جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    مقتل وإصابة أربعة جنود في اشتباكات مع مسلحين خلال مداهمة مخزن أسلحة شرقي اليمن    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    قتلوه برصاصة في الرأس.. العثور على جثة منتفخة في مجرى السيول بحضرموت والقبض على عدد من المتورطين في الجريمة    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    الكشف عن هويات القتلى اليمنيين في تفجير حقل للغاز بطائرة مسيرة بدولة عربية (الأسماء والصور)    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: إعلان أمريكي بإسقاط وتحطم ثلاث طائرات أمريكية من طراز " MQ-9 " قبالة سواحل اليمن    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحيفة الاولى: فضائح باسندة والارتزاق من دم الشهداء الموزعة بآليات فاسدة في دولة الجماعة والجمعيات!
نشر في الجنوب ميديا يوم 23 - 08 - 2012

((عدن فري)) صحيفة الاولى:
الوثائق.. والأسماء.. واستناداً إلى بيانات البنك المركزي اليمني والدورة المالية خلال الفترة من 1 يناير 2012 إلى 3 مارس 2013.."الأولى" تنشر بيانات ملايين "الشهداء والجرحى" الموزعة بآليات فاسدة
دولة الجماعة والجمعيات!
الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وبيانات البنك المركزي:
-ملايين صرفت من الخزينة بأوامر باسندوه تلبية لطلبات من "مؤسسة وفاء"و "الجمعية الطبية" الاصلاحيتين بدون اي مستندات
-المساعدات القطرية كاملة سلمت لجهات اصلاحية فقط
-منظمة توكل كرمان و "وفاء" و"المستشفى الميداني " أكثروا المديح لتركيا مع أن الحكومة اليمنية دفعت تكاليف علاج الجرحى
الأولى- تحقيق-محمد عبده العبسي
مقدمة:
في 12 من أبريل 2012؛ نشرت جريدة "العرب" القطرية تقريراً رومانسياً للصحفي إسماعيل طلاي، عن مكرمة قطرية تفضلت بها على بلد فقير وجريح يدعى اليمن، ممثلةً بتكفل "مؤسسة حمد الطبية علاج 6 من جرحى الثورة اليمنية"، وذلك إثر تلبية "صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر حرم سمو الأمير المفدى، نداء استغاثة وجهته لها الفائزة بجائزة نوبل توكل كرمان"، حسب قول التقرير.
واستعرض الصحفي القطري، بشماتة مُبطنة، قصصاً مؤلمة على لسان الجرحى، عن فشل الأطباء اليمنيين في علاجهم، ولم يكذب، والأخطاء الطبية الفادحة أثناء إجراء عدد من العمليات الجراحية في المستشفيات اليمنية عامة وخاصة، بما فيها العلوم والتكنولوجيا. ويسرد التقرير، بإسهاب مُضجر، عند بدء قصة كل جريح، كيف أجمع الأطباء اليمنيون، وفريق تركي متخصص بالحالات المستعصية أيضاً، على استحالة علاج هؤلاء الجرحى، غير أن المعجزة حدثت في قطر.
وينتهي التقرير نهاية سعيدة على طريقة الأفلام الرومانسية: فجميع العمليات الجراحية أجريت بنجاح، والجرحى اليمنيون في أبهج حال، وها هم يلهجون بحمد الأمير حمد والشيخة موزة "رافعين أكف الدعاء للشعب والمسؤولين القطريين الذين تكفلوا بهم"، حسب قول الصحيفة!
والآن، أيهم أولى بالشكر والعرفان: الشيخة موزة صاحبة القلب الرحيمة؟ أم توكل كرمان صاحبة نداء الاستغاثة؟ أم قطر صاحبة قناة الجزيرة التي كانت تحرض المئات من شباب الثورة اليمنية يومياً على مواجهة الرصاص بصدور عارية، وعلى زيادة أعداد الشهداء، وآخر المطاف عالجت 14 جريحاً فقط. في الحقيقة ينبغي أن أشكر شخصاً آخر، غير من ذكرتُ، سلم ل"الأولى" تقريراً حكومياً مهماً من 150 صفحة من القطع الكبير، صدر الأسبوع الماضي عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، يقدم تحليلاً تفصيلياً للبيانات المالية للبنك المركزي اليمني خلال الفترة من 1 يناير 2012 حتى 3 مارس 2013.
إن كل المبالغ المالية التي اعتمدت في موازنة الدولة، أو صرفت منها، باسم جرحى وشهداء الثورة، بكافة مستنداتها وبياناتها، مثبتة في هذا التقرير الحكومي غير المنشور. وفيه أن الذين استقبلتهم قطر للعلاج كانوا 12 يمنياً (6 جرحى و6 مرافقين) وأن 16.500 دولار (إلى جانب 3000 دولار للمرافقين) صُرفت من الخزينة العامة من البنك المركزي اليمني باسم هؤلاء الجرحى -الذين تمنُّ الصحف القطرية على اليمنيين بعلاجهم- بإمضاء وزير المالية صخر الوجيه. لا أدري ما إن كان الجرحى على علم أن المنحة الحكومية المالية وزعت في ما بينهم بطريقة غير عادلة، فحصل 3 منهم وأسماؤهم الأولى (محمد، وفاء، ومريم)، على 500 دولار فقط لكل واحد (على افتراض أنها وصلت إلى أيديهم)، وأن ال3 الآخرين، وهم (فؤاد، عدنان، وعبدالله) حصلوا على 5 آلاف دولار لكل واحد منهم، دون وجود مبررات، حسب التقرير الحكومي.
