كل أزمة بداية لبلوغ الامل، وكل شيء في حياتنا يبدأ من الألم، فهو معلمنا الاكبر، فسأصبر على الداء، وسأطوي زمن الاعتلال وعهد النواح، وسأغدو كالنسر بهمة شماء، وأقول للألم لن أنثني عن حرب آمالي بحسن البلاء، وسيخمد العزم المؤجج في دمي لهيب الأسى وعواصف الإعياء. يا إيلاما في بدني، ليت شعري أين منه مهربي، أين أمضي هاربا من ألمي، والجوى طحنني طحن الرحى، وخطوب الدهر تضيّق أضلعي، ولوعة الأسقام تلاحقني، والوصب يقلق مضجعي، والموت يملأ طعمه فمي، واللؤلؤ الرطب يفيض زخات من أعيني، وسكرات الآهات تشكو الوجى بتحشرجي، مع كل تنهيدة يفصح بها قلبي، تنطق بشهادة حق يوم مأتمي، سأصارعه بالصبر فلن يُهزمني، وسأتجاهله من حيث يؤلمني، ان اصطباري بالفرج مُعقبي، والصبر شرط العيش الأولي، والسخط تلف للأعصاب يزهقني، ومحيطه يحترف تصعيد تذمري. الالم آلية وقائية وعملية تقييم في المخ، للتحذير من المحفزات الضارة لأنسجة الجسم، ينشأ من رد فعل شعوري، يكون له السبق على المنبهات الأخرى، وهناك نوعان من حس الألم، أحدهما حاد ولاذع وسريع، يتموضع بدقة في منطقة الاصابة، ويؤدي الى استجابة انية لا ارادية حين التعرض للتلف، والثاني مبهم وبطيء، وينتشر في نطاق واسع يحيط بالمنطقة المصابة، ويدوم لفترة طويلة، ويوقف حركة العضو المصاب، كي لا تزيد الاصابة من تلفه، وقد يحدث أي من هذين الألمين على انفراد أو بالتتابع والتداخل. الاعتلال العصبي، أشد الآلام إزعاجا، فهو يتفجّر من دون وجود منبّه خارجي، بسبب استثارة زائدة في مستقبلات حس الألم، ينجم عنها سلوك خاطئ للأعصاب يرسل إشارات كاذبة إلى الدماغ، لتحدث شعورا لألم حقيقي، مثله مثل أي ألم خطير مبرح، ثابتا لا يزول أبدا، ومنشأه خلل وظيفي من تلَف عصبي تالٍ لإصابة مؤذية، ومن عدوى فيروسية، وتداعيات داء السكري، وآفات العوز الغذائي، ويتضمَّن مجموعة أحاسيس مزعجة، كتنمَل وحرقة ودغدغة وبرودة وتورّم، ترافقه استجابات شعورية، كالحزن والبكاء والخوف والكآبة والغثيان، واضطراب القلب وضيق التنفس، ويعجز الأطباء عن تهدئته. تعتبر كل خلية مولدا كهروكيميائيا، تتصل بالخلايا الأخرى كهربائيا، وينتقل الالم عبرها الى النخاع الشوكي ثم الى الدماغ، ويؤكد العلماء القدرة على التعافي من الألم بتدريب النفس على نسيانه، وامكانية التأثير على طريقة التعامل معه ومقاومته في الدماغ، والتحكم في درجة شدته بصرف الانتباه عنه، وتقليل الشعور به وادراكه، وذلك بالتركيز على حس آخر، ويوصون بالتأمل ومقاطعة سيل المعلومات، واغلاق بوابة الالم باستثارة نهايات حس اللمس، في مسارات الالم بوخزها، أو بتسليط موجات كهربائية، أو بتنبيه الجهاز العصبي ليولد مواد مورفينية لتخفيفه، ويدرك شدة ونوع الألم كحس بغيض مزعج، ولا يعرف شدته إلا من ذاقه، ومن لم يذقه، فيعرفه بالقياس إلى الآلام التي أدركها الاستدلال بأحوال الناس، والمؤلم ينفرق على سائر أجزاء الجسد، فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح، فبقدر ما يسري تتألم الروح، فإن كان في الآلام ما يباشر نفس الروح ولا يلاقي غيره، فما أعظم ذلك الألم وما أشده، وما للموجوعين الا الله. حجاج بوخضور