادات الحراك السياسي للتوصل الى مخرج من الاحتقان الحالي الذي تعيشه البلاد. هذا التدخل الملكي بات حتميا، وملحا، قبل ان تفلت الامور من عقالها، لان الحلول الامنية تفاقم من حدة الازمة بدلا من ايصال البلاد الى بر الامان.