قبل فترة وبينما كنت أقف أمام محاسب أحد المتاجر الكبيرة المعروفة كان الشخص الواقف أمامي مصرا على استرجاع بضعة قروش باقي حساب مشترياته، وبينما كان المحاسب يحاول إقناعه بأنه لا يملك (الفكة) حاليا وأنها ستذهب تبرعا لجمعية مرضى الكلى، كان ذلك الشخص يعبر عن عدم ثقته من وصول المبلغ إلى مستحقيه، وكان أيضا ممتعضا من أسلوب فرض التبرع عليه بذلك الشكل الذي اعتبره إجبارا واستغفالا. والحقيقة رغم أنني كنت أود أن يتسامح ذلك الشخص عن الميلغ الزهيد ويحتسب أجره عند الله إلا أن أسلوب المحاسب كان بالفعل غير حضاري ولا يوحي بالاطمئنان إلى ما يقوم به. وهذا الموضوع يمثل معضلة كبيرة لدينا نلمسها في جامعي التبرعات وحتى في أسلوب تصميم إعلاناتها وإدارتها. لقد أصبحت طريقة جمع التبرعات علما وفنا وأسلوبا متخصصا يتسم ببراعة الإقناع ومخاطبة السيكولوجيات والثقافات المختلفة، كما أن المعلومات تصل للمتبرعين أولا بأول وبشفافية تامة مهما كانت تبرعاتهم قليلة ومن هنا تتولد الثقة بين المتبرع والجهات التي يتبرع لها.يوم أمس تناول الدكتور هاشم عبده هاشم جانبا من هذا الموضوع حين كتب عن أمنيته أن تذهب نسبة بسيطة لا تزيد على 1 % من أرباح الشركات والبنوك ومؤسسات الأعمال الصغيرة والكبيرة لمرضى الفشل الكلوي الذين صدمته إحصائيتهم ونسبة زيادتهم السنوية، وأن يصبح هذا التبرع تحت غطاء برامج المسؤولية الاجتماعية التي تلهج بها البنوك والشركات والمؤسسات، وأنا أكاد أؤكد للدكتور هاشم أن ذلك لن يحدث بالشكل الذي يتمناه ونتمناه. فالمسؤولية الاجتماعية لهذه الجهات لا تزيد في مفهومها عن تبرع تافه تصاحبه حملة إعلامية ضخمة وضجيج لا يهدأ لبضعة أيام ومقابلات مع مسؤوليها للحديث عن بنكهم أو شركتهم، مع أن التبرع لا يزيد عن جهاز غسيل كلى من النوع الرديء أو ماطور كهرباء أو حفر بئر على الورق أو ما كان شبيها بذلك، والسبب الجوهري أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية خاطئ جدا لدى هؤلاء فهم يعتبرونها منا وتفضلا على المجتمع بينما هي جزء أساسي من عمل أي مؤسسة كبرت أو صغرت. إنها في الخارج من أول شروط الترخيص لأي مؤسسة تجارية أو صناعية ولا يمكن أن تقل نسبتها من الأرباح عن حد معين، وقد تكون المؤسسة مهددة بالإغلاق إذا تلاعبت في هذا الموضوع. بينما لدينا، ورغم عدم وجود ضرائب ومع التسهيلات اللامحدودة لكل المؤسسات، فإن مسؤوليتها الاجتماعية غائبة إضافة إلى استخفافها بالمجتمع حين تتبرع بمبلغ حقير من أجل تلميع نفسها إعلاميا وليس من أجل خدمة المجتمع. وبالتالي لا بد أن تتغير الأنظمة والضوابط لتكون المسؤولية الاجتماعية إلزامية وليست اختيارية.للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة[email protected]