وتشير حركة حسابات البنك المركزي اليمني، إلى أن 9 آلاف دولار صُرفت ل3 من جرحى الثورة، بموجب توجيه رئيس الوزراء لوزير المالية رقم رو/6246، بتاريخ 17/11/2012، بناءً على رسالة من مؤسسة وفاء لرعاية أسر الشهداء والجرحى، رقم 187، بتاريخ 2/2/2012، وأن 9 آلاف دولار أخرى صرفت بنظر "علي عوض حسن زربة"، بموجب استمارة صرف رقم 1238، بتاريخ 15/11/2012، وأن 3500 دولار قبلها صرفت بنظر "محمد بجاش الشيباني"، بموجب استمارة صرف رقم 434، بتاريخ 14/5/2012: يبدو أن حكومة الوفاق مجرد صراف مالي لدى مؤسسة وفاء التي يضم مجلس إدارتها مجموعة من رجال الأعمال والحزبيين، وهي مؤسسة أهلية، وليست حكومية، ولا مخولة من الشعب لتحديد من المستحق لأموال الخزينة العامة، ومن هو غير المستحق.
حتى الجرحى الذين تلقوا العلاج في تركيا، وهم بضعة وثمانون، لا يختلفون حالاً عن رفاقهم في مستشفيات قطر، إلا في جزئية صغيرة: الأتراك أقل حرصاً على ادعاء الفضل من القطريين، ومستشفياتهم استقبلت عدداً أكبر، ما جعل المنح العلاجية التركية مادة للتنافس الإعلامي والرياء الثوري في ما بين مكونات ثورية والحكومة نفسها: فمنظمة صحفيات بلا قيود، التي ترأسها توكل كرمان أيضا، قالت لدى سفر 33 جريحاً إلى أنقرة في 11 أبريل 2012، إن هذه المنحة العلاجية ثمرة "التعاون بين الناشطة اليمنية توكل كرمان والحكومة التركية"، حسبما نشر موقع "المصدر أونلاين". فيما قال مستشار وزير الصحة د عبدالله دحان، لدى وصول 29 جريحاً لإسطنبول، في 14 يونيو 2012، إن "هذا التعاون جاء بطلب من الحكومة اليمنية، ممثلة برئاسة الوزراء ووزارة الصحة اليمنية، عقب زيارة وزير الصحة إلى تركيا". أما الدكتور محمد القباطي، مدير المستشفى الميداني لساحة التغيير، فقد قال في تصريح ل"الصحوة نت"، في 13 أبريل 2012، أي بعد يومين من بيان "صحفيات بلا قيود"، إن المنحة إلى تركيا برعاية "المستشفى الميداني" طبعاً. وهكذا سباق أدعياء.
بخلافهما، وفي نفس يوم تصريح أولهما: 14 يونيو، قال مدير مؤسسة "وفاء" عبده واصل، لصحيفة "أخبار اليوم"، إن الفضل "يعود لرئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، أثناء زيارته الأخيرة لتركيا، وكذا جهود توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام"، في محاولة للتوفيق بين الحكومة ومنظمة صحفيات، مستثنياً وزير الصحة الذي ينتمي إلى حزب المؤتمر الحاكم في نظام الرئيس السابق، ويراد على الدوام تحميله وحده المسؤولية.
ولئن كان لغط كبير أثير في أوساط الثوار بشأن عدم أحقية الجرحى الذين رشحوا للسفر للعلاج في تركيا في الدفع السابقة، فقد نوه واصل إلى أن "اختيار الجرحى تم من قبل لجنة طبية تركية، وأن جميع تكاليف سكنهم وعلاجهم على نفقة الحكومة التركية"! لم ينس واصل أثناء توديع الجرحى في مقر منظمة صحفيات بلا قيود، أن يباهي أمام كاميرات وسائل الإعلام بقوله: "إن مؤسسة وفاء لرعاية أسر الشهداء والجرحى منحت كل جريح مصاريف شخصية 200 دولار".
غير أن بيانات البنك المركزي اليمني تقول: لا تصدقوا ذلك:
فالعشرات من الجرحى الذين زعم مدير مؤسسة وفاء أن "لجنةً طبيةً تركية اختارتهم بعنايةٍ وصرامةٍ شديدتين"؛ سبق لبعضهم السفر إلى مصر على نفقة الدولة، قبل أن يقع عليهم اختيار اللجنة التركية، ومنهم من سافر للعلاج إلى قطر، وحصل على منحة مالية من الدولة، ومنهم أيضاً من "غيّر جو" قبلها في الهند، ما يؤكد أن الطابع الشخصي والحزبي كان حاسماً في تحديد أسماء المستفيدين من المنح العلاجية إلى الخارج (سننشر كشوفاً تفصيلية بالأسماء والبلدان).
وما قيل حول المصاريف الشخصية التي قدمتها مؤسسة وفاء لجرحى الثورة، تظهر بيانات البنك المركزي أنها صرفت من خزينة الدولة، وليس من جيب المؤسسة التجارية! أعني الخيرية، كما سيرد بالتفصيل.
