هل يضع العالم حداً لجبروت وكالات التصنيف الائتماني العالمي التي باتت القوة الخفية التي تتحكم بمقدرات الدول، وتحولت إلى سلطة تفوق سلطات المصارف المركزية وحتى الجهاز المالي العالمي؟ صحيح أن إدارة أوباما فتحت سلسلة تحقيقات بحق بعضها، لكن قرار محكمة أسترالية بحق "ستاندرد آند بورز" قبل أسابيع يقر بأنها ضللت المستثمرين في منحها تصنيفات خاطئة بشأن الأوراق المالية، قد يكون الشرارة الأولى لتحجيم دور الوكالات . الشرارة الثانية جاءت قبل يومين من إيطاليا، عندما أحال الادعاء هناك موظفين من "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" إلى القضاء بارتكابهما انتهاكات وتجاوزات في السوق على علاقة بتخفيض التصنيف الائتماني لإيطاليا حيث سرب هؤلاء الموظفون قرارات شركتيهما إلى آخرين بهدف الاستفادة وتحقيق المكاسب . في الإمارات كان الرأي مقارباً وهو ما ذهب إليه محافظ المصرف المركزي في تصريحه الأسبوع الماضي رداً على سؤال تصنيف الوكالات بقوله إن "المركزي" لا يهتم كثيراً لتقارير وكالات التقييم الائتماني التي ربما يكون لها نظرة سلبية، فالوضع المصرفي في الإمارات قوي وهو ما أكده أيضاً مجلس الاستقرار المالي وصندوق النقد الدولي . الجميع تضرر من وكالات التصنيف، فخلال الطفرة التي كان هدفها - وما زال - جني الأموال من خلال منح شهادات حسن السلوك للأدوات المالية وللشركات وللبنوك وحتى للدول، ولم تكن تأبه للمخاطر، وحتى إن حصل ذلك فكانت تخفي تحذيرها في فقرة بين وثائق بمئات الصفحات . كانت الإيجابية عنوان تلك الوكالات الرئيس وحرف ال A أساسها، كانت تقيم كما يرغب العميل وليس كما هو الواقع، تدنى مستواها لأن هدفها الفوز بالعقود، فعكس ذلك يعني ذهاب الأعمال إلى منافسيها، فابتعدت عن الهدف الذي تأسست من أجله وهو الحكم العادل على نماذج الأعمال . خلال الأزمة أحست تلك الوكالات بمأزقها، فشهاداتها وتقييماتها لم تكن في محلها، وحجم الضرر الذي وقعت فيه وأوقعت الناس فيه كان كبيراً وخسائر المستثمرين والدول بعشرات المليارات، فتشددت إلى درجة مبالغ فيها، إما لقناعتها بأنها كانت مخطئة وتريد أن تعوض ما فاتها، أو لأنها تريد أن تحسن صورتها التي تشوهت . في الإمارات عانينا كما عانى غيرنا، فصنفت شركاتنا "ذهبية" في أيام الطفرة فلم تبلغنا الوكالات حقيقتها وآفاقها المستقبلية وأصبحت "نحاسية" في الأزمة حيث أخذت أسوأ السيناريوهات ولم تراع معطيات وتركيبة أسواقنا والدعم الحكومي، ولم تبين لنا، وتحلل المستقبل ومتغيراته السريعة، فشابها القصور وباتت عاجزة عن كسب احترام المستثمرين، إلا في الحدود الدنيا والحاجة إليها التي تتطلبها الأنظمة المالية لتكون غطاء . وكالات التصنيف أمام مفترق طرق، فإما أن يعفي عنها النظام المالي العالمي إذا أصلحت نفسها، وإما أن يخلق هذا النظام بديلاً جديداً يكون هو الفاصل لعقود مقبلة، وإلى حين ذلك فالحذر واجب لأن قرارات تلك الوكالات ليست بالضرورة صائبة .