عبدالله مدعج شاعر قادم برؤيةٍ مختلفة، يُقال شاعرٌ شاب، هو كذلك لمن يقيس الابداع بالعمر ولمن يظن ان الفكر يُقاس بطوله لا بعمقه، شاعر يدهشك أو -بدقةٍ أكثر- ينبهك الى أن القناعة السائدة والنمطيّة ليس بالضرورة أن تكون صائبة،وهو على كل حالٍ ليس كهلًا حكيمًا، فالحكمة التي تصنعها التجارب وحدها ليست قادرة على إثارة طموح فكر، عبدالله يعطيك كل الأدوات اللازمة ثم يتركك ونباهة فكرك، ولا أصعب على كاتب من تعريف شاعر، سوى أن يحاول الانسان تعريف الشاعر بداخله، وقتها تكون طرق التخمين هي الاجابات التي تتصدى لإعصار اسئلةٍ ربما لم تولد بعد، وكأنها لحظة صفاء يتحسس فيها روحه بدهشةٍ مفرطةٍ الصدق: أحيان أحسّ اني قبل مانولد حيّ أحس..كني جيت للناس بعدي وأحيان احس اني بدوني ولا شيّ واحيان احسّ إني ولا شي عندي ألم أقل لكم ان التأمل المؤدي للحكمة هو شيء آخر يتجاوز معادلة الشاب/الكهل، هل قلت شيئًا يشبه الفلسفة؟ أم أن دروب هذا الشاعر الشاردة تجعلنا نتكلم بإسهاب في وصف ومضةٍ مفاجئةٍ وهذه ورطة النثر التي تلغيها ليس قصيدة بل نبرة شعر، رغم ان الصراع الأزلي بين الناقد والشاعر قد طغى في البيت الثاني تحديدًا، لكنه يبدو أشبه بصلح، او هدنة مُنصفة، فالنقد الذاتي وإن قسا إلا أنه يتعامل بأبوة حانية، ليس رغبة في التأنيب، بل دعوةً للسمو. وكما أعيا الليل أمرئ القيس وهو يتباهي مرخيًا سدوله وعتمته، يأتي شاعرنا وهو يقرأ للصبح شيئًا من صفحات الليل بثقلها وأنّاتها، وكيف أصبحت الضلوع سيفًا شاهرًا يُحيط بحيرة القلب المُسالم: وبفطنةٍ خلاّقة يأتي لك بكل شبيه ونقيضه، أو بالشيء وشبيهه، ليس ليقنعك أن هذه الاشياء أصلًا من ذات الطين الواحد/اللازب، هو فقط يعرض عليك مشهدًا ويدعك تستنتج: بالتأكيد هذا المشهد جلب لنا أشياء نعايشها، لم يقل أسماء، لكن القارئ ابتسم وربما غمغم والوجوه ذاتها تمرّ من أمام عينيه، وجوه ذرفها القاري، وذرفها الشارع لعين الشاعر، يمرر بسهولة قضية تُستلزم لقراءتها الكثير من العقول من كل الحقول العلمية، ليبحثوا ويمحّصوا، وهُنا ينتهي دور الشاعر، وعلى البقية أن يتحلّقوا في لجانهم للمناقشة! ويتمادى بنفث كل يأس، فلا بد لكل طريق من نهاية، وكل عارضٌ هو حالةٌ وقتية، مهما تعاظمت وتمادت فأقل ضحكة ساخرة قادرة على نزع الكثير من الضيق: وهو القادر على ان يهديك الليل بكنزةٍ تجلب الفرح والدفء والغناء، فليس الليل كئيبًا دائمًا وإلا لما استطاع أن يختاره العشاق للسهر والفرح: الليلة هذي مُعشبه ليلة من غيوم ومطر لها أعذب اللي أكتبه سطر..سطر..سطر ..سطر صورة مهي مترتبة! بلا براويز وأُطر الليلة هذي من عجب كأنها صباح عيد فيها من المغرب صخب! ومن العصر جلسة وحيد! وقبل وداعي والسلام سؤال حاير فاضلعي: قيسوا على هذا الكلام (وشلون لو كانت معي؟ ويبقى الدهر بطريقه لا يلوي على شيء، حتى وإن بدا على هيئة استدارة، وهي ليست دائمًا كذلك، في أحايين كثيرة ما هو سوى رمز للرحيل اللانهائي، ولو كان يعود لكان طريق الغرباء لا بد أن يمر يومًا بوطن/حلم: ويتماهى مع أطياف تعبر الذاكرة بحنينٍ يشوبه القلق، وامنيات لأول خطوةٍ في طريق الحياة لمرحلة بدت لشاعرنا غارقة بالشعر كلّه، لا بد أن تكون كذلك وهو أعقل الجنون! ومع كل تماهٍ وشرود تحت وطأة حنين جارف وصحو وارف، تصحو النفس على طرقات هاجس لا يمل الحلم والأمل، والأمل بشيء من الرجاء والخوف، فيتجلى الإنسان ويظهر له الطريق الأجمل. وشاعر كهذا قادر أن ينقّل فؤاد قارئه حيث شاء، صوتًا قادرًا على ان يخترق الذائقة كمعراج، مثلما هو لاذع بصدقه، وساخر من جعجة لا يُرجي منها نفعًا: الساحة الشعبية: وحل! وفكر: ضحل! مية شاعر: أي كلام.. وشاعر: فحل! رغم أن من يمتلك كل هذا الوعي ليس بحاجة أن يصف وحل، وهو القادر على جعل ليالي الشعر مُعشبة، مثلما هو قادر على إلغاء البراويز والأُطر ليجعل المدى أكثر رحابةَ وصفاء. المزيد من الصور :