وبينما تبيع وسائل الإعلام التابعة للإخوان المسلمين، الوهم للجمهور اليمني، من خلال المبالغة في تقدير دور تركيا وسفيرها، وفضائلها على الثورة اليمنية وعلاج جرحاها (خاصة صحيفة وموقع "المصدر"!)، تبين حسابات مصرف الدولة المركزي أن أكثر من 120 ألف دولار (26 مليون ريال) صُرفت على دُفع للجرحى في المستشفيات التركية، بدءاً برسالة من وزارة المالية إلى البنك اليمني المركزي برقم 220-389، بتاريخ 4/8/2012، بموجب توجيه رئيس الوزراء لوزير المالية رقم رو/ 26/ 1789، بصرف نفقات علاج 32 جريحاً و8 مرافقين و3 أطباء، دون ذكر أسماء المستفيدين، ولا وجود لما يثبت تسلمهم إياها من سندات استلام! (نفس الشيء في الحوالة الثانية بتاريخ 31/5/2012، بمذكرة رقم 4610، والتي صرفت بنظر سميح محمد حاجب). والأسوأ أن بعض الجرحى استلم فقط 300 دولار، واستلم آخرون 1500 دولار في الدفعة الثانية، في حين قدمت الدولة لبعض الجرحى ومرافقيهم، من ذوي الحظوة على ما يبدو، 4 أضعاف المبلغ الذي قدمته لرفاقهم، كما سيأتي بالتفصيل، دون أي مبررات سوى حُسن العلاقات العامة وغياب العدالة وفساد القائمين على إدارة البلد!
إنها تجارة الدم!
أهلاً بكم في الحلقة الثالثة من تحقيق "اللصوص الجدد.. ملف فساد جرحى وشهداء الثورة الشبابية"، الذي أقف غداً الأحد، ورئيس التحرير الزميل محمد عايش، بسبب حلقتيه السابقتين، أمام محكمة الصحافة والمطبوعات، في الدعوى المرفوعة من جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية، التابعة لحزب الإخوان المسلمين في اليمن؛ الجمعية التي يرأسها القاضي مرشد العرشاني، وزير العدل الحالي. سأذهب، أنا وعايش، ولسان حالنا قول أبي الطيب المتنبي: "أنت الخصم والحكم".
إذلال جرحى الثورة والتخلي عنهم
نص الدستور اليمني في مادتيه 56 و57، على أن "توفر الدولة الرعاية الصحية لكل مواطن مجاناً في حالة الإعاقة والعجز". غير أن القانون المعمول في اليمن هو قانون الأمر الواقع. والذين يحصلون على منحة علاجية، أو حتى دراسية، من الدولة، ليسوا الأكثر استحقاقاً، وإنما الأكثر قدرة على الوصول إلى مكتب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، وذيل طلبه بشفاعة، أو شهادة، قائد عسكري أو شيخ قبيلة أو رجل نافذ. تلك هي السنة في اليمن قبل وبعد الثورة، الفرق طفيف.
في حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كان جرحى الحروب الداخلية، وما أكثرها، من القوات المسلحة والأمن، يقضون شهوراً طويلة، وأحياناً سنوات، في التردد على وزارة الدفاع وهيئة جرحى وشهداء الثورة، من أجل الحصول على منحة علاجية أو إعاشة شهرية. في اليمن ليس من واجبات الدولة أن تحصر جرحى وشهداء كل حرب تخوضها، وأن تبادر نحوهم بما يستحقونه من الرعاية والكفالة الاجتماعية. ليس من عادات الدولة أن تذهب هي إلى عند من ضحى بحياته أو بأحد أعضاء جسمه، وتظهر كرامته، وإنما العكس: عليه هو أن يذهب إليها، ولو على نقالة أو عكاز، حاملاً التقارير الطبية، حتى يفقد مع التردد اليومي كرامته بين مكاتبها الإدارية، أو يقوده يأسه إلى خيارات كارثية أخرى.
القصة ذاتها يرويها جرحى الثورة رغم تنحي الرئيس السابق وحكومته، وتولي الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته إدارة البلاد منذ مطلع 2012. لا فرق. لم تقم حكومة الوفاق الوطني، فور تشكيلها، بالمناصفة بين أحزاب المعارضة وحزب الرئيس السابق، بتشكيل لجنة متخصصة لحصر وتقييم حالات جرحى وشهداء الثورة الذين أوصلوها إلى سدة الحكم. أهملت الملف، وتعاملت معه على طريقة النظام السابق الارتجالية: على الجريح أن يأتي هو إلى الدولة، وليس العكس، وعليه أن يظهر الأدب في طرح مسألته، والإلحاح في متابعتها، وليس عليها هي إظهار كرامته وتذليل الصعاب الإدارية والبيروقراطية أمامه. والأهم أن من ثابر واستطاع الوصول إلى مكاتب المسؤولين التنفيذيين في الحكومة، عبر توصية أو شفاعة حزبية، سيحصل على المنحة العلاجية من الدولة، وأن من قعد في منزله في انتظار أن تطرق بابه الحكومة تقديراً لتضحيته العظيمة من أجل التغيير، فمن المؤكد أنه سيتعفن دون أن يسأل عنه أحد. يخطر في بالي الآن عدد كبير منهم كعبدالله أحمد البيضاني، وأنور العزعزي، اللذين أقدما على إحراق نفسيهما على منصة الاعتصام بصنعاء، في مارس 2012، أو ماهر الحسني، الشاب العشريني الذي قطع شرايين يده، ونجا بأعجوبة من الموت، ومحمد الجبلي، الشاعر التهامي الجميل الذي توفي في خيمته وسط الساحة، وعبدالإله الحميدي الذي ظل مقعداً سنة كاملة جراء إصابته في عموده الفقري برصاصة قناص، وأدرجت مؤسسة وفاء لرعاية الشهداء والجرحى اسمه في قائمة الجرحى المرشحين للسفر، غير أن الموت أسرع، وقد كتب أحد أصدقائه (رشيد الحداد) على صفحته ب"فيسبوك"، نعياً مؤثراً قال إن صديقه توفي بسبب "بيع حقه في السفر للخارج، واستبعاده من كشوف المرضي عليهم من بتوع ربّنا في ميدان التغيير بصنعاء. لقد قتله بلاطجة اللجان الطبية في ميدان التغيير بصنعاء، على الرغم من اختراق رصاصات بلاطجة صالح جسده". ويضيف: "لم يقتله بلاطجة صالح، بل جرحوه، وظل أكثر من 6 أشهر يصارع المرض دون أن يلتفت إليه إخوان صنعاء".
رئيس الوزراء بوصفه صرّافاً مالياً لدى مؤسسة وفاء والجمعية الطبية الخيرية
نتيجة تقاعس حكومة الوفاق ووزارة الصحة عن معالجة ملف جرحى وشهداء الثورة، ونتيجة الضغوط الشعبية والإعلامية على القيادة السياسية الجديدة من شباب الثورة، أصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي، في 17 مارس 2012، مرسوماً رئاسياً قضى ب"تعويض القتلى والجرحى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات، واعتبار كل القتلى من المدنيين شهداء، وصرف راتب جندي لكل شهيد ومعاق كلياً. فيما يُضم المعاقون جزئياً إلى صندوق الرعاية الاجتماعية، طبقا لنظام الصندوق، وعلى الصندوق إعداد لائحة خاصة تتعلق بالشهداء والمعاقين كليا، تصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء". وألزم القرار الحكومة ب"توفير الرعاية الصحية للمصابين، ومعالجتهم في الداخل أو الخارج".
غير أن هذا القانون الرئاسي، شأن المئات من النصوص الدستورية، حبر على ورق!
ولم يكن إسناد وزارة الصحة إلى وزير من حزب المؤتمر، الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق، إلا ليزيد انقسامات الحكومة، ويشيع جواً من عدم الثقة بين أعضائها. وكان أطرافها في ملف جرحى وشهداء الثورة: رئيس الوزراء ووزير المالية من جهة، ووزير الصحة من جهة أخرى.
وفي ظل غياب، أو بالأدق تغييب، دور وزارة الصحة، طوال العام 2012، سُلم ملف جرحى وشهداء الثورة، بشكل غير معلن، إلى جمعيات ومؤسسات حزبية وأهلية، تابعة أو مقربة من حزب الإصلاح تحديداً. وكان ملف جرحى وشهداء الثورة يدار فعليا من قبل 4 جهات طوال عام 2012، بعيداً عن وزارة الصحة المقصية تماماً من التعاملات المالية التي تظهر في حسابات البنك المركزي اليمني. وكانت هذه الجهات هي:
1. رئيس الوزراء.
2. وزير المالية.
3. مؤسسة وفاء.
4. الجمعية الطبية الخيرية اليمنية.
وصرفت وزارة المالية مبلغ مليارين و248 مليوناً و380 ألف ريال، بموجب توجيهات رئيس الوزراء الصادرة لوزير المالية بمذكرة رقم رو.5868.26، بتاريخ 16/10/2012، بناء على مذكرة من مؤسسة وفاء غير الحكومية، مرفوعة لرئيس الوزراء برقم 123، وتاريخ 1/9/2012، باعتماد وصرف المبلغ لأسر الشهداء والمعاقين والجرحى ل3786 شهيداً ومعاقاً وجريحاً تولت مؤسسة وفاء إعداد أسمائهم، وحددت هي، بعيداً عن أي إشراف لوزارة الصحة، نوعية حالاتهم وإصاباتهم، وكافة البيانات المتعلقة بالمستفيدين من المنحة الحكومية، كما لو أنها هي وزارة الصحة، إضافة إلى مبالغ أخرى كثيرة سأتناولها بشيء من التفصيل والتدقيق لاحقاً.
وفي تاريخ 2/9/2012، وجهت الجمعية الطبية الخيرية اليمنية (وهي جمعية تتبع حزب الإصلاح، ووقعت مع الهلال الأحمر القطري اتفاقية لعلاج جرحى الثورة بأكثر من مليوني دولار ونصف تُجرى حصرياً في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا!)، مذكرة لرئيس الوزراء برقم 012-9-5، تطلب صرف منحة مالية لإجراء عمليات بالخارج ل120 جريحاً. وقد وجه رئيس الوزراء الذي يبدو كما لو أنه مجرد صراف لدى وفاء والجمعية الطبية، بصرف مبلغ 684.000 دولار (قرابة 147 مليون ريال)، دون أن يحيل الموضوع إلى وزير الصحة أو أية جهة حكومية معنية لدراسة الطلب والتحقق من استدعاء سفر ال120 جريحاً إلى الخارج، خاصة وأن مذكرة الجمعية الطبية كانت عبارة عن كشوفات بالأسماء فقط، دون أن ترفق بها الوثائق والمؤيدات القانونية والإجرائية التي تثبت سلامة قرار تسفيرهم.
وتظهر حسابات البنك المركزي، صرف المبلغ من حساب في البنك المركزي اليمني برقم 24105-115، وتحويله إلى حساب باسم جرحى الثورة اليمنية في البنك الأهلي المصري برقم 11050116030، وذلك بموجب مذكرتي وزارة المالية للبنك المركزي برقم 40، بتاريخ 22/1/2003، ورقم 320، بتاريخ 26/2/2013، والمبلغ الآخر وقدره 84.000 دولار.
ويطالب ناشطون شبابيون النائب العام ووزير الشؤون الاجتماعية بسحب ترخيص جمعية الإصلاح ومؤسسة وفاء والجمعية الطبية الخيرية اليمنية، لمخالفتها قانون الشفافية والعمل الطوعي غير الربحي، وعدم إفصاحها عن بياناتها المالية بشفافية كما تقتضي شروط العمل الإغاثي والمجتمع المدني.
إعدام وزارة الصحة والجهات الحكومية واستبدالها بمؤسسة وفاء
في 12/1/2013؛ تم إعدام وزارة الصحة فعلياً. فقد وقعت وزارة المالية "اتفاقية تقديم خدمة الحوالات المالية" بمذكرة رقم 416/4، ويمثلها عبده علي القواس، ومؤسسة وفاء، ويمثلها مديرها العام التنفيذي عبده محمد واصل، والهيئة العامة للبريد والتوفير البريدي، ويمثلها مديرها العام عبدالحميد مانع الصيح، وبموجب الاتفاقية منحت كل صلاحيات وزارة الصحة إلى مؤسسة خاصة مشبوهة لا تقدم في موقعها على الإنترنت بياناً تفصيلاً ببياناتها المالية والتبرعات التي تتلقاها وكيف تنفقها، كما تفعل كل مؤسسات الإغاثة في العالم (نفس الشيء الجمعية الطبية الخيرية اليمنية وجمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية)، وكأنها شركات تجارية وليست مؤسسات خيرية!
بموجب الاتفاقية "تتولى المؤسسة إعداد قسائم الصرف للمستفيدين والتوقيع عليها وختمها بختم المؤسسة وإرسالها إلى وزارة المالية مرفقا بها عدد من الأوليات"، كما نص أحد بنودها. لكن سرعان ما تكشفت أسرار الصفقة، فهدد وزير الصحة بالاستقالة، ونشرت صحيفة "الأولى" تقريراً عن الاتفاقية والمبلغ، فوجه النائب العام علي الأعوش، وكيل نيابة الأموال العامة، بالتحقق مما نشرته صحيفة "الأولى". وفي 6/2/2013؛ وجه وكيل نيابة الأموال العامة رمزي الشوافي، مذكرة إلى وحدة جمع المعلومات بالبنك المركزي، للتحقق من بلاغ تقدم به النائب أحمد سيف حاشد، وكيل جرحى الثورة الذين رفعوا دعوى قضائية ضد الحكومة.
شعرت وزارة المالية ومؤسسة وفاء بالقلق من انكشافهما، وبلبلة الرأي العام، فقامت "وفاء" بإرسال كشوف أسماء ومبالغ وعناوين شهداء وجرحى ومعاقي الثورة السلمية، إلى هيئة البريد، في 2/3/2013 (أي بعد نشر "الأولى" للفضيحة بشهر كامل)، وهو ما يعد مخالفاً حتى لبنود الاتفاقية الموقعة بينهما، والتي قضت بأن "توافي مؤسسة وفاء وزارة المالية بتلك البيانات لتتولى الوزارة تسليمها للهيئة العامة للبريد".
في تلك الأثناء تقدمت مؤسسة مدنية هي مؤسسة "شباب شفافية وبناء"، بطلب رسمي إلى وزارة المالية ومؤسسة وفاء بموافاتها بالوثائق المتعلقة بالاتفاقية، استناداً إلى المادة 13 من قانون حرية الحصول على المعلومات الصادر في 2012، غير أن وزارة المالية ومؤسسة وفاء رفضتا وكأنهما غير معنيتين بالقانون، حسبما قال مدير "شباب شفافية" أكرم الشوافي، وهو ناشط شبابي عنيد لم يتوقف عند هذه الخطوة.
