هذا النص مخصص لعشاق السينما الذين لا يكتفون بتلك العبارة المعتادة التي تفيد بأن «الفيلم مصور بالاعتماد على أحداث حقيقية». يجب عليكم الآن ألا تبحثوا في دائرة المعارف فيما إذا كان الفيلم قد تطابق فعليا مع الحقائق التاريخية. فقد دققنا بالمصادر المتوافر وقارنا طريقة تصوير الفيلم بالحقائق. نبدأ هنا بفيلم «آرغو» الفائز بجائزة أوسكار، وسنقوم لاحقا بنشر بعض الحقائق الرقابية عن أفلام أخرى. «الأمر المفاجئ هو أنها واحدة من تلك القضايا، حيث تكون الحقيقة أكثر إثارة للاستغراب من الخيال»، كما قال للصحافيين الأميركيين مات باغليو أحد كاتبي الكتاب، الذي يتحدث عن عملية «آرغو». فقد تبين أن مؤلفي الفيلم وعلى رأسهم بين أفليك، لم يكتفوا بالحقيقة، فعملوا على إضافة لمسات دراماتيكية على بعض جوانب القصة. الرابط الأساسي للفيلم ينسخ القصة الحقيقية بشكل وثيق، وكذلك البعد التاريخي: عميل السي آي إي توني مينديز ساعد بالفعل في تهريب ستة دبلوماسيين أميركيين من إيران خلال فترة الانتفاضة الثورية. الكنديون في الظل لكن الصورة السينمائية لمينديز ظلّلت كل من ساهم بعملية الإنقاذ، فالسفير الكندي كين تايلور الذي منح الأميركيين الستة اللجوء في منزله، لعب في الواقع دورا أهم بكثير. هو الذي لفت نظر واشنطن ودعاها لتحضير خطة الهروب. هو الذي علّم الأميركيين اللكنة الكندية لكي لا يتم كشفهم من قبل الإيرانيين. هو الذي أمّن تأشيرات الدخول والخروج، واشترى بطاقات السفر. لهذا السبب تحديدا احتج السفير المذكور بعد بث الفيلم لأول مرة، وتناقلت وسائل الإعلام كلماته التي شدد فيها أن كندا لم تلعب أبدا دور المراقب السلبي كما بيّنها الفيلم. وكما تشير التقارير المتوافرة (التي أخرجتها السي آي إي من الملفات السرية قبل بضعة أعوام)، فإن موظف السفارة الكندية جون شيرداون ساعد الأميركيين بشكل بارز، لكن لم تكن في الفيلم أي إشارة عنه. في الحقيقة قام المذكور بتأمين السكن لقسم من الأميركيين، وهو الذي نقلهم إلى المطار. أزمة ذاتية توني مينديز، الذي يلعب شخصيته بين أفليك يعيش حياة عائلية غير منظمة تقريبا. يستيقظ في بداية الفيلم داخل منزل مهجور، زوجته تعيش وحدها في مكان آخر مع ابنه. وكما تكون الأمور في الأفلام عادة، لا يقرّب بين الاثنين إلا هذه المهمة الصعبة التي سيكلف بتنفيذها. لكن لا توجد إشارة لأي شيء من هذا القبيل في سيرة مينديز التي تحمل اسم «سيد التمويه: حياتي السرية في السي آي إي». على العكس: الزوجة تتولى نقله إلى المطار عندما يسافر إلى طهران. قليل من هوليود الممثل ألان أركين لعب بشوق دور المنتج الهوليودي الذي يساعد مينديز على خلق هوية التخفي. إلا أن شخصيته هذه خيالية، بالرغم من أن الجهاز السري الأميركي كان يملك بالفعل عميلين داخل عالم الأفلام، هما جون تشامبرز وروبرت سيديل. الأول حصل على جوائز قيمة بفضل فيلم «عالم القرود»، والثاني بفضل فيلم «إي تي» الأسطوري، الذي يتحدث عن الكائن الفضائي. لعب أفليك في هذا الفيلم بالمشاهد التي كان مطلوبا منها أن تثبّت مصداقية روايتها. هي نشأت فعلا، لكنها غير تلك التي يمكن مشاهدتها على الشاشة. هل كان الأطفال يساعدون الراديكاليين؟ عندما احتل الراديكاليون مبنى السفارة الأميركية بدأوا فورا بإعادة تجميع الوثائق التي قام الدبلوماسيون بتمزيقها. في الفيلم يتولى الأطفال عملية تجميع قصاصات الورق، لكن ذلك غير صحيح حسب الناشطة مارغوت وايت، التي كانت تعرف إيران بشكل وثيق في تلك الفترة. وكما كتبت في مذكراتها، فإن الطلاب على الأرجح قاموا بتجميع القصاصات، لأن الأطفال لن يتمكنوا من قراءتها. وتفيد روايات أخرى بأن الحرس الثوري استعان بصانعي السجاد للقيام بهذه المهمة. توتر قبل المغادرة إنها ذروة الفيلم. تتعقد عملية إنجاز معاملات الأميركيين في مطار طهران، ثم يتجرأ أحدهم بالتحدث باللغة الفارسية مع أحد المسلحين. يتصل الموظفون المشككون بهوليود للتأكد من هوية الفريق السينمائي، وتتم مطاردة بعد ذلك من قبل الحرس الثوري على أرض المطار. انسوا كل ذلك، فأي شيء من هذا القبيل لم يحدث أبدا. «الطريق باتجاه الطائرة كانت سالكة وناعمة كالحرير»، برغم نشوء بعض المشاكل، كما كتب مينديز في كتابه. كانت الطائرة تعاني من بعض المشاكل الفنية، وساد توقع لفترة من الزمن بأنه سيتم تأجيل الرحلة بسبب ذلك. عانت الأعصاب كثيرا بسبب ذلك، لأن الجميع كانوا يخافون من انكشاف أمرهم. لحسن الحظ طارت الطائرة بعد تأخير ساعة، وكان على متنها الأميركيون الستة. «قلنا لهم إنه يجب علينا أن نصبر فقط» كما أفاد مينديز في كتابه.