حين ارتأت القيادة السياسية، ممثلة في صاحب السمو، حفظه الله، تعديل آلية التصويت لانتخابات أعضاء مجلس الأمة بحيث تصبح صوتا واحدا بدل الأصوات الأربعة، فإن الهدف من ذلك -بلا شك- كان لإصلاح وظيفة مؤسسة مجلس الأمة من الفساد الذي علق بها نتيجة الممارسات الخاطئة والانحرافات التي غدت قاعدة يسير عليها معظم الأعضاء الذين يفوزون بالانتخابات. فالتحالفات والاصطفافات القبلية والطائفية التي كانت تحرم الكثير من المكونات الاجتماعية من التمثيل في البرلمان لسبب تواضع عددها، وصناديق الفرعيات التي كانت تحول دون وجود عنصر أساسي من عناصر الديموقراطية، وهو عنصر المنافسة وحرية الاختيار والحد من شراء الأصوات. كل هذه الآفات المرضية، التي كانت مصاحبة للنظام الانتخابي السابق، تم القضاء عليها بفضل الخطوة الجريئة التي اتخذتها القيادة السياسية، ممثلة في صاحب السمو، حفظه الله. غير انها، للأسف، لم تقض على الفهم الخاطئ لوظيفة عضو البرلمان! وهذا تبين بوضوح عند مناقشة الوضع الصحي في جلسة الأربعاء الماضي، إذ تبين من خلال النقاش والمداخلات أن معظم المتحدثين تركز حديثهم على الجوانب الخدمية، التي تصبّ في مصالح النواب الانتخابية كالتوظيف والعلاج بالخارج! معنى هذا أن النواب ما زالوا لم يرتقوا بطرحهم لكي يتوافق مع طموح القيادة السياسية حين استخدمت حقها الدستوري في تعديل آلية التصويت، أي ان يرتقوا بالوظيفة النيابية ليضعوها في مكانها الصحيح، وكذلك الحكومة! لذلك، باعتقادي أن محاولة تعديل آلية التصويت قد نجحت في الجانب الانتخابي، لكن الأهم بقي على حاله، وهما الجانبان الرقابي والتشريعي، إذ ما زالت عقلية الانحراف عن هذين العنصرين الأساسيين في وظيفة البرلمان مستمرة من خلال ما يقوم به معظم أعضاء مجلس الأمة حاليا، وهو السعي إلى إنجاز الخدمات غير المشروعة على حساب الوظيفة الرئيسية لمؤسسة مجلس الأمة! إن الحكومة هنا تتحمّل المسؤولية، كونها هي التي بدأت هذه الخطوة تاريخيا، أي منذ أول مجلس أمة عام 1963 واستمرت حتى هذا اليوم تعمل على تقديم الخدمات التي ربما يكون بعضها غير مشروع من أجل أن تحصل على أغلبية لتمرير ما تريده من قوانين، أو لإسكات المجلس عن تجاوزاتها! لذلك، إذا لم تعمل الحكومة على نسف هذه الثقافة من أساسها ليصبح عمل مجلس الأمة مواكبا لطموح القيادة السياسية نحو عملية الإصلاح الجذري، وإلا فإن الفساد سوف يستمر ينخر في سائر جسد الدولة! سعود السمكه