أشار التقرير الشهري لمؤسسة الخليج للاستثمار إلى ان منطقة اليورو ظلت بؤرة رئيسة للأزمات المالية بتداعياتها وافرازاتها التي كانت آخر الأمثلة عليها هي أزمة البنوك التجارية في قبرص والتي جاء الانفراج من الإعسار المالي عن طريق حزمة إنقاذ من الترويكا (الاتحاد الأوروبي, البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) مع شرط إخضاع الودائع الكبيرة لضريبة مرتفعة الأمر الذي أثار مخاوف المستثمرين والمودعين في دول أخرى للاتحاد. ولا شك أن مثل هذه الإجراءات إنما تمثل دروساً وآثاراً سلبية على الاستثمارات الدولية والخليجية ينبغي التحوط لتداعياتها والنتائج المترتبة عنها. أما من جهة دول مجلس التعاون فإنها تتابع مسيرة التنمية الاقتصادية بمعدلات مستدامة تدل عليها تقديرات هيئة قطر للإحصاء والتي قدرت معدل النمو الاقتصادي الكلي لعام 2012 بحدود 6.2% وهو قريب من المعدل الذي قدره صندوق النقد الدولي 6.6%. كما يقترب المعدل من النمو المتحقق للاقتصاد السعودي 6.6% وعلى الجانب الآخر تقدر مؤسسة الخليج للاستثمار معدل النمو الاقتصادي في الكويت بحدود 6% وفي البحرين بحدود 4% عام 2012 وفي عمان بحدود 5.7% وفي الإمارات بحدود 5.0%. وأما من جهة إسهام عناصر الإنفاق الكلي كالاستهلاك الخاص والاستثمار والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات في النمو الاقتصادي فيأتي الاستثمار ليمثل المرتبة الأولى في قطر بمعدل إسهام يزيد عن 60% وأما في السعودية فيسهم الاستثمار بنحو ثلث معدل النمو المتحقق بفعل الإنفاق على البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية الأخرى شاملة الصحة والتعليم والعقار. كما يسهم نمو الإنفاق الاستهلاكي الخاص بثلث آخر في حين أن الإنفاق الحكومي وصافي الصادرات توفر الثلث الأخير من معدل النمو المتحقق في عام ,2012 وفي عمان يسهم الإنفاق الحكومي بما يزيد على 45% من معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من ارتفاع إسهام الصادرات الصافية في نمو الناتج في دول المجلس إلا أن إسهامها تراجع قليلاً عام 2012م نظراً لأن الأسواق النفطية بدأت تتجه نحو تقاعس الطلب متأثرة باستمرارية حالة عدم اليقين وانخفاض معدل النمو الاقتصادي الدولي. وتظهر النتائج الأخيرة للبنوك في دول مجلس التعاون تحسناً كبيراً في أدائها وفق آخر البيانات السنوية المتاحة لعام ,2012 ولا يتوقف الأمر عند ارتفاع معدلات رأس المال وفق الشريحة الأولى فحسب بل يتعداه إلى مؤشرات أخرى شاملة ارتفاع معدلات السيولة وزيادة معدلات التسهيلات الائتمانية فضلاً عن تراجع معدلات الديون المتعثرة. ويمكن بالإجمال القول بأن نتائج عام 2012 تقف دليلاً قاطعا على العلاقة القوية فيما بين تحسن أداء البنوك الخليجية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي واستدامته في دول المجلس خلال السنوات القليلة الماضية مع ملاحظة أن الأداء الجيد للبنوك الخليجية هو بخلاف الحال لأداء كثير من البنوك الدولية لاسيما في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. هذا, وتقدر قيمة إجمالي أصول البنوك الخليجية بحوالي 1.6 تريليون دولار في نهاية عام 2012 وهو ما يشكل زيادة سنوية قدرها 10.3% عن مستواها عام 2011 وبما يمثل قيمة موازية تقريباً لإجمالي الناتج المحلي لدول المجلس مجتمعة والبالغ نحو 1.6 تريليون دولار خلال عام .2012 ويلاحظ أن قيمة أصول البنوك الإماراتية والسعودية تمثل أكثر من نصف إجمالي قيمة أصول البنوك في المنطقة وتقدر بحوالي 488 بليون دولار في الإمارات العربية و462 بليون دولار في السعودية ومن جانب آخر فقد سجلت البنوك القطرية أكبر نمو سنوي في أصولها من 191 بليون دولار في 2011 إلى 224 بليون دولار في 2012 أي بمعدل تغير قدره 17%. وتتوقع المؤسسة استمرار توسع الأصول البنكية لدول المجلس لاسيما مع العودة المتوقعة لقدر يعتد به من رؤوس الأموال المستثمرة في الخارج خاصة في حالة السعودية والكويت في الأشهر المقبلة. وأما من حيث نوعية الأصول البنكية في دول مجلس التعاون والتي تأثرت سلباً بالأزمة المالية العالمية 2008 وما أعقبها فإنها تمكنت من إحراز تقدم بخفضها مدفوعة بحرص البنوك المركزية في دول المجلس على حث المصارف التجارية على اتخاذ الاحتياطات الواجبة بتخصيص قدر كاف من المخصصات لمواجهة تداعيات الديون القابلة للتعثر. وعليه انخفضت نسبة الديون المتعثرة في الكويت من 9% عام 2009 إلى 5.6% عام 2011 ثم إلى 5.1% عام ,2012 وأما في السعودية فإن نسبة الديون المتعثرة كانت 2.5% عام 2009 ما لبثت أن انخفضت إلى نحو 1.5% عام 2012 وانخفضت كذلك في عمان من 4.1% إلى 3% خلال الفترة ذاتها. وكانت الأزمة المالية العالمية قد أثرت على الموقف المالي الذي نجم عنه ارتفاع نسبة القروض المتعثرة إلى إجمالي القروض في الإمارات العربية المتحدة عام 2010 إلى 5.1% مما دفع إلى تزايد إجمالي القروض المتعثرة في دول المجلس لتمثل 2.04% من إجمالي القروض. وفي نفس العام بقى مستوى القروض المتعثرة في الكويت الأعلى في المنطقة عند نسبة 7.8% مما دفع الحكومة الكويتية لإنشاء صندوق المتعثرين لدعم ميزانيات البنوك التجارية حيال انكماش أصول بعض شركات الاستثمار والتي تقدر نسبة انكشاف البنوك الكويتية عليها ما نسبته 9% تقريباً من إجمالي قروض البنوك. وقد ساعد الصندوق مدعوماً بارتفاع أسعار النفط وزيادة الإيرادات الحكومية على تقليص مستوى القروض المتعثرة في البنوك الكويتية إلى 5.6% بعام .2011 وقد استمرت هذه النسبة في الانخفاض بالكويت في عام 2012 حتى وصلت إلى 5.1% في الوقت الذي حققت القروض المتعثرة نسبة 1.5% فقط من إجمالي القروض في السعودية والتي تعتبر أقل نسبة في دول المجلس خلال السنوات الأربع السابقة. أما في دول مجلس التعاون الخليجي, فقد اكتسبت الأسواق زخما في شهر مارس مع ترقب إعلانات الأرباح عن الربع الأول في ظل قيام المستثمرين بتكوين مراكز أو انهماكهم في جني الأرباح قبل إعلان النتائج وعودة السوق السعودية إلى مسار الانتعاش حيث حقق مؤشر" تداول" مكاسب كبيرة وعاود السوق القطري أداءه الإيجابي. وارتفع مؤشر "ستاندارد آند بورز" للأسهم الخليجية بواقع 2.00% خلال الشهر, رافعاً مكاسبه منذ بداية العام إلى 6.25%. وبينما سجل مزيج برنت الأوروبي انخفاضا طفيفا قدره 0.36% ليقفل على 110.0 دولار أميركي للبرميل, وقفز خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بواقع 5.16% ليقفل على 97.2 دولار للبرميل وليقلص من جديد الفارق في الأسعار بين خامي النفط القياسيين. وبرزت قطر كأفضل الأسواق الخليجية أداء في مارس فيما كان أداء السعودية لافتا, بينما هبطت أبو ظبي ودبي بعد بداية ممتازة لتداولات العام الجديد. وارتفع المؤشر العام لبورصة قطر بواقع 2.52% خلال الشهر, مدعوماً على نحو رئيسي بصعود قطاع الصناعة بواقع 7.27% فيما سجل قطاع البنوك والخدمات المالية ارتفاعا قدره 1.05% ويعزى هذا الأداء بشكل أساسي إلى صناعات قطر وبنك قطر الوطني الشركتين ذوات الثقل الكبير في قطر حيث حققتا مكاسب بلغت 3.9% و3.2% على التوالي. ولا تزال سوق الائتمان الخليجية تتأثر بسيل الأخبار السيئة المتدفقة من أوروبا. فقد بدأ سيل الأخبار السلبية بالجمود السياسي المستمر في إيطاليا قبل أن تقفز قبرص إلى الواجهة إثر بلوغ أزمة مصارفها ذروتها. ووافقت حكومات دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مؤخرا على إقراض قبرص عشرة مليارات يورو مقابل قيامها بتصفية ثاني أكبر مصارفها وفرص خسائر في صورة ضرائب على أصحاب السندات والودائع المصرفية التي تفوق المئة ألف يورو. وتوشك قبرص أيضا على فرض قيود على التحويلات المالية في اقتصادها.