2013-05-27T10:36:09.0000000+03:00 أخر تحديث للصفحة في بقلم/ عباس الديلمي لفيلسوف التاريخ وعالم الاجتماع والسكان عبدالرحمن بن خلدون رؤيته في الدولة والمجتمع، وقد شبّه الدولة في مراحلها بالإنسان, طفولة ونمواً، فشباباً وقوةِ، فشيخوخة وضعفاً. واذا ما كان علماء السكان قد توصلوا إلى أن هناك جينات يتوارثها الإنسان من أسلافه، وأنها قد تظل في حالة كمون ولا تظهر إلا في الجيل السابع؛ هل نستطيع القول إن المجتمع عموماً يشبه الإنسان الفرد، وإنه يتوارث قيماً وسلوكيات إيجابية حضارية أو عكساً من ذلك؛ وإنها قد تكون في حالة كمون أو اختفاء فلا تظهر على التكوين النفسي والسلوكيات المجتمعية إلا بعد عقود أو قرون؟!. وإذا ما أردنا التدليل على ذلك بمثال من مجتمعنا اليمني فسنتجه إلى فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، كونه يشكّل البوتقة الجامعة التي تتفاعل فيها مكوّنات التشكُّل لتحوّلٍ مهم في حياة اليمنيين، ومنعطفٍ تاريخي نحو يمن جديد.. من فعاليات ومستجدات مؤتمر الحوار الوطني نأخذ أو نستمد شاهداً من مشاركة المرأة ومكانتها، في مؤتمرٍ بهذه الأهمية ويحوي من رؤوس وممثلي القبائل والعشائر، كما يحوي ممثلي النُخب والقيادات السياسية.. وكيف تفوّقت المرأة في مجرياته على أكبر الأحزاب الدينية السياسية في رئاسة اللجان وشغل مواقع النائب والمقرّر عن طريق صناديق الاقتراع؛ حيث تقدّمت المرأة على شخصيات سياسية وقبلية لها شهرتها ومكانتها ونفوذها ما يدل على ما يجعلنا نقول: هل ما نحن عليه من جدّية أمام المحك العملي التحاوري لمعالجة مشكلات البلاد ورسم مستقبلها قد أظهر الموروث الحضاري اليمني الذي ظل في حالة كمون منذ ما قبل الإسلام؛ أي منذ عهد الملكة بلقيس التي سلّمها راية القيادة من قالوا: «نحن أولو قوة وبأس شديد» وعندما قالت لهم: «ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون» أعادوا إليها الأمر لتنظر بما تأمرهم به فيطيعون. وإذا ما كانت هذه الثقافة والتكوين الحضاري قد اختفى وظل في حالة كمون نتيجة التمزُّق والتفرُق وتعدُّد الكيانات القبلية، فإنه قد ظهر وبرز بعد فترة كمون عند ظهور الملكة السيدة أروى بنت أحمد؛ ثم عاد إلى الكمون والاختفاء ليبرز هذا الإرث مع هذا المنعطف التحوّلي الذي تمر به اليوم، ومن خلال شواهد منها عملية اختيار الأخت نبيلة الزبير، رئيسة للجنة صعدة التي تجمع بين أعضائها رموزاً قبلية وعشائرية كبيرة، وكيف تغلّب الجانب القبلي المؤيد على الجانب القبلي المعارض لرئاسة امرأة، وتم التعبير عن الاعتزاز بذلك الاختيار الحضاري بأكثر من زامل شعبي منها ما نظّمه المبدع أحمد المنيعي من أبناء قبيلة مأرب، أحد الممثلين لحركة «أنصار الله» بعد أن كان عضواً فاعلاً في التجمع اليمني للإصلاح، يقول الزامل: «سلام يا رُوس القبايل يا ذي رئيستكم (نبيلة) ترأست سُني وشيعي وطوّعَتْ كَمْ من قبيلة» وفي هذا كما هو واضح تعبير عن الإعجاب بسلوك حضاري مع بداية التحوُّل المطلوب نحو الدولة المدنية، وعدم التمييز بين الجنسين؛ لا بتمكين المرأة من المشاركة فحسب؛ بل وتبوؤ المناصب القيادية، بعيداً عن الرواسب المتخلّفة، وأن القبول بتزعم وقيادة المرأة إذا ما كانت مؤهّلة ومقتدرة يستحق الإعجاب والتبجيل في مجتمع لم يشهد من فترات الازدهار أفضل مما شهده في عهدي ولايتي المرأتين «بلقيس وأروى». ويشير هذا الزامل إلى أن لا عصبية ولا قبلية ولا مذهبية في التعامل مع أمور تتطلّب الجدية والموضوعية، وأن تطويع القبيلة ومفاهيمها لما يخدم بناء المجتمع ومدنية الدولة يأتي من القناعة بمصداقية التوجه نحو التغيير إلى الأفضل، فالقبيلة التي عجزت جيوش عن تطويعها بما في ذلك جيش عبدالناصر أو الجمهورية العربية المتحدة، يمكن أن تطوّعها تلكم القناعات؛ وإلا ما الذي تمتلكه نبيلة الزبير من مالٍ وجيش وقبائل حتى تترأس سنّياً وشيعياً، وتطوّع أكثر من قبيلة عُرفت بالعناد والاستعصاء؟!، إنه الموروث الثقافي الحضاري الذي لم يفارق التكوين النفسي للشخصية اليمنية. إن ما يدور في مؤتمر الحوار ليبعث على التفاؤل، ويشير إلى استعداد اليمانيين بتجمعاتهم السكانية البدوية والقبلية إلى التكيف مع ما تتطلّبه مستجدات وحتميات العصر وجديد المرحلة متى ما توافرت الجدية والتوجه العام نحو هدف واضح محدّد المعالم. قد يرى البعض في ما أشرت إليه مبالغة أو إفراطاً في التفاؤل، ويدحض ما أوردناه بشيء معاكس أو بنقيضه من داخل مؤتمر الحوار، وهو ما تعرّضت له الأخت ليزا الحسني، نائبة رئيس اللجنة العسكرية في إحدى قاعات المؤتمر، ولمن يحاججنا بذلك لا ننكر أن ما تعرّضت له ليزا تصرُّف لا يليق ولا يدل إلا عن حالة نزق وانفعال عابرة خدشت جمال لوحة أو صورة الحوار الوطني؛ إلا أن طريقة معالجة المشكلة أو ما حدث عن طريق التحكيم القبلي والودية في احتواء ما حدث، وتصريح الأخت ليزا أن الأمر قد عُولج وسوّي كمشكلة عائلية داخل البيت (الحسني) يجعلنا نقول: «يا دار ما دخلك شر» ومادام الأمر عائلياً فقد خرج من إطار التعاطي معه في إطار مجريات الحوار والسياسة والنظر إلى المرأة والتعامل معها.. وما أبدته رؤوس القبائل من تحضُّر وتقدير للمرأة عند انتخاب الأخت نبيلة والأخت ليزا وغيرهما من الأخوات يجعلنا نكرّر الإعجاب بهم، ونقول مع الشاعر: «سلام يا رؤوس القبائل» يا من كبرتم بتقليد المرأة رئاسة واحدةٍ من أهم لجان المشاكل التي مرّت بها البلاد ومازالت تعاني آثارها. أبلغ وأجمل تنديد واحتجاج أجمل وأبلغ تنديد واحتجاج على قتل الشابين الخطيب وأمان لتجاوزهما موكباً «مشائخياً» وسط العاصمة صنعاء وليس في سباق (داحس والغبراء) الذي تسبّب بحربٍ ضروس استمرت أربعين عاماً بين القبائل العربية؛ رأيته عبر ملصق على إحدى السيارات التي وضع صاحبها لوحة في زجاجها الخلفي تقول: «انتبه.. السيارة تابعة لشيخ، إحذر التجاوز لسلامتك..!!» هكذا رأيت على إحدى السيارات، وتأملوا كم في ذلك من معانٍ احتجاجية ونقد ساخر لأكثر من طرف من الدولة إلى المتنفّذين، وما ستحمله هذه اللوحة من رسائل لها دلالاتها وهي تجوب شوارع العاصمة صنعاء وغيرها!!.