الراجح أن يستدعي الواقع الأسطورة في إطار التمثيل والمقاربة والمشابهة، لكن أن يستند الواقع نفسه على الأسطورة بالكلية في تأسيس أركانه فإن ذلك لا يُلحظ إلاَّ في عالم الشعر، فما أن يُذكر الشعر والشعراء إلاَّ ويلتفت خاطر السامع وخياله إلى «وادي عبقر»، الذي تحفظ ذاكرة أطالس الجغرافيا وقوعه في منطقة نجد على غور سحيق.. كما تتداول الأساطير سيرته الموزعة بين الإنس والجن على نحو يجعل الشعر فنًّا متأرجحًا بين «الوهم والحقيقة».. فالأساطير تشير إلى أن «وادي عبقر» يسكنه الشعراء من الجن منذ أمد طويل وبعيد، وهم على أهبة الاستعداد إلى تلقين الشعر لكلِّ مَن يقوى على المبيت في واديهم من الشعراء والشاعرات ليلة واحدة فقط، فإن تم له ذلك جاء بالعجب العجاب في شعره، وعرف الناس أنه زار «عبقر» فصار «عبقريًّا»، ويذهبون في أساطيرهم إلى الزعم بأن كل شعراء الجاهلية كان لهم قرين صحبهم من ذلك الوادي. على هذا كانت الأسطورة، التي أحيا ذاكرتها النادي الأدبي الثقافي بجدة، وهو يقترح «منتدى عبقر الشعري»، ففي السادس من ربيع الآخر من العام الحالي، أعلن النادي عن إنشاء المنتدى، والبدء في تنفيذه، على أن يعمل على تنظيم ملتقى للشعراء الشباب في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ويحمد للشاعر عبدالعزيز الشريف، المشرف على المنتدى، أنه كان صاحب المبادرة لتكوينه، فوجد التعضيد والموافقة من مجلس الإدارة برئاسة الدكتور عبدالله السلمي ممتدحًا تلك الخطوة بإشارته إلى أن «مناشط النادي وحركته وثراءه الثقافي لا تتحقق إلاَّ من خلال المبادرات التي يتبناها المثقفون». مضيفًا إليها قوله: «نسعى ألاَّ نوصد الأبواب أمام أي مشروع يخدم الثقافة وينسجم مع سياسة النادي ومشروعية وجوده على أن يكون ذلك ضمن الأنظمة واللوائح والتعليمات». وموقف النادي الإيجابي ممثلًا في رئيسه أكده الشريف وهو يعيد تفاصيل تكوين المنتدى بقوله: تحدثت مع رئيس النادي عن أهمية وجود الشعر في نادٍ أدبي مهم مثل نادي جدة، فطلب مني تقديم ورقة لإنشاء مشروع شعري في النادي، وفوجئت بالتجاوب السريع، والموافقة على إنشاء هذا المنتدى الذي اخترنا له اسم «عبقر» بوصفه اسمًا ارتبط بالنادي وبمجلته الشعرية. وإن من أهم المشروعات التي يتضمنها نشاط المنتدى إقامة «ملتقى الشعر الشبابي الخليجي» الذي سيشارك فيه شاعران اثنان من كل دولة خليجية، وعشرة شعراء شباب من المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى عشرة شعراء آخرين من شباب جدة. وكان المنتدى قد نفّذ العديد من الفعاليات منذ تأسيسه، حتى قبل الإعلان عن إنشائه استهلها بأمسية للشاعرين علي الشريف، وعبدالله ناجي. وبعد أن تم الإعلان وتشكيل لجنة المنتدى، كانت أولى أمسياته مع الشاعر والناقد والإعلامي خالد المحاميد، تلتها أمسية شجاء لاحتفاء بيوم الشعر العالمي، وشارك فيها الأمسية كل من حسن السبع، عبدالمحسن يوسف، علي الأمير، وسعد الهمزاني.. وجاء ثالث أمسيات المنتدى مع الدكتور يوسف العارف، ثم أمسية الشاعر محمد عابس، تلتها أمسية الشاعر جابر الدبيش، التي جاءت خاتمة لفعاليات المنتدى في موسمه الأول. وكانت كل هذه الأمسيات الشعرية قد تخللتها ورش عمل شعرية، بقيادة الشاعرة فاطمة القرعاني، شارك فيها الشعراء الشباب أحمد قماش، فاطمة القرعاني، وعد عابد، نجوى الكناني، عمر فلمبان، وأحيلت نصوصهم للدكتورة فائزة الحربي، وخالد المحاميد عضوي منتدى عبقر الشعري. كما فتح المنتدى على نفسه نافذة تواصل على صحفة على الفيسبوك، ويزمع فتح أخرى قريبًا على التويتر يديرها شعراء وشاعرات من ورشة عبقر.