تزداد الفجوة اتساعاً بين المشاهد وبرامج ال"توك شو" التي باتت منقسمة بوضوح بين التأييد والمعارضة والحياد في صورة إعلامية متخبطة، هل ما تمر به برامج ال"توك شو" المصرية حالة مؤقتة وظاهرة صحية في تداول الرأي ووجهات النظر، أم أنها فوضى معلنة وبلبلة أبعدت المشاهد عن ساحتها الحوارية؟ سؤال طرحناه على إعلاميين في هذا التحقيق . الإعلام هو مرآة المجتمع وطبيعي أن يكون لكل برنامج أو قناة رأي أو توجه خاص بها، هذا ما يقوله الإعلامي زافين قيومجيان، معللاً أن ما طرأ من تغيرات سياسية في مصر غيّر طبيعة الإعلام المصري وتأثر كثيراً بالأحداث السياسية قبل وبعد الثورة، ويضيف: أمر جيد أن يرتفع مستوى الحرية والخطاب في البرامج الحوارية المصرية وهي قفزة ديمقراطية جعلت لكل برنامج خطاً يسير فيه، لكنني أجد أن على هذه القناة أو البرنامج أن يفسح المجال لكل الآراء للتعبير عن رؤاها الفكرية لا أن تتحول القناة لمنبر واحد يتسم بالعنصرية الصارمة، وبالنسبة لي قررت عام 2000 أن أبتعد عن البرامج السياسية وأنتقل إلى التحدي الأكبر وهو التأثير الاجتماعي الذي أضع كل طاقاتي فيه عبر برنامجي الجديد "عل الأكيد" . بالرغم من أنه ينادي بالتعددية الإعلامية في وجهات النظر والآراء وتوجهات القنوات الفضائية المصرية، إلا أن الكاتب الصحفي والإعلامي حمدي قنديل لا يشده برنامج بعينه من مجمل برامج "التوك شو" الحوارية، ويرى احتدام النقاش في مثل هذه البرامج ظاهرة صحية مضيفاً: تنوع الآراء هو الملجأ الوحيد للمشاهد في النهاية عندما تختلط عليه الأمور، ومع أن كثيراً يعتبرون تعدد الاتجاهات في برامج التوك شو يحدث بلبلة وتضارباً فكرياً عند المشاهد، إلا أنني أرى العكس فهذا يزيد من وعي الجمهور الذي أصبح يحلل ويناقش ويفسر، إضافة إلى أن هذه التعددية الحقيقية هي جوهر ما ينادي به الإعلام، أن يكون هناك أصوات مختلفة تعبر عن اتجاهات سياسية واجتماعية وأخلاقية . على عكس يرى الدكتور ياسر الأنصاري، مدير إدارة في مؤسسة الأهرام المصرية، الذي يسمي ما تبثه برامج التوك شو فوضى إعلامية مبعثها الأساس الوضع السياسي غير المستقر في مصر، ويبين قائلاً: هناك أطراف استغلت الظرف الحاصل وعملت على ضخ إعلامي كبير جداً من خلال مثل هذه البرامج التي لها أهداف معينة بعيدة عن مصلحة البلد، وهذا يؤجج الصراع في مصر في الداخل، فالتهييج الإعلامي خطير جداً وتبعاته تعود بنا إلى الوراء لا إلى تجاوز الأزمات السياسية، وللأسف المكسب المادي السريع هو من يوجه هذه القنوات التي همها الأساس جذب أعلى نسبة مشاهدة وقدر كبير من الإعلانات حتى لو كانت على حساب دماء المصريين، وهذا الوضع الإعلامي المتخبط يشعرني بالإحباط وأتمنى أن تكون هناك جانب من المسؤولية الوطنية في الأداء الإعلامي ووعي بمصلحة البلد، وأن يكون حب مصر هو الموجه الأساس للجميع، فكلنا مشتركون في تدهور المجتمع ونتقاسم اللوم، والإعلامي هو أكثر شخص استفاد من الثورة المصرية خاصة مقدمي البرامج الحوارية لأنه يملك مساحة مهمة تخوله فرض إرادته وضميره لا الكسب المادي واستثمار الشهرة على حساب الشعب المصري وهو الضحية الأولى . يصف الإعلامي زاهي وهبي، أغلبية المواد الإعلامية التي تقدمها برامج التوك شو المصرية بالصاخبة التي لا تقدم ولا تؤخر ويقول: أصبح الإعلام المصري بعد الثورة أكثر حرية وأكثر حيوية، لكن في الوقت نفسه أكثر صخباً وضجيجاً، فهناك برامج محترمة وراقية مثل التي يقدمها إعلاميون مميزون أمثال وائل الإبراشي ومنى الشاذلي ومحمود سعد ومعتز الدمرداش وآخرين، ويعجبني حرصهم على تقديم مادة تحترم وعي المشاهد ولا تلعب على غرائزه وعصبياته، لكن في الوقت نفسه هناك برامج فيها كثير من الإثارة المجانية والصخب والضوضاء التي لا تقدم ولا تؤخر خصوصاً بعض البرامج التي تحمل شعار الدين والدين منها براء، وبعض الفتاوى المستنكرة التي تصدر بحق المعارضين السياسيين وبحق الفنانين، فنحن بحاجة إلى مزيد من التفكير وليس إلى مزيد من التكفير . وعن المسؤولية المباشرة في انتشار مثل هذه البرامج يضيف وهبي: أولاً الإعلامي نفسه يتحمل مسؤولية كبيرة والقناة التي تسمح بمثل هذا الأمر تتحمل مسؤولية أولى، وأيضاً الجمهور الذي يصفق لهذا النوع من البرامج، فمن يصفق ليس ضحية برأيي لأنه يشارك الجلاد فعله، وبالنهاية نحن في مرحلة انتقالية وفي مخاض . "المصريون اكتشفوا الكلام بعد صمت طويل دام أكثر من 30 عاماً" كما يقول علي جابر، عميد كلية محمد بن راشد للإعلام في الجامعة الأمريكية بدبي، ويتابع الثورة كشفت الستار وأتاحت الفرصة للإعلام لمزيد من الحرية والديمقراطية في تقديم وجهات النظر وتبادل الآراء وما المشكلة لو حدثت فوضى في برامج التوك شو، هذا برأيي جزء من الديمقراطية والمسار الإعلامي السليم الذي سيأخذ مصر إلى واقع إعلامي مغاير فيه كثير من التغيير والإصلاح . "الخلاف في مثل هذه البرامج هو طريق النجاة" كما يقول الكاتب الصحفي جهاد الخازن: يجب أن يكون هناك خلاف لأننا إذا اتفقنا فنحن نتفق على الشعب، وهذا خطر على مصالح الناس، والإعلام الحديث وليس القديم يجب أن يكون رقيباً على الحكومة، وعليه أصبح من الصعب ضبط الإعلام الحديث وما نشاهده في برامج التوك الشو نتيجة أن من حق الإعلامي طرح التساؤلات على الحكومة وفتح كافة الملفات بكل اتجاهاتها، وهو تعبير عن حال مصر وواقعها اليوم، فعوضاً من الخروج خارج دائرة الأزمة بدأت الحكومة تحفر في الأرض، إضافة إلى أن اقتصاد مصر صفر ولا يوجد أية مؤشرات للنهوض من الركود الاقتصادي الذي أصاب المجتمع، المسألة ليست سهلة وأنا أحب مصر وهي لا تستحق ما يحدث بها . وعن رأيها في البرامج الحوارية المصرية تقول نعمة أبو وردة، إعلامية في قناة ال bbc هذه ليست فوضى إعلامية بل ظاهرة صحية وعلينا أن نخرج من عباءة الصمت ونجرب الخطأ والصواب، فالإعلام في مرحلة انتقالية من عهد كان فيه كل شيء محكوم إلى عهد مختلف أصبح الشخص يعبر بطرق مختلفة منها الصريحة، وكلها تجعلنا نسير إلى الأمام إلى مكان غير معلوم، وإذا صح التعبير ما زلنا أطفالاً في مسيرة الديمقراطية ونحتاج إلى وقت . "ضبابية الواقع السياسي أفرزت شكلاً جديداً من الإعلام في مصر" كما يقول الدكتور سيد بخيت، أستاذ مشارك ورئيس قسم الاتصال الجماهيري بجامعة الشارقة، وعليه فإن برامج "التوك شو" قسمت إلى رؤى مختلفة ومتصارعة نتيجة المتغيرات التي شهدتها مصر منذ قيام الثورة وبعدها، فأصبحت هناك برامج تدافع عن الحكومة وأخرى معارضة، وكل هذا نتيجة عدم وضوح الرؤية أصبح الكل يلقي اللائمة على الآخر من إعلاميين وسياسيين تتبادل بينهم الاتهامات، فالإعلامي يتهم السياسي بالتكتم وعدم الوضوح في المواقف والدفاع عن مصالح شخصية وغير ذلك الكثير، وهذا التخبط سوف يستمر إلى أن تستقر الأوضاع السياسية .