| القاهرة - من رشدي الدقن | أصرت ألا تغادر الأرض التي ولدت فيها، مفضلة أن يشيعها إلى قبرها، قلة القليل من يهود مصر، بعدما غادر الآلاف منهم البلاد إلى أراضي الله الواسعة، لتبقى هي مع نحو 200 يهودي آخر، قرروا مقاومة العداء المتزايد لليهود داخل مصر والبلدان العربية الأخرى، وأن يثبتوا على الأرض التي ولدوا عليها. هي كارمن واينشتاين، زعيمة الطائفة اليهودية في مصر، التي فارقت الحياة على تراب وطنها مصر، مساء أول من أمس، تاركة خلفها الكثير والكثير من الحكايات والأزمات والقضايا والشكوك والاتهامات التي لم تسلم منها يوما ولم تهتم بها. لم يفهم المتطرفون، وأعداء الحياة، يوما، لماذا أصرت كارمن واينشتاين والعشرات من المواطنين اليهود في مصر على البقاء على أرضها، لكن المتتبع لقصة حياة السيدة الأقوى في الطائفة اليهودية، ربما يفهم بعض أسباب تمسكها بالبقاء، متحدية حالة العداء التي طالتها كما طالت غيرها من اليهود المصريين، بعد حملة تشويه منظمة، تساوي بين الصهيونية كفكرة سياسية، واليهودية كديانة. ولدت كارمن واينشتاين في مدينة الأقصر في صعيد مصر، في عام 1929، أي قبل نحو 19 سنة من إعلان تأسيس دولة إسرائيل في عام النكبة 1948، ورغم أنها تعلمت في إحدى المدارس الفرنسية، فإن والدها أصر على أن تتعلم اللغة العربية، حتى تتمكن من التعايش في المجتمع المصري، كما استقدم والدها مدرسين مصريين لتعليمها اللغة العربية، وعندما كبرت كارمن، انتقل والدها للإقامة في القاهرة، حيث افتتح مطبعة كتب، وواصلت كارمن دراستها، فالتحقت بكلية الآداب في جامعة القاهرة، وتخرجت في قسم اللغة الإنكليزية بها، ثم نالت درجة الماجستير عن المسرح من الجامعة الأميركية. وقبل فترة قصيرة من وفاتها، واجهت كارمن واينشتاين اتهامات بالاحتيال ببيع عقار مملوك للطائفة، ووقتها صدر ضدها حكم بالحبس لمدة 3 سنوات، وهو ما لقي صدى دوليا، وحاولت الخارجية الإسرائيلية التدخل ديبلوماسيا، إلا أن زعيمة الطائفة قدمت درسا في الوطنية المصرية، برفضها التدخل الإسرائيلي وإصرارها على أن القضية المتهمة فيها، هي قضية تخص مواطنة مصرية ولا مجال فيها للمزايدة من أحد، وجاءت محكمة الاستئناف لتصدر حكما بإلغاء الحكم السابق بحبسها، وهو ما سمح لها لأن تعيش ما تبقى من حياتها في هدوء وبعيدا عن الأضواء. وكانت المحامية ماجدة هارون، والمرشحة لقيادة الطائفة اليهودية في مصر، قد أعلنت من الإسكندرية عن وفاة زعيمة الطائفة اليهودية في مصر، كارمن واينشتاين، مساء أول من أمس، عن (84 عاما)، مضيفة: إن موكلتها التي ناضلت من أجل الحفاظ على المعابد اليهودية والتراث اليهودي في مصر، فارقت الحياة، وأضافت: «لقد كانت سيدة قوية، ناضلت من أجل حماية المقابر والمعابد اليهودية».