في 25/2/2013؛ تقدم المحامي نجيب الحاج، وهو رئيس هيئة محامي جرحى الثورة أيضا، بطلب عن مؤسسة "شباب شفافية وبناء"، إلى النائب العام بالحجز التحفظي على مبلغ المليارين المتفق عليه بين "وفاء" ووزارة المالية. يعلق أكرم: "كان لا بد من عمل شيء، وأمامنا الكثير لنعمله، لكننا نغفل عن نصوص قانونية هامة وخطوات إدارية حاسمة". وبالفعل، وكما توقع أكرم، فقد وجه النائب العام نيابة الأموال العامة بالتحفظ على المبلغ. غير أن الوقت كان متأخراً. فوفقاً لبيانات البنك المركزي، وبموجب كشوف الهيئة العامة للبريد، فقد صرف عبر مؤسسة وفاء لأسر الشهداء والجرحى والمعاقين، خلال الفترة من 31 يناير حتى 3 مارس 2013، مبلغ 551.660.000 ريال، ل623 شهيداً وجريحاً ومعاقاً، موزعة وفقا لطبيعة الحالات كما يلي:
1. مبلغ 487.000.000 ريال لأسر 487 شهيداً، بمعدل مليون ريال لأسرة كل شهيد. والكشف المرفق برقم 1 يوضح أسماء الشهداء.
2. مبلغ 9.000.000 ريال للمعاقين إعاقة كاملة (9 معاقين)، بمعدل مليون ريال لكل معاق. والكشف المرفق برقم 2 يوضح أسماء المعاقين.
3. مبلغ 35.500.000 ريال للمعاقين ذوي الإعاقة الجزئية (71 معاقاً)، بمعدل 500 ألف ريال لكل معاق. والكشف المرفق برقم 3 يوضح أسماء المعاقين.
4. مبلغ 20.160.000 ريال للجرحى (56 جريحاً)، بمعدل 360.000 ريال لكل جريح. والكشف المرفق برقم 4 يوضح أسماء الجرحى.
وبذلك، فإن الرصيد المتبقي لدى الهيئة العامة للبريد حتى يوم الأحد 3/3/2013، مبلغ مليار و696 مليوناً و720 ألف ريال.
وبالطبع، كل هذه المبالغ وكل أسماء الشهداء والجرحى الواردة في مؤسسة وفاء، لم تقم أية جهة رسمية بإثبات حالاتهم، ولا يدري أحد ما هي المعايير التي اعتمدتها "وفاء" في توزيع المبالغ بينهم، مع تأكيدنا من حيث المبدأ على أن من حق الشهداء والجرحى الحصول على مساعدات تفوق حتى هذا المبلغ، ولكن عبر القنوات الشرعية.
كل المنح العلاجية الخارجية لجمعيات إصلاحية أو مقربة من الإخوان المسلمين
وذهبت المنح والهبات العلاجية المقدمة من الخارج، إلى جمعيات ومؤسسات حزبية وأهلية تابعة أو مقربة من الإخوان المسلمين، بعيداً عن وزارة الصحة أو أي من مؤسسات الحكومة. فبعد افتتاح جمعية الإصلاح مركز الأم والطفل الطبي في جبن بمحافظة الضالع، بتكلفة 70 مليون ريال، بتمويل من الهلال الأحمر القطري، حسبما نشر موقع حزب الإصلاح "الصحوة نت"، دشنت "قطر الخيرية"، في 8 فبراير 2012، حملة إغاثة في اليمن بقيمة 3.5 ملايين ريال قطري، عبر جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية، حسب موقع "مأرب برس". وفي 21 يناير 2012، نفذت جمعية الإصلاح المرحلة الثانية من حملة دعم المتضررين في مدينة تعز، بتمويل من قطر الخيرية أيضاً، حسبما نشر "مأرب برس". وفي 2012 دشن الهلال الأحمر القطري مشروع "علاج جرحى الأحداث"، بتكلفة مليون دولار، في مرحلته الأولى، ومليون و146 ألف دولار أمريكي في المرحلة الثانية، لا مع نظيره الهلال الأحمر اليمني، وإنما مع الجمعية الطبية الخيرية اليمنية المقربة، أو التابعة، لحزب الإصلاح، وقد نفذت 90% من العمليات الجراحية حصرياً في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، وبشكل انتقائي.
ويشير الجهاز المركزي للرقابة، في تقريره الأسبوع الفائت، بوضوح، إلى تغييب دور وزارة الصحة التام من خلال "عدم وجود بروتوكولات أو اتفاقيات تمت بين بلادنا وأي من الدول الشقيقة والصديقة، بشأن تقديم منح علاجية لجرحى الثورة السلمية، وما هي طبيعة الالتزامات المترتبة على كل من تلك الدول من جهة وبلادنا من جهة ثانية". ويضيف: "على الرغم من أنه تم تشكيل لجنة طبية لمعالجة الجرحى (لجنة وزارية) برئاسة الأخ وزير الصحة العامة والسكان، وعضوية وزيرة الدولة الأخت جوهرة حمود والأخ علي سيف النعيمي، إلا أن دورها ظل محدوداً".
من إدارة الدولة بالتلفون إلى إدارة الدولة بالجمعيات الخيرية
ويقول التقرير الحكومي إن واحداً من أبرز الاختلالات القائمة في ملف جرحى وشهداء الثورة، كان "تعدد الجهات الرسمية والشعبية التي تتولى القيام بإعداد قوائم بأسماء شهداء وجرحى ومعاقي الثورة السلمية، والرفع بتلك القوائم إلى السلطات العليا بالدولة، بغرض الحصول على توجيهات بصرف تعويضات لأسر الشهداء و الجرحى والمعاقين، أو ابتعاث بعض الجرحى والمعاقين للعلاج في الخارج على نفقة الدولة. ويشوب تلك الإجراءات جوانب قصور واختلالات عديدة، منها:
أ.- غياب الأسس والمعايير الموضوعية التي يتم في ضوئها إعداد قوائم بشهداء وجرحي ومعاقي الثورة السلمية، والرفع بمتطلباتها.
