ضجة سياسية أثارتها تصريحات عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بضرورة عودة اليهود من أصول مصرية الذين هاجروا إلى إسرائيل مما سيفسح المجال أمام عودة الفلسطينيين، كما استنكر قيام الرئيس جمال عبد الناصر ب"طردهم" من البلاد دون وجه حق. وأثار هذا الكلام استنكار مفكرين وسياسيين وحزبيين مصريين، حيث وصفوا الدعوة بأنها "سقطة" في جبين الجماعة؛ التي ترغب في إرضاء أميركا بالتصريحات المتعاطفة حتى لا يتهمها الغرب بأنها تعادي السامية، وأوضح الخبراء أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تحاول سن تشريع يلزم الحكومة الإسرائيلية باسترداد ممتلكات اليهود في مصر وبعض الدول العربية والتي تركوها قبل هجرتهم من البلاد، وسيؤخذ في الاعتبار تصريح القيادي الإخواني لأن الدولة الاسرائيلية تتعامل مع الموضوع بجدية حتى لو وصل الى التحكيم الدولي، وتعتبر أبرز ممتلكات اليهود في مصر عبارة عن مجموعة من المعابد في القاهرةوالإسكندرية، ومنها معبد "هاشميم"، و"حارة اليهود" بميدان الموسكي، وبعض المنازل بمنطقة مصر القديمة وبمحافظة الإسكندرية، وجميع الأملاك تحت إشراف الطائفة اليهودية. قال د. عبد الله الاشعل أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأميركية: إن الدعوة التي أطلقها "العريان" لا تمثل إلا نفسه ومجرد رأي شخصي متعاطف مع يهود مصر، وأعتقد أن مثل تلك التصريحات مغازلة للغرب وأميركا، وفيما يخص حرص الخارجية الإسرائيلية على المطالبة بحقوق اليهود المصريين، أكد أنه حق من وجهة نظرهم لن يضر الدولة لأنهم تركوا مصر طوعا وبكامل إرادتهم، حيث كانت رغبتهم تكمن في إقامة دولة إسرائيلية، وهم من الناحية القانونية متهمون بالخيانة العظمى وتم إسقاط الجنسية المصرية عنهم؛ لذلك لا يحق لهم المطالبة بشيء، والدعوة هي مجرد "زوبعة دولية"، مطالبا الحكومة المصرية بمصادرة أملاكهم لكونهم أصبحوا طرفا معاديا وخطرا يهدد الاقتصاد القومي للبلاد، مؤكدا أنه إذا لجأ اليهود إلى المحكمة الدولية فإن ذلك يصعّب الأمر عليهم فيما يخص الأراضي التي استولت عليها إسرائيل بعد النكسة، وستطالب مصر بتعويضات عن المجازر التي حدثت ضد الأسرى المصريين ونهب ثروات سيناء. واستنكر د.حسام عيسى أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس تصريحات نائب رئيس الحزب الحاكم في مصر، واعتبرها "تلميحا" إلى اتهام الزعيم جمال عبد الناصر بطرد اليهود المصريين، لافتا الى أن اليهود المصريين هاجروا إلى إسرائيل لتنفيذ المخطط الصهيوني لجذب اليهود من كل دول العالم لتأسيس وطن قومي على أنقاض وجثث أبناء فلسطين، موضحا بأن استرداد اليهود لممتلكاتهم بعد كلّ هذه السنوات يتوقف على طريقة خروجهم من البلاد "تهجيرا" أو "بمحض إرادتهم". فلو كان تهجيرا وتم إثبات ذلك دوليا يحق لهم المطالبة، أما إذا كان خروجهم بمحض إرادتهم فهذا لا يعطيهم حق المطالبة بها لأن أحقيتهم في ملكيتها تكون سقطت بالتقادم بعد مرور خمسة عشر عاما، والمؤكد والثابت تاريخيا أن اليهود لم يطردوا من مصر، وإذا اقتنع يهود مصر بتصريحات "العريان" فعليهم اللجوء إلى القضاء المصري لاسترداد ممتلكاتهم. ويرى د.عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية أن جماعة الإخوان المسلمين تتعاون وتصر على تنفيذ مشروع أميركا لحل المشكلة "الاسرائيلية – الفلسطينية" على حساب أرض مصر في سيناء، مشددا على ضرورة الانتباه جيدا لمثل هذه التصريحات لأنها تنم عن فكر جماعة الإخوان، في الوقت الذي تستعد فيه وزارة الخارجية الإسرائيلية لإصدار قانون يلزم الحكومة العبرية باستعادة أملاك اليهود في العالم العربي، مما يجعلنا نتوقف كثيرا أمام هذه المحاولات الواقعية للحصول على تعويضات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات. مؤكدا بأن فتح إسرائيل ملف "ممتلكات اليهود" في مصر وسيلة ضغط سياسية حتى ينشغل العرب عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني خاصةً بعد ثورات الربيع العربي، وعلى الحكومات العربية مساندة الأشقاء الفلسطينيين الذين ذُبحوا وقُتلوا وانتهكت أعراضهم، وعدم إغفال المعتقلين داخل السجون الإسرائيلية ورفع ملايين الدعاوى الدولية لتعويضهم عن ممتلكاتهم التي هُدمت وتهجيرهم من وطنهم وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق أبناء الشعب الأعزل. مهاترات إخوانية ومن جانبه وصف د.جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، التصريحات بأنها "مهاترات إخوانية" وعدم فهم للتاريخ، لأن يهود مصر حينما غادروا البلاد ذهبوا الى "باريس" مباشرة وبعدها غيروا وجهتهم الى إسرائيل، مشيرا الى أن الدبلوماسية المصرية عليها أن تلعب دورا مقابلا لما تطالب به إسرائيل وجماعة الإخوان المسلمين، وتفتح ملف التعويضات عن ثروات مصر المنهوبة في سيناء التي استغلتها إسرائيل والقانون الدولي يعطينا هذا الحق، موضحا بأن التخوف من عودة يهود مصر مجددا هو "التخفي" من كونهم يعملون لصالح الموساد، ويرغبون فى العودة لمراقبة الأداء الإخواني بعد صعود الرئيس الإسلامي وإمداد الاستخبارات الأميركية والموساد بالتغير الذي قد يطرأ على مصر وهويتها المدنية، مشيرا إلى أن باريس تعتبر من أكبر معاقل ضباط الموساد في العالم وينتشر بها الكثير من المقرات التابعة للموساد تحت غطاء وهمي مثل شركات السياحة والاستثمار. وأوضح د.مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تصريحات العريان أحد مستشاري الرئيس مرسي ونائب رئيس الحزب الحاكم في البلاد قد تتسبب في مساءلات قانونية دولية ضد مصر تنتج عنها عقوبات دولية والكيان اليهودي بارع في مقاضاة أي دولة يثبت أنها أهانت اليهود، مستنكرا حديث إسرائيل عن قيام مصر بطرد اليهود والاستيلاء على ممتلكاتهم المزعومة، ولكن "العريان" يؤكد – للأسف – هذه الخرافات الإسرائيلية بتصريحاتة "الواهية"، لأن الثابت تاريخيا أن اليهود نهبوا مصر واستولوا على خيراتها، وقتلوا شبابها أحياء في الحروب، كما أن الممتلكات التي تم تأميمها تم تعويضهم عنها، مطالبا الحكومة المصرية "في حال اتخاذ موقف رسمي من جانب الحكومة العبرية في الأممالمتحدة أو المحكمة الدولية" بعدم التقاعس عن المطالبة بتعويضات عن استغلال ثروات سيناء طوال سنوات الاحتلال، وإعداد الأوراق والمستندات جيدا لأن المصريين يخسرون دائما أمام المحاكم الدولية، حتى وإن كانت حقوقهم واضحة. إرضاء الإدارة الأميركية وأشار رفعت السعيد رئيس حزب التجمع اليساري إلى أن الإخوان يقدمون بهذه التصريحات أسفهم ليهود مصر في إسرائيل، لأنه لولا تفجيرات شباب الإخوان المسلمين لمحلاتهم ومنشآتهم ما كانوا هاجروا إلى إسرائيل ولولا تحويلهم لأموالهم ما قام اقتصاد إسرائيل من الأساس، واصفا التصريح بأنه يهدف الى كسب رضاء الإدارة الأميركية واللوبي الصهيوني لاستمرارهم في حكم مصر، مؤكدا أن أصول اليهود في مختلف أنحاء العالم غير معروفة ويوجد يهود روسيا ويهود أميركا، ويهود سويسرا، ويهود مصر، وهم الذين يطالبون الآن بالعودة الى وطن أجدادهم كما يزعمون ويزعم معهم قادة الإخوان، مؤكدا أن التخوف الإسرائيلي من مصر بعد الثورة هو السبب في حالة الصدمة والمفاجأة التي أصابت إسرائيل في الداخل، وتخوفها من انهيار العلاقات الثنائية بين البلدين خاصة في ظلّ الرفض الشعبي لاستمرار معاهدة السلام. كل ذلك جعل إسرائيل تفتح ملفاتها القديمة وتبحث عن العناصر التي تستطيع بها دخول مصر بطريقة قانونية دولية أو بأي وسيلة ضغط سياسية.