تمتلك الإعلامية التونسية نوفر رمول عفلي حساً وثقافة، وتحافظ على الخط البياني لمهنة الإعلام في زمن تتعرض أسسه للكثير من التشويه . تخطو خطواتها نحو ما تطمح إليه بتأن وهدوء كما هي ملامح وجهها . دخلت معترك الإعلام في ربيعها السابع عشر في الإذاعة الوطنية التونسية حيث بقيت 6 سنوات، ثم انتقلت إلى التلفزيون التونسي، ثم مراسلة لقناة "العربية" في تونس، ثم إلى قناة "الحرة" المكان الذي صقل موهبتها وتعلمت منه الكثير، ومنها إلى "الجزيرة"، ثم غادرت مع سبق الإصرار إلى قناة "دبي" التي لم تبخل بإعطائها الراحة النفسية والمهنية التي تبحث عنها، لتقدم برنامج "قابل للنقاش" الذي يعالج قضايا ساخنة ويركز على اهتمامات الشارع العربي والعالمي . التقينا نوفر في الحوار حول طموحاتها وعملها . منذ بدء عملك في الإعلام، لم تظهري سوى في مقابلة صحفية واحدة، فأي سبب يبعدك عن الظهور على صفحات الجرائد والمجلات؟ لا يوجد سبب محدد ولكنني أعتقد أنني مازلت هاوية وليس لديّ ما أقدمه للقارئ، لنتحدث عن "قابل للنقاش" فهو برنامج مختلف عما هو مشاهد في باقي القنوات؟ سامي مصدق معد البرنامج وأنا، عملنا منذ البداية على إعداد برنامج مختلف وجديد في شكله وطريقة طرح مواضيعه وإخراجه، لنبتعد عن قوالب البرامج الحوارية الكلاسيكية، لذلك نركز على أن تكون مقدمة الحلقة مدعمة بالصورة الفوتغرافية المعبرة، وأن نبسط الموضوع بالاستناد إلى الخرائط والغرافيك لتقريب جوانب الأحداث ومساراتها من المشاهد، كما ارتأينا أن نختم كل حلقة بقصة تتناسب مع سياق ما جاء في الحوار . وفي إطار التجديد المستمر، انضم مؤخراً الرسام فواز ارناؤوط إلى فريق البرنامج ليثري النقاش برسومه الكاريكاتورية وليرصد الحوار بريشته . اهتمام كبير باللغة العربية، يظهر في البرنامج من خلال المقدمة والختام والأسئلة، هذا متعمّد؟ أحد القواسم المشتركة بيني وبين سامي مصدق هو حبنا وشغفنا باللغة العربية، التي للأسف باتت مهمّشة في أغلب الأحيان، وبالتالي نسعى لتقديم مادة تحترم أصول اللغة العربية، كما أحاول تفادي الأخطاء الشائعة وأعمل على تحسين لغتي حلقة بعد أخرى . يبدو من تناول البرنامج القضايا الساخنة، بأنه يتمتع بمساحة كبيرة من الحرية؟ هو يتمتع بالمساحة التي يستحقها، نحاول تناول القضايا الساخنة بطريقة هادئة، هذا هو أسلوبنا الذي اخترناه للبرنامج ليكون بعيداً عن المناكفات والمشاحنات والخصامات، ولست من هواة التصادم والصراخ والصخب، أعمل على إدارة حوار هادئ، من أجل تحقيق المنفعة للمشاهد . هل أفهم من كلامك بأن الحوار الهادئ كما هو الحال في "قابل للنقاش" موجه للنخبة فقط؟ هناك فكرة سائدة لدى البعض بأن الحوارات الهادئة نخبوية، ولكن "قابل للنقاش" ليس كذلك، المواضيع التي طرحناها والشخصيات التي قمنا باستضافتها هي قريبة من المواطن العربي، نطرح عليهم أسئلة نابعة من مشاغله وهواجسه ونعمل على أن نجد الإجابة التي ينتظرها المشاهد . وشخصياً أجتهد لاقتلاع معلومة من دون استفزاز أو مشاكسة مجانية وأعتقد أن برامج الصراخ ولّى زمانها . برأيك ما الذي تفتقده البرامج الحوارية التي نشاهدها اليوم؟ معظمها تفتقد إلى التبويب، وتقسيم الموضوع إلى محاور بارزة، لتصل بالمتابع إلى حالة فهم وبشكل متسلسل . أظن أننا ومن خلال ردود فعل الضيوف والمشاهدين نجحنا إلى حد ما في ذلك . ما وجهة نظرك حول البرامج التي تتبع "الشو" في عرضها؟ أنا متأكدة أنه مع كل التغيرات التي يعيشها العالم العربي، سيأتي اليوم الذي يدير المشاهد ظهره لهذه النوعية من البرامج . إذاً هي فوضى آنية؟ هذه النوعية من البرامج عرفت طفرة في وقت من الأوقات، ربما كان المشاهد يحتاجها، ولكن بعد أن أصبحت مساحة الحوار متوفرة للجميع، تغير الواقع . قابل للنقاش شعار لبرنامج يفرد الأوراق بدون حدود، فإلى أي درجة من الممكن أن نعكس هذا الشعار على حياتك العائلية؟ إلى حد بعيد، فأنا ترعرعت في عائلة تعودت على المصارحة ومناقشة كل الموضوعات، وتقدير بقية الآراء على اختلافها، وأنا مدينة لوالديّ على كل المبادئ التي أصّلوها في، لأنهما علماني ثقافة تقبل الآخر والتعبير عن النفس، وهذه صفات لا نتعلمها في المدرسة بل تبدأ من العائلة . يخيم على شخصيتك هدوء وخجل غير متصنع، هل هو هدوء شاعر؟ لا، وإنما اقرأ كثيراً، بالرغم من أن "تويتر" في 140 حرفاً أصبح يأخذ كل الطاقة أو الرغبة في قراءة أي شيء . وأركز على قراءة الكتب المتخصصة في الصحافة والإعلام، فتخصصي في الاقتصاد وليس الإعلام لذلك احتاج للمزيد من التعلم والتدريب . هل هو تواضع أن تقولي بأنك مازلت تتعلمين، بعد 15 سنة من الخبرة الإعلامية؟ أنا مازلت تلميذة في مدرسة الصحافة والإعلام، وأتمنى أن لا يأتي اليوم الذي أصرح فيه بأنني تعلمت كل شيء . هل من السهل أن يكون الإعلامي حيادياً؟ ليس سهلاً، ولو سألتني على سبيل المثال عن رأيي في حزب أو شخص معين فسأمتنع عن الإجابة، فهذا من اختصاص صحافة الرأي وأنا لا أعمل فيها، وقراري منذ البداية ألا أكتب مقالات ولا أنشر آرائي الشخصية على "فيس بوك" أو "تويتر"، ولكنني طبعاً استمتع بمناقشة آرائي مع زملائي وأصدقائي وعائلتي . من اللافت هذا التناقض، فأنت إعلامية ولكنك تخشين الصحافة، وتتعاملين مع قضايا ساخنة من خلال برنامجك، وفي الوقت نفسه لا تحبين الحديث في السياسة؟ أنا لا أخشاها، فقط أحافظ على صدقي أمام مشاهد أدين له بتقديم المعلومة الصحيحة، والاحترام . في بعض الحلقات تستضيفين أربع أو خمس شخصيات، هل من السهل ان تمسكي بخيوط إدارة الحوار؟ هي عملية شاقة ومسؤولية في الوقت نفسه، لكنها ضرورية في بعض الحلقات حيث نعمل على أن تكون كل الأطراف حاضرة، وأن يحصلوا على الوقت نفسه في تقديم وجهات نظرهم للمشاهد . المرأة ما قبل الربيع العربي كانت تعيش نهضة على جميع المستويات، وبعدها تراجعت بعض الشيء، ما رأيك؟ المرأة دائماً فعالة في المجتمع، وكوني تونسية لنتحدث عن تونس، فلا أحد يملك سلطة سلبها مكتسباتها، لأنها حصلت على هذه الحقوق بعد رحلة كفاح استمرت لعقود، وإن كان استحقاقها السياسي في دول الربيع العربي ليس بالطموح المطلوب حتى اليوم، فعلى المرأة ان تستمر في العمل وتطالب بما هو أفضل للحصول على الاحترام الذي تستحقه . برنامجك يحمل أيضاً طابعاً إنسانياً فسبق لك ان قدمت في إحدى الحلقات قصة الفلسطينية هناء شلبي التي تعرضت للاعتقال وأضربت عن الطعام لأكثر من أربعين يوماً، فكيف للجمهور أن يصنف برنامجك؟ هذا ما نتحدث عنه، "قابل للنقاش" برنامج "شعبوي" وليس نخبوياً، يخاطب هموم المواطن العربي حيثما كان، وهناء شلبي هي قصة إنسانية ودرس لنا جميعاً، كان لي شرف محاورتها، تعلمت منها الكثير لأن درس الصبر ليس كل شخص قادراً على إعطائه، وهي من الحلقات التي أعتز بها . أحياناً نشاهد بعض المذيعات أو المذيعين يبكون أمام المشاهد، هل يمكن أن يحدث معك؟ دموعي خط أحمر لا يمكن أن أقبل بتخطيه، ومن غير المعقول أن نقتنع بأن المذيع تأثر بالتقرير على الهواء وفقد أعصابه باكياً، لأنه بإمكانه مشاهدة التقارير قبل النشرة، برأيي ليس من المهنية السماح بذلك . المشهد الإعلامي بات شبه منقسم ما بين إعلام تقليدي وحديث عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فما رأيك؟ على الإطلاق، ما بينهما هي علاقة تكاملية وليست إلغائية، و"قابل للنقاش" يعتمد كثيراً على صفحته على "الفيس بوك"، التي يديرها الزميل أحمد قاسم، ويرصد أهم الآراء والاقتراحات التي تأتي من أصدقاء البرنامج .