عبدالمحسن الشمري ضمن عروض مهرجان «ليالي مسرحية»، الذي تنظمه إدارة المسرح في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب قدمت فرقة مسرح الخليج العربي عرضا لمسرحيتها «البوشية» تأليف الإماراتي اسماعيل عبدالله وإخراج عبدالله العابر، وبطولة أحلام حسن وعبدالمحسن العمر وعبدالله البدر ومجموعة من الفنانين، ديكور محمد الربيعان، أزياء ابتسام الحمادي. سبق لهذا العرض أن قُدّم في الكويت والأردن وقطر ونال العديد من الجوائز، توَّجها بفوزه بالجائزة الكبرى في مهرجان الخليج المسرحي. في كل مرة أشاهد «البوشية» أشعر بأنها تتجدد على أكثر من وجه، وهي ميزة مهمة للعرض الذي نجح في جذب أكبر عدد من الجمهور في عرضه الأخير الذي أقيم على مسرح الدسمة مساء أمس الأول. شخصيات متناقضة قد يكون الحديث عن النص مكررا، إذ ان حكاية المسرحية أصبحت معروفة، فقد سبق التطرق إليها أكثر من مرة، لكن يمكن الإشارة إلى أن الصراع في نص اسماعيل عبدالله يدور بين الأضداد على أكثر من مستوى، بين الفقير والغني، القوي والضعيف، الرجل والمرأة، الحرية والعبودية، الحاكم والمحكوم. في المسرحية نحن أمام شخصية الراقصة جواهر، التي تعيش قصة حب جميلة مع غانم ابن التاجر حمود، تحلم بالزواج وبالأمل والأمان، فتاة طاهرة شريفة، مشكلتها أنها فتحت بيتها لإسعاد الناس والترفيه عنهم، لكنها حافظت على شرفها وكرامتها، عفوية وصريحة إلى أبعد الحدود. في المقابل، فإن غانم يحبها حبا كبيرا، لكنه يريد الزواج منها سراً خوفاً من سلطة والده ونفوذه، وخوفا من ألسن الناس، ويعيش الاثنان في صراع مرير، تنجح جواهر في إقناع غانم بالزواج منها والتمرّد على والده، لكن الأمور لا تسير على هوى جواهر، التي تُصدم بدخول والد غانم وهو في حالة غضب عارم، وعبر حوار جميل تكشف جواهر الحقيقة المُرّة، تكشف أمام الجميع أن حمود الذي يتشدّق بأنه اصيل ليس إلا ابن راقصة. لغة فلسفية قد تكون حكاية المسرحية مكررة شاهدناها عشرات المرات في أعمال كويتية وخليجية، لكن المؤلف قدمها من خلال حوارات قوية، حوارات ذات أبعاد فلسفية عميقة، حوارات شاعرية تخاطب العقل والوجدان، مستفيدا من الموروث الخليجي، ونجح المؤلف في التعامل مع رموز النص، موظفا إياها بشكل صحيح مثل «البوشية - البئر - السفينة...»، كما نجح في توظيف الأشعار والأهازيج. قراءة واعية تعامل الفنان عبدالله العابر مخرج المسرحية بذكاء من خلال توظيفه للديكور المعبّر، الذي صممه الفنان محمد الربيعان، وهو عبارة عن سفينة في منتصف الخشبة، واستفاد من عناصر الاستعراض والموسيقى الحية وحملة المشاعل في تفسير رؤيته الإخراجية. ولعل قراءته الإخراجية في تحريك الممثلين على أكثر من مستوى يؤكد فهمه الواضح للنص وأبعاده الفلسفية والنفسية. الأزياء التي صممتها الفنانة ابتسام الحمادي جاءت مواكبة للحدث المسرحي، موظفة بشكل دقيق مع اللغة التي يقدّمها النص، الحمادي تفوقت إلى درجة كبيرة في تصميم أزياء تعبّر عن الزمن الذي تدور فيه الأحداث ومنسجمة مع عناصر السينوغرافيا الأخرى. تنافس الممثلين لاشك أن الفنانة أحلام حسن كانت في حالة اندماج غريب مع شخصية جواهر، وقد تفوقت على ما قدّمته في السابق من أدوار، فنانة غاصت مع الشخصية وانسجمت معها إلى حد الذوبان، لم نشاهد أحلام، ولكننا عشنا مع جواهر، احلام فنانة متجددة تبحث عن التميز وتسعى لتقمص الشخصية، تعرف أبعادها النفسية والدرامية، لذا فإنها تتميز على الخشبة وتبدع في أدائها. وقد كان الفنان عبدالله البدر، الذي أدى دور غانم في أفضل حالاته، عرف كيف يتعامل مع الدور، ولعل عبدالمحسن العمر في دور حمود هو نقطة مضيئة، فلأول مرة أشاهد هذا الفنان في حالة انسجام تام مع الدور، فنان ذاب في الشخصية وتفاعل معها بشكل يدعو إلى الإعجاب. «البوشية» عرض متجدد فيه كل عناصر جذب الجمهور.