زكريا الكمالي قبل حوالي شهر , زارت تعز 3 من فرق مؤتمر الحوار الوطني , هي «العدالة الانتقالية , بناء الدولة , الحكم الرشيد» . حضرت كثير من الجلسات , واللقاءات , التي عقدتها تلك الفرق مع السلطة المحلية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني, والشباب, والأجهزة الأمنية , كصحفي . كنت أستمع فقط . في اليوم الاول , كان اللقاء بديوان المحافظة , وكانت المرة الأولى التي أدخل فيها مبنى محافظة تعز . كان اللقاء فاتراً لعدم وجود المحافظ شوقي هائل . طرح اعضاء مؤتمر الحوار استفسارات كلا في مجاله , جميعها تتحدث عن المستقبل وشكل الدولة القادمة ونظام الحكم , و رد مسئولو السلطة المحلية , وخصوصا وكلاء المحافظة , كل حسب تخصصه . تنوعت الاجابات ما بين الشعر والسياسة و«المناجمة » , وذهب البعض الى كيل اتهامات فقط , وكأننا في «مقيل قات» . الوحيد الذي تحدث بلغة رصينة , و رد على اسئلة الاعضاء بالأرقام , كان الأمين العام للمجلس المحلي «محمد الحاج» . أظهر الرجل قدرا كبيرا من المسئولية , عكس الجميع , وهو يطالب بالتحدث عن المستقبل فقط , وترك الماضي . كان الانفلات الحاصل داخل مبنى المحافظة , اسوأ من الدائر خارج أسوارها , في المدينة . ما جعلني أتذكر هذا المشهد , هو الزميل محمود ياسين , والذي تحدث في مقال في صحيفة « الأولى » عن معسكر تعز , وكيف ان تعز الموجودة في صنعاء , تختلف عن الموجودة في تعز , وان الأخيرة « تعز المكان» تعد مؤخرة لتعز القابعة هناك في صنعاء . وكالعادة , عند قدوم أي محافظ من صنعاء , نجد أنفسنا ندافع عن تعز بأنها ليست« قرية كبيرة » , وانها وإن كانت كذلك , فهو بسبب الفكر القروي الذي يسيطر على أهم مفاصلها . ما شاهدته في المحافظة , كان بنظري , واحداً من أسباب انهيار تعز . أشخاص لا يعرفون لماذا وجدوا هناك في مبنى المحافظة, وماهي وظيفتهم ؟ وهولاء الأشخاص هم من باتوا يمثلون تعز الجديدة , او تعز التي في تعز . على العكس من محافظات كثيرة , يظهر اي تقصير في أداء المحافظة الى المشهد العام , ويشكل عورة , لأن الناس لم يعتادوا من تعز أن تكون هكذا , ويبرز هذا الأمر عندما يغيب الرجل الاول بