لم يكن شعار «نساء قويات» الذي اختاره منظمو المهرجان السينمائي التراثي دعائياً أو عابراً، بل إنه تجسد في كل فيلم من الأفلام المعروضة، وإنْ بأشكال مختلفة ومن زوايا متعددة. ففي كل واحد من الأفلام الستة التي عُرضت في ثاني أيام المهرجان هناك صيحة امرأة، وليس صرخة مغلوبة على أمرها كما تعودنا في السابق. المرأة هنا تنتزع حقها بنفسها ولا تكتفي بالشكوى، تثور على وضع قائم، بطريقتها الخاصة. فهي تتحدى زملاءها المتنمرين والساخرين من شكلها البدين، وتقرر الرقص وهي طفلة يافعة أمام المئات في فيلم «ألينا» الألماني، وهي الزوجة المتسامحة، لكن القادرة على فضح المعتدي عليها، ولو كان زوجها عندما يتجاوز حده في فيلم «نقطة اللاعودة» الألماني، وهي زوجة قادرة على هزيمة الرجل عند منازلته في مباراة عرضية للكونج فو في محاولة للفت انتباه زوجها صاحب مرسم مهتم بلوحاته ومهمل لزوجته في فيلم «أسود وأبيض» الإماراتي، وهي عشيقة تقر بهزيمتها أمام زوجة عشيقها بعد انتظار قدومه إلى موعدهما عشر ساعات، قبل أن تتقبل اعتذاره وتُقر بأن زوجته أَوْلى به منها في فيلم «عشر ساعات» الإماراتي. هشام أحناش (أبوظبي) - أكدت الطاقات الشابة للمخرجين الإماراتية حضورها في ثاني أيام المهرجان السينمائي التراثي بفيلمين مختلفين في الحبكة والتمثيل والإخراج، متفقين في الجوهر والمضمون. ففي فيلم «عشر ساعات» الذي ينتجه ويخرجه أربع مخرجات ومخرج واحد، نجد عملاً جماعياً لا يخلو من قوة، بدءاً بشجاعة مخرجاته الشابات وخوضهن تجربة الإخراج، وانتهاءً بتقديمهن فكرة كسر «تابو» مجتمعي وجرأتهن بعرض تجربة شابة عشيقة لرجل متزوج، ومراحل انتظارها له عشر ساعات متواصلة، تاركات الباب مفتوحاً للمتفرج ليحكم عليها ويحدد بنفسه نوع التجاوب معها. فالمتفرج المحافظ في المجتمع الذكوري قد يحتقر هذه العشيقة ويرى أنها تستحق عناء الانتظار وأسوأ من ذلك، باعتبارها سمحت لنفسها بإقامة علاقة مع رجل متزوج وتخريب بيته، بينما قد يتعاطف معها المتفرج المنفتح، ويرى بأن تقبُلها هزيمتها أمام الزوجة الشرعية لعشيقها وإقرارها بأنها أولى بها منه يعكس قوة دفينة في شخصيتها، وندماً على ما تفعله، مغلفاً بأمل في أن تحظى هي بدورها بحياة عاطفية أفضل وأكثر قبولاً في مجتمعها. هو مونولوج من سبع دقائق يختزل عشر ساعات من الانتظار، يكشف ما يقع خلف جدران بعض البيوت من خيانات أزواج مع عشيقات «طيبات وشريرات»، في غفلة من زوجاتهن الشرعيات. أزمة مهارات وعلاقات يروي المخرج الإماراتي السينمائي في فيلم «أسود وأبيض» قصة زوجين إماراتيين في قالب كوميدي ساخر، ويصور في عشر دقائق أزمة العلاقات والمهارات التي تعانيها كل واحدة منهما، فأحد الزوجين يهوى رياضة الكونج فو، ويحلم بها لدرجة أنه يسرح عن زوجته وهي تُملي عليه ما يجب عليه جلبه من أغراض يومية لدى عودته من البيت، وتذكره بما ينبغي عليه القيام به من مهام اجتماعية كالاتصال بأمه. أما الزوج الآخر، فهو منفصل عاطفياً تماماً عن زوجته، ولا يهتم لا بكلامها ولا بروحاتها وطلعاتها، فيما يلقي كامل اهتمامه على اللوحات الفنية التي تباع في المرسم الذي يديره. تشعر هذه الزوجة بالتهميش والاستفزاز، فتسعى للانتقام من هذا الزوج اللامبالي أو على الأقل لفت انتباهه، فتذهب إلى المرسم وتُقاتل الموظف الذي يهوى قتال الكونج فو وتهزمه شر هزيمة، قبل أن تغادر وفي يدها اللوحة لتريها لزوجها، لكن انشغاله عنها باللوحة المسروقة الموجودة في بيته وأمام ناظريه يمنعه من الالتفات إليها، ويفوت على نفسه فرصة اكتشاف العمل «القتالي البطولي» الذي قامت به، لتأخذ اللوحة إلى غرفتها وتنتشي بنصرها لوحدها، بينما يعود هاوي الكونج فو، وهو يزف بشرى إلى زوجته بطرده من العمل، وعودته إلى البيت خاوي الوفاض، دون جلب أي غرض من الأغراض التي أوصت بها ولا بالاتصال بأمه، حماتها. وجدير بالذكر أن هذا الفيلم كان من أكثر الأفلام التي تفاعل معها الجمهور بمنارة السعديات، نظراً لطابع الآكشن والكوميديا الذي تميز به، ناهيك عن كونهم يرون زوجة إماراتية تتقن فنون القتال ورياضة الكونج فو وتملك الشجاعة لفعل أي شيء لاستعادة انتباه زوجها، لكن دون جدوى. يحمل الفيلم كثيراً من الرسائل المباشرة وغير المباشرة. كما يفند الصورة النمطية حول كره الزوجة لحماتها، وتبرع الممثلة في تجسيد دور الزوجة «الزنانة»، والزوج الميال إلى الصمت والاستماع دون انتباه، حينما تكون زوجته تتكلم دون انقطاع. الطيارة السعودية ... المزيد