ب.- العشوائية والانتقائية في إعداد القوائم، والتي قد يغلب على بعضها بشكل مباشر أو غير مباشر الطابع الشخصي، أو غير ذلك.
ت‌. تعدد مسميات أغراض الصرف لأسر الشهداء (ديات- مواساة- تعويضات الخ).
ث‌. تجاوب وتعامل السلطات العليا بالدولة مع جميع ما يرد إليها من طلبات تتعلق بالشهداء والجرحى والمعاقين، والتي في معظمها عبارة عن كشوفات بالأسماء فقط، دون أن يرفق بها الوثائق والمؤيدات القانونية والإجرائية التي تم الاعتماد عليها في إعداد تلك القوائم"، حسبما قال التقرير.
ويؤكد التقرير الحكومي "عدم وجود حصر شامل ودقيق لشهداء ومعاقي وجرحى الثورة السلمية على مستوى جميع محافظات الجمهورية، ومتفق عليه من الجهات الرسمية والشعبية ذات العلاقة، على الرغم من مرور حوالي سنة و3 أشهر منذ التوقيع على التسوية السياسية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني". منوهاً إلى "عدم الاطلاع على ما يشير إلى وجود أسس ومعايير معدة ومتفق عليها من قبل الجهات الرسمية والمكونات الأخرى المختصة كمرجعية يعتمد عليها في تحديد شهداء ومعاقي وجرحى الثورة السلمية الحقيقيين، وكذا ما يتوجب على الدولة تجاههم في الأجل القريب والمنظور"، ما يؤكد أن كثيراً ممن تم تصنيفهم باعتبارهم شهداء الثورة، هم ربما شهداء حادث مروري، أو نزلة برد، أو من وفيات الحرب الباردة حتى!
هل غيّرت وزارة الصحة اسمها إلى مؤسسة وفاء؟
وفي 14/2/2013؛ وجهت مؤسسة وفاء لرعاية أسر الشهداء والجرحى مذكرة رقم 510، لرئيس الوزراء، بصرف مبلغ 13.500 دولار، بما يعادل 2.700.000 ريال، كمساعدة من تكاليف علاج عدنان محمد غلاب الشرعبي الذي تعالج على نفقته الشخصية في الهند، وقد تمت موافقة رئيس الوزراء دون إحالتها أو عرضها على وزارة الصحة أيضاً، التي يبدو أنها غيرت اسمها إلى مؤسسة وفاء.
ووجهت مؤسسة وفاء، في 13/11/2012، مذكرة رقم 249، لرئيس الوزراء، بصرف 6.000 دولار بنظر الأخ علي عوض حسن زربة، مقابل مصاريف لجرحى الثورة السلمية الذين لا زالوا يتلقون العلاج في المستشفيات التركية، وقد وجه رئيس الوزراء إلى وزير المالية، وليس إلى وزير الصحة، موافقته بمذكرة رقم رو/26/6257، بتاريخ 7/11/2012، بصرف 6.000 دولار ل6 جرحى.
وهكذا العشرات من المعاملات المالية بين مؤسسة وفاء ورئيس الوزراء ووزير المالية، ولا وجود لشيء اسمه وزارة الصحة، وكأن مؤسسة وفاء بديل لها (يرأس مجلس إدارة "وفاء" خالد طه مصطفى، شقيق مدير مكتب رئاسة الجمهورية، ونائبه فتحي عبدالواسع هائل، وتدار المؤسسة من كوادر إصلاحية).
وفي 2/2/2012؛ وجهت مؤسسة وفاء مذكرة رقم 187، طالبةً من رئيس الوزراء صرف مبلغ 19.500 دولار، بما يعادل 4.135.910 ريالات، ك"إعانات علاج في الخارج لغير الموظفين"، منه مبلغ 7.000 دولار تم تحويله إلى حساب سفارة بلادنا في قطر، ومبلغ 3.500 دولار صرف بنظر محمد بجاش عبده الشيباني، بموجب استمارة صرف رقم 434، وتاريخ 14/5/2012، والمبلغ الآخر وقدره 9.000 دولار صرف بنظر علي عوض حسن زربة، بموجب استمارة صرف رقم 1238، وتاريخ 15/11/2012، مقابل مصاريف لجرحى الثورة السلمية اليمنية الذين يتلقون العلاج بدولة قطر"، حسبما تظهر حسابات البنك المركزي اليمني. إضافة إلى توجيه من رئيس الوزراء إلى وزير المالية بالمذكرة برقم رو/26/6246، بتاريخ 7/11/2012، بالموافقة على صرف مبلغ 9.000 دولار ل3 جرحى يتلقون العلاج في دولة قطر.
ووجهت مؤسسة وفاء في 7/10/2012، مذكرة لرئيس الوزراء برقم 206، بطلب صرف 32.782.971 ريالاً كمساعدة علاجية ل22 جريحاً من جرحي الثورة السلمية الذين تعالجوا في الداخل والخارج على نفقاتهم الشخصية، وقد وجه رئيس الوزراء فوراً إلى وزير المالية، ودون المرور بوزارة الصحة، بمذكرة رقم رو/26/5876، وتاريخ 16/10/2012، بشأن صرف المبلغ المذكور في طلب المؤسسة.
لقد كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يدير الدولة بالتلفون، وها نحن اليوم في دولة ما بعد الثورة، ننتقل من دولة التلفونات إلى إدارة الدولة بالجمعيات والمؤسسة الخيرية.
اللجنة الطبية العليا: خارج الربح داخل في الخسارة!
تدخل الرئيس هادي مجدداً.
بعد تلويح وزير الصحة بالاستقالة من منصبه نتيجة تحميله مسؤولية التقصير في علاج جرحى الثورة، وتعطيل دور وزارته، واستبدالها بجمعيات ومؤسسات خيرية وحزبية، إضافة إلى تعنت وزير المالية المستمر، وامتناعه غير مرة عن صرف ما يتم رفعه من وزارة الصحة، بينما صرف مليارين و400 مليون عبر مؤسسة وفاء، وصرف 146 مليون ريال للجمعية الطبية الخيرية اليمنية.. نتيجة كل ذلك، وجه رئيس الوزراء وزير المالية، في مذكرة برقم رو/26/466، بتاريخ 15/1/2013، بصرف مبلغ 200.000.000 ريال لحساب اللجنة الطبية العليا، وأن يتم توريد مبلغ مليار ريال إلى رقم حساب اللجنة، ولا يتم صرفها إلا من خلال توقيعات التالية أسماؤهم:
1. د. أحمد العنسي وزير الصحة العامة والسكان رئيسا للجنة.
2. جوهرة حمود وزيرة الدولة نائبة رئيس اللجنة.
3. علي النعيمي المسؤول المالي للجنة.
وتضمن التوجيه أيضا أن تتم "تغذية الحساب كلما دعت الحاجة". وصرف بموجب مذكرة وزارة المالية الصادرة للبنك المركزي اليمني برقم 220-67، بتاريخ 26/1/2013.
وهنا تبدو جلية قوة حزب الإصلاح ومكره وتحكمه بالقرار داخل مجلس الوزراء. فبينما كل المساعدات الخارجية وجميع الاعتمادات المحلية التي صرفت باسم جرحى وشهداء الثورة، طوال عام ونصف، تمت عبر جمعيات ومؤسسات تابعة ومقربة من حزب الإصلاح، وأدار هو كل تفاصيلها، ها هو الآن يتجنب مواجهة جرحى الثورة الشبابية المتذمرين الذين شرعوا في تصعيد احتجاجاتهم، ونصبوا اعتصاماً أمام مقر رئاسة الوزراء، ويضع في مرمى سخطهم وزيراً مؤتمرياً ووزيرة اشتراكية، في حين أن المتحكم الفعلي بالقرار داخل مجلس الوزراء هو صخر الوجيه، وزير المالية، نائب حميد الأحمر في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني!
وعندما حكمت المحكمة الإدارية بصنعاء لصالح جرحى الثورة، في الدعوى القضائية التي رفعها القاضي أحمد سيف حاشد، بالنيابة عن 11 جريحاً، وقضت بعلاجهم في الخارج على نفقة الدولة، فإن وزير المالية امتنع عن صرف المبلغ من الباب الثالث لموازنة 2012 المسماة "تعويضات وغرامات ونفقات طارئة"، والتي خصصت وزارة المالية لها 20 مليار ريال في موازنة 2012، لم تصرف منها غير 5 مليارات و108 ملايين ريال حتى نهاية ديسمبر 2012، وتمت إعادة 14 ملياراً و891 مليوناً إلى خزينة الدولة.
ومن 5 مليارات ريال اعتمدت في موازنة 2013 لجرحى وشهداء الثورة، لم تصرف وزارة المالية خلال الأشهر ال3 الأولى من العام الجاري، سوى 200 مليون ريال.
وتظهر حسابات البنك المركزي أن لدى وزارة المالية 1.6 مليار ريال متبقية في هيئة البريد من حساب بالبنك المركزي رقم 1004-15144، الذي صرف عبره لمؤسسة وفاء.
ولدى وزارة المالية مبلغ 2.371.054.000 ريال في حساب جارٍ بالبنك المركزي اليمني برقم 24105-115، أودع في 28/2/2013، ولم يصرف منه سوى مبلغ 600.000 دولار أمريكي، بما يعادل 128.946.000 ريال، وهو مما اعتمد في الباب الثالث بند "تعويضات وغرامات ونفقات طارئة"، حتى على هيئة تعويضات لأسر الجنود والموطنين.
والآن:
هل تصدقون أن صخر الوجيه لم يصرف فلساً من الحسابات الآنفة الذكر، للجرحى الذين حكمت المحكمة الإدارية بعلاجهم في الخارج، في قضية أحمد سيف حاشد، وإنما نفذ حكم المحكمة، وصرف لهم من ال200 مليون ريال التي صرفها للجنة الطبية العليا لعلاج الجرحى، برئاسة وزير الصحة وجوهرة حمود، والتي عليها خوض خصامات يومية مع الجرحى من مختلف أنحاء الجمهورية!
إنها دولة الجماعة والجمعيات الخيرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.