تتعرض الممرضات في مصر لشتى أنواع الاذلال ضربًا وتحرشًا واغتصابًا من جانب مواطنين وبلطجية، بسبب الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد، وبسبب النظرة الدونية إليهن، على الرغم من أنهن ملائكة الرحمة. القاهرة: يعاني المصريون حالة الإنفلات الأمني غير المسبوقة، ويعيشون في ضغوط يومية، وتتعرض بعض الفئات الاجتماعية لاعتداءات مستمرة من جانب البلطجية. ووصلت حالة الإنفلات الأمني ذروتها بعد إغلاق بعض المستشفيات أبوابها أمام المرضى، ومنها مستشفى أم المصريين العام في الجيزة، إضافة إلى أكثر من 32 مستشفى آخر، بسبب عدم توافر الأمن الكافي لممارسة الفريق الطبي عمله. اعتداءات بالجملة كشف تقرير حقوقي أن الممرضات في المستشفيات العامة يتعرضن لاعتداءات جسدية وجنسية مستمرة. وأوضح مركز نظرة للدراسات النسائية، أن الممرضات في عدد من المستشفيات في محافظة بورسعيد، من بينهما مستشفى المساحة البحري والمعروفة بمستشفى الصدر، ومستشفى الأميري، تعرضن للكثير من الإعتداءت خلال آذار (مارس) الماضي، مشيرًا إلى أن هذه الاعتداءات تطور لحالات العنف المجتمعي المتصاعدة والمرتبطة بحالة الانفلات الأمني، وبغياب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة المشكلة من جذورها، بالإضافة إلى ارتباطها الوثيق بالرؤية الدونية تجاه العاملات في مهن مختلفة كالتمريض، والوصمة المجتمعية المصاحبة لها من الرجال والنساء، وقبول الانتهاكات المتراكمة عليهن منذ سنوات. ووفقًا للتقرير الذي حصلت "إيلاف" على نسخة منه، يأتي تصاعد واستمرار تلك الاعتداءات، نتيجة لحالة الإفلات من العقاب، وبسبب عدم قيام القائمين على تأمين المستشفى والهيكل الإداري بها وأجهزة الأمن المعنية بالتصدي لها، وتنصلهم جميعًا من المسؤولية. هددها بالاغتصاب من بين الوقائع التي يوردها التقرير قيام أحد المرضى في مستشفى المساحة البحري بخلع ملابسه ومطاردة إحدى الممرضات في أروقة المستشفى وتهديدها بالاغتصاب أمام الجميع، بسبب عدم استجابتها لطلب لا يتفق مع الإجراءات الطبية في المستشفى، وعند تصدي عامل الأمن له إعتدى المريض عليه بالضرب وحطم باب المستشفى الزجاجي. وفي واقعة أخرى في المستشفى نفسه ، دخل مرافق مريض إلى غرفة المناوبة الخاصة بالممرضات للتدخين. وعندما حاولت الممرضة منعه وطالبته بالخروج لتبديل ملابسها، رفض ترك الغرفة وإعتدى لفظيًا عليها لرفضها تبديل ملابسها أمامه، في حين قام المريض الذي جاء لتلقي العلاج بمطاردتها وضربها بآلة حادة. اتهامات بالسرقة تناولت شهادة إحدى الممرضات في مستشفى المساحة البحري واقعة الاعتداء عليها بالضرب من قبل ابنة مريضة في المستشفى، على خلفية إبلاغها بأن الطبيب غير موجود، بعد قيام الأطباء بالإسعافات الأولية الخاصة بوالدتها، حينما طلبت الابنة بأن يتم توقيع الكشف على والدتها مرة أخرى. هذا بالإضافة إلى وقائع مختلفة لجذب الممرضات من شعرهن. وشهدت مستشفى الأميري وقائع اعتداء أخرى، حين تعرضت ثلاث ممرضات للاعتداء بالضرب من قبل أقارب إحدى المريضات على خلفية اتهامهن بسرقة خاتم كانت تضعه المريضة أثناء عملية جراحية خضعت لها. واستمر الاعتداء بالضرب عليهن على مدار 30 دقيقة نتج منه إصابات مختلفة، ولم يتمكن أمن المستشفى، المكون من ثلاثة أشخاص فقط، من التدخل، كما لم تتخذ إدارة المستشفى أي إجراءات. عامل أمن واحد أورد التقرير شهادة أحد الأطباء الذي تعرض للاعتداء من مريض في مستشفى المساحة البحري قال فيها إن المستشفى الذي يعمل به أصبح ساحة لممارسات عنيفة من قبل المواطنين والمرضى ضد أفراد الطاقم الطبي، نظرًا للانفلات الأمني الذي تعانيه محافظة بورسعيد، خصوصًا بعد تهميش المحافظة، وحالة الغضب بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت على خلفية الأحكام التي صدرت في 26 كانون الثاني (يناير) 2013 و 9 آذار (مارس) 2013 في قضية مجزرة استاد بورسعيد، إذ أصبح "بالبلطجة وقلة الأدب اللي عايز دلوقتي يخش المستشفى بيخش" على حد تعبيره. وتسببت واقعة الاعتداء عليه بإصابته بجرح تطلب تضميده سبع غرز وتجبير كسر في أحد أسنانه وعلاجه من ارتجاج في المخ. كما تم نقل ثلاثة أطباء من أصل ثمانية في المستشفى إلى محافظات أخرى بناء على طلبهم، بينما لا يقوم مدير المستشفى باتخاذ أي إجراءات أو تدابير للتصدي لتلك الاعتداءات، إذ يوجد عامل أمن واحد فقط لتأمين خمسة وأربعين ممرضة. لا إجراءات بالإضافة إلى المهام الوظيفية للممرضات والظروف الصعبة والتحديات التي يعملن بها، ونضالهن اليومي لمحاربة الوصمة المتعلقة بعملهن، يواجهن ضغوطًا نفسية بالغة لشعورهن الدائم بالاستهداف لكونهن نساء، وبسبب الإحساس بالتهميش المضاعف نتيجة لعدم قيام قوات الأمن العسكرية والمدنية بالاستجابة لاستغاثاتهن، في ضوء ظروف المحافظة الحالية، ما يحول دون أدائهن عملهن. وأوضحت الشهادات تقاعس الأجهزة الأمنية في التصدي لتلك الاعتداءات، وأشار التقرير إلى سماح الشرطة العسكرية في إحدى المرات للمُعتدين بالمغادرة بعد تحرير محاضر صورية، ما يجعل قيامهن بعملهن وواجباتهن الوظيفية أصعب. وقالت إحدى الممرضات: "هو أنا كل شوية بدل ما أروح أمضي في شغلي أروح أمضي في القسم؟! أنا بشتغل ممرضة، مش مخبر ولا أمين شرطة". ووفقًا لإحدى الممرضات في مستشفى الأميري، عندما استعانوا بقوات أمن عسكرية للتدخل في أحد الاعتداءات: "العساكر مشوا الناس اللي ضربتنا بدون أي إجراءات ضدهم". إدارة فاشلة على الرغم من معرفة الممرضات بالاعتداءات التي يتعرض لها الأطباء الرجال ورفضهن لها، فإنهن يؤكدن أن الاعتداءات عليهن أكثر، لأنهن يمضين وقتًا أطول في المستشفى. تقول إحداهن: "الدكتور مش مقيم، الاعتداءات على الممرضات أكثر". وعلى الرغم من معايشة الأطباء الاعتداءات التي تتعرض لها الممرضات، فهم لا يقومون بأخذ أي إجراءات أو خطوات تحول دون حدوثها، ما يتركهن عرضة لأضعاف التهديدات والاعتداءات على نظرائهن الأطباء. وتعلق ممرضة قائلة: "مفيش مديرين تمسك المكان، والدكاترة مش عايزين يشيلوا المسؤولية دي... إدارتنا فاشلة". وقال الدكتور محمد سعيد، الطبيب في مستشفى أم المصريين، ل"إيلاف" إن المستشفيات صارت هدفًا للبلطجية، ولفت إلى أن الأطباء رفضوا العمل في قسم الطوارئ وتم إغلاقه بعد تعرضهم للهجوم من جانب البلطجية أكثر من عشر مرات بعد الثورة، وتعرض بعض الأطباء والممرضين للضرب والإختطاف. في الليل وقالت مها مهنى، الممرضة في مستشفى قصر العيني، ل"إيلاف" إن الممرضات يضطررن إلى الجلوس في غرفهن وإغلاق الأبواب من الداخل أثناء الدوام الليلي، لا سيما أن البلطجية عادة ما يقتحمون المستشفيات ليلًا بحثًا عن الأدوية المخدرة، ويعتدون بالضرب والاغتصاب على الممرضات. ودعا مركز نظرة الدولة إلى إدراك أن تأمين وحماية أفراد الطاقم الطبي والمستشفيات العامة والخاصة والميدانية هي مسؤوليتها، ويجب الشروع فورا في اتخاذ خطوات أمنية وعملية لوقف الاعتداءات الجنسية والجسدية على الممرضات. ويجب على المسؤولين إدراك ضرورة تضمين بعد النوع الاجتماعي في تلك الخطوات والتدابير. ويجب على الأطراف المعنية والقوى السياسية النظر للمجموعات المختلفة الأكثر عرضة للعنف ومحاولة طرح آليات واقتراحات للحد من تفاقم تلك الظاهرة ووضع تلك الإشكاليات على قائمة أولوياتهم.