الخميس 11 أبريل 2013 03:08 صباحاً الوحدة عقد شراكة, تم بالتراضي بين طرفين, وليست ركنا اسلاميا (سادساً) أو صلاة (سادسة).. وإذا كان الله تعالى يقول في محكم كتابه العزيز:(لا إكراه في الدين).. فإننا نقول: لا إكراه بالوحدة.. ولا يمكن فرضها بالقوة على من بادر لتحقيقها طوعا وبرغبته وقناعاته أملا في دولة مدنية, وبعد أن قضى عليها النظام القبلي العسكري في حرب احتلال الجنوب عام 1994م وإقصاء أحد طرفيها واستباحت الأرض وسيادة قانون القوة والنهب والفيد, لم يعد لوحدة الغلبة والدم والموت مكانة مقبولة.. وآن الأوان للاعتراف بحقيقة هذا الأمر, واعادة الحق لأهلة حتى لا نقضي على ما تبقى من وشائج وعُرى بين الشعبين في الشمال والجنوب.. ورحم الله الشاعر الكبير المبصر عبدالله البردوني الذي شخص الحقيقة المرة لوحدة الغلبة والقوة بقوله:«اليمن شعب واحد، لكن ماعرفنا (يوماً) دولة واحدة»، و«الانفصال قائم مادام هناك غالب ومغلوب، ويمن محكوم بفرد». ومن نافل القول أن الدول تلد وتنتعش وتحتضر وتموت مثلها مثل الأفراد, وكم لنا في هذا الصدد من عبر في تاريخ من غبر, سواء في اليمن الذي يشمل جنوب جزيرة العرب كمفهوم جغرافي, مثله مثل الشام, لم يشهد في تاريخه القديم والحديث دولة موحدة باسم اليمن, وإنما شهد نشوء دول وتكتلات واتحادات بأسماء مختلفة, أو كان مؤلفا من اقاليم ضمن الدولة الاسلامية. واتحدى من يقول أن اسم اليمن قد ارتبط في التاريخ باسم دولة ما قبل أن يعلن الإمام يحيى حميد الدين المملكة المتوكلية اليمنية في عشرينات القرن الماضي فيما عُرف فيما بعد منذ عام 1962م بالجمهورية العربية اليمنية (ولنا عودة لنقاش هذا الأمر في موضوع خاص يتناوله تاريخياً) . ومن هذا المنطلق نعرف جميعا, في عصرنا الحاضر فقط, كم هي الدول الجديدة التي نشأت على أنقاض دول قديمة وكم هي الدول التي اتحدت وكم هي الدول التي تجزأت.. فقد نشأت في وسط أوروبا دول اتحادية مثل تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا ولكنها تحولت إلى دول مستقلة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي, ومثلها دول وسط آسيا الإسلامية. كما فشلت الوحدة بين مصر وسوريا, ورغم كارزيمية شخصية الزعيم عبدالناصر فأنه رفض فرض الوحدة بالقوة. والسودان الشقيق كدولة عربية ليس بعيد عن هذا.. فقد كنا نقرأ عنها أنها من أكبر الدول العربية مساحة وأنها (سلة غذاء العالم).. اليوم لم تعد السودان من أكبر الدول العربية مساحة.. فقد جرى تقسيم السودان إلى دولتين: الشمال (حافظ على تسميته, جمهورية السودان) وعاصمتها الخرطوم. وظهرت على الخارطة السياسية الدولية دولة جديدة بمسمى جديد (جنوب السودان) وعاصمتها جُوبا.. وهذه الدولة الجديدة الناشئة لم يكن لها وجود تاريخي من قبل كدولة مستقلة...ورغم تسميتها ب(جنوب السودان) فأنه لم يعد لها صلة بعد الآن بالسودان الذي انسلخت عنه أو انبثقت من رحمه إلا بالاسم, وتظل العلاقة بينهما قائمة على الندية كعلاقة دولة بدولة مجاورة. ولا يعطي اسم (جنوب السودان) مبررا لجمهورية السودان في المستقبل أن تدعي بأن جنوب السودان جزءا منها. وإذا كان هذا حال جنوب السودان الذي لم تكن له دولة مستقلة في التاريخ, فإن الأمر يختلف تماما بالنسبة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي يعرفها العالم على الخارطة السياسية الدولية دولة ذات سيادة وكاملة العضوية في الجامعة العربية وفي الأممالمتحدة, ويعرفها ابناء الشعب الجنوبي كدولة مدنية حديثة ذات نظام وقانون حتى عشية الوحدة الطوعية والسلمية مع الجمهورية العربية اليمنية في مايو 1990م. وقد كانت حرب اجتياح واحتلال الجنوب صيف 1994م واقصاء الشريك الوحدوي قاصمة الظهر, لأنها قضت على تلك الوحدة الطوعية بالقوة, وحولتها إلى وحدة ضم والحاق واحتلال ونهب وفيد وفساد, وهو الأمر الذي رفضه شعبنا الجنوبي وانتفض ضده بثبات منذ انطلاق حراكه السلمي المبارك عام 2007م من أجل تقرير مصيره واستعادت دولته وحريته وهويته. وهذا الحق المشروع كرسته وأقرته كل أحكام ومبادئ القانون الدولي, فبمقتضى المادة الأولى من ميثاق الأممالمتحدة, فإن أحد أهم أهدافها هو "تطوير العلاقات الودية بين الأمم على أساس مراعاة مبدأ الحقوق والتكافؤ وتقرير مصير الشعوب واتخاذ تدابير أخرى ملائمة لدعم السلام العالمي" .كما يمنح الإعلان الخاص الصادر عن الأممالمتحدة في عام1960م الأقطار والشعوب الحق في تقرير مصيرها وفي استقلالها حيث جاء فيه:" إن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وأن تسعى بحرية إلى تحقيق نماءها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي".