'معلش المغاربة بيتبهدلوا'!'معلش إحنا بنتبهدل' هكذا نطق الفنان الكوميدي المصري احمد ادم في أحد أفلامه التي جسد من خلالها مأساة المواطن العراقي والعربي بصفة عامة إبان سقوط بغداد في أيدي الاحتلال الأمريكي ،بدون مقدمات تبادرت تلك 'اللازمة الشهيرة' بكل ما ترمز إليه من خفة دم مصرية وتحت إطار الكوميديا السوداء التي يقتات عبرها لحظات ضحك (ولن أقول سعادة) عابرة تنسيه كآبة الجو العام الذي يحيياه إلى مخيلتي وأنا أراقب وأطيل التمعن في ردة الفعل الرسمية المغربية حول ' تقرير إخباري' (لا يحمل حتى ابسط شروط المادة الإخبارية) بثته قناة ابوظبي في برنامج 'علوم الدار ' والذي تفنن في كيل التهم للمغاربة ونعتهم باقدح الصفات (رغم ادعاءهم الذكاء والاكتفاء بتكرار عبارة 'تلك الجنسية العربية') لن أنساق وراء الخطابات العاطفية التي سطرها عموم الشباب المغربي في الكثير من المواقع الإخبارية آو حتى ضمن مواقع التواصل الاجتماعي التي تغلي كالعادة بالردود المختلفة عقب أي 'تسلل' من هذا القبيل، ولكني وبعد مشاهدتي للتقرير المذكور استغرب حقا كيف لدولة بهذا الحجم أن ينحدر مستوى التفكير لديها إلى درجة الغباء؟ فيتم استضافة 'علماء دين' لتحليل ظاهرة 'السحر والشعوذة' بتلك الدرجة من 'الإيمان' المطلق ويناقش رجال الأمن برتب متفاوتة (كرئيس قسم التحريات بشرطة راس الخيمة الذي ظهر في التقرير) كل الظواهر الاجتماعية التي تعرفها البلاد فتعزى جميعها وبيقين تام لتلك الظاهرة (ومعها تلك الجنسية) فعلى سبيل المثال لا الحصر هي المسؤولة عن ضياع الشباب وتركهم لمقاعد الدراسة وبنسبة (لا تقبل الجدل) تسعين بالمائة وكذا لاستفحال ظاهر التفكك الأسري آو ما اسماه التقرير 'بخراب الأسر' وبنسبة ثمانين إلى تسعين بالمائة كذلك، رغم أن المثير للسخرية أكثر اللغة المستعملة في وصف 'براءة وطيبة الشباب المحلي' والذي يقع 'فريسة سهلة' للقادمات من تلك الجنسية العربية 'مما يؤدي إلى انحراف هؤلاء الشباب وضياع مستقبلهم الدراسي والمهني وكذا ذات الأمر ينطبق على 'المتزوجين' الذين سرعان ما يقعون 'في حبالهن' فيهجرون بيوتهم وزوجاتهم وأبناءهم ،شخصيا لن انصب نفسي محاميا على احد ولكنني استغرب لهذا الصمت المطبق المخجل و المشين من لدن الحكومة المغربية التي تطبق سياسة 'العفو عند المقدرة' مع فئة دون أخرى، صحيح تناقلت بعض الصحف لخبر احتجاج السفير المغربي لدى دولة الإمارات لكن هذا 'العتاب اللطيف ' (هذا إذا كان صحيحا) 'لا يشفي الغليل' وذلك بالموازاة مع كم الإهانات التي تتحفنا بها هذه الدول على وجه الخصوص ولا مجال لسرد ذلك المسلسل الطويل العريض الذي تأبى 'حكومتنا المصونة' هذه على الالتفات إليه ومعالجته بالحزم الذي يستحقه ،ويبقى السؤال المطروح :أين كرامة المواطن المغربي؟ وصدقت يا احمد ادم: حقا 'إحنا بنتهبدل'. فنان مغربي ضد 'الخلجنة' ما أكثر الذين يصرحون بان 'التراث المغربي' يشكل لهم الهاجس ويسعون جاهدين للنبش في ثناياه والغوص في أعماقه لاستخراج أبهى 'الدرر' وتزيين الشاشة بها كي يكون المشاهد المغربي على دراية تامة بأصله وتاريخه العريق، لكننا و في خضم كل هذه 'الاستعراضات' لم 'نحظ' سوى بمتابعة النذر اليسير من كل هذا الذي يتحدثون عنه، هل هي مسؤولية الفنان ذاته أم للتلفزيون المنغلق المنكفئ على نفسه الدور الرئيسي في ما ألت إليه الأمور؟ يبدو النقاش حول هذا الموضوع مملا ولا مخرج يلوح في الأفق يمكن أن نقتاد إليه فنخرج سالمين من كل هذه المعمعة، غير أنني وإحقاقا للحق لا يجب أن أتجاهل الدور الايجابي والمحوري الذي 'بات ' يلعبه الفنان المغربي الكوميدي 'حسن الفذ ' في إحياء هذا التراث من خلال استحضار 'فن الحلقة' كما يسمى (المنتشر بشكل أساسي في فضاء جامع الفناء بمدينة مراكش معقل هذا الفن الأصيل و المظلوم إعلاميا) وذلك بمناسبة 'مهرجان مراكش للضحك' رفقة الكثير من نجوم الكوميديا بالعالم وحتى عبر نصوص مسرحياته وحضوره التلفزيوني وهذا ما لمسته بشكل يدعو للإعجاب وكذا الثناء في الحوار الذي جمعه رفقة نجمات المسلسل المعروف وطنيا 'بنات للامنانة ' (الذي عرض في شهر رمضان المنصرم ونال شعبية جارفة) في برنامج 'صواب وكلام' على القناة الأولى. لن أعود لقصة هذا المولود الإعلامي التي سبق وان خصصت لها جزءا مهما في هذه الزاوية بالذات ولكنني سأتوقف قليلا عند نقطة هامة أثارها النقاش مع هذا الضيف المميز والذي يتحدث بلغة عربية سليمة هجرها جل الفنانين الآخرين 'المتيمين' بحب لغة موليير (حتى أن الحديث بدونها يعتبر تخلفا بالنسبة للوسط الفني المغربي وهذا ما انعكس بالسلب على المجتمع المغربي عامة) والمتمثلة في طرحه لسعي الكثيرين لما اسماه 'خلجنة الهوية المغربية ' آو بتعبير أوضح تكريس 'عقدة الخليج' هنا بالمغرب واضعين المغاربة في موقع التلميذ وبالتالي 'يستأسدون علينا' (حسب وصفه) ،المثير للانتباه من وجهة نظري افتقاد اغلب الفنانين المغاربة لهذه الشجاعة وهرولة اغلبهم للمشاركة في أعمال تحمل بصمة خليجية والنموذج حاضر في مسلسل 'كريمة ' الذي كال شتى أنواع الإهانات للمرأة المغربية رغم ذلك أصر 'نجوم' كثر على تأثيث مشاهده وفق 'أطماعهم الشخصية'، ما تطرق إليها الفنان حسن الفذ موجود بقوة داخل الوسط الفني ونلمسه بشكل مكثف في عالم الغناء والأمثلة لا تعد ولا تحصى ممن أداروا ظهرهم للكلمة المغربية وحتى الزي التقليدي المغربي معللين 'فعلتهم ' بغياب الدعم والانتشار للأغنية المغربية ،لكن التساؤل المطروح بقوة لو كان كل الفنانين المغاربة بثقافة هذا الأخير وبوعيه وحرصه على الأصالة المغربية لكان لهذا الفن حضور آخر وبصمة أخرى ..لكننا ومع كل مساحات السواد هذه سنبقى محكومين بالأمل في انتظار جيل جديد ينتصر للذات الوطنية وللقيم الأصيلة .. 'زبدة ' تقاوم من اجل غزة قد يبدو للوهلة الأولى أمرا عاديا طرح فرقة غنائية لأغنية وكليب مصور عن القضية الفلسطينية وتحديدا عن 'غزة ' المحاصرة والجريحة، لكن الغريب أن تكون الأغنية بتوقيع فرقة فرنسية اسمها 'زبدة ' (مع أعضاء ذوي أصول مغاربية) وتستبسل في مواجهة سطوة اللوبي الصهيوني المتماسك في فرنسا والذي رمي ويرمي بكل ثقله لوقف بث الأغنية وراسل التلفزيون الفرنسي لوقف عرضها واستنفد كل الوسائل المتاحة أمامه في سبيل تحقيق الهدف وقطع الطريق على هؤلاء الشباب قصد إيصال أفكارهم النبيلة لكافة شرائح المجتمع الفرنسي ،ومع كل غيظي واشمئزازي الذي سبق وطرحته هنا من كل ما يمت لفرنسا وحتى للغتها بصلة إلا أنني في هذه المرة صوبت كل حواسي تجاه هذا الموضوع وتمالكت نفسي لمعرفة جديد هذه القضية التي من وجهة نظري المتواضعة لا تقتصر على كونها مجرد أغنية عابرة لا غير فللمفارقة الفرقة الغنائية طرحت إنتاجها هذا قبل اغتيال الشهيد احمد الجعبري وبالتالي بدء الغارات الصهيونية على مدينة غزة التي خصتها الأغنية بكلمات جد معبرة تدعو لكسر الحصار عنها تمت صياغتها في كليب اعتمد تقنية 'الرسوم المتحركة' جاءت نهايته إيذانا ببدء الهجوم البربري الصهيوني الحالي وهذا ما يتم استنتاجه في هذا المقطع الختامي الذي يقول 'مت كالآلاف من قبلي والآلاف ممن سيموتون بعدي' وهي أشبه بنبوءة من كاتب الأغنية وهو بالمناسبة البروفسور الفرنسي جان بيار فيليو ،ما يحز في النفس أننا نشاهد أناسا هم بعيدون كل البعد عن واقعنا وعن همومنا وبإمكانهم بكل بساطة صم أذانهم عما نعانيه والاكتفاء بمجاراة حياتهم العادية دون أدنى عوائق ولكنهم يصرون على رفض هذا المبدأ ويأبون إلا أن يشاطرون ماسينا (لا اقصد كلهم لان الأغلبية الساحقة منهم هم سبب هذه المآسي) بينما فئات أخرى تعيش بيننا وتجمعنا بهم روابط يفترض أنها متينة تتصرف بلا مسؤولية وكأنها تعيش في كوكب آخر ولعل في خطوة هؤلاء الشباب واستماتتهم في الدود عن 'غزة ' ابلغ درس لعديمي الإحساس والضمير من الفنانين العرب ..حقا إذا لم تستحي فاصنع ما شئت .. كاتب من المغرب [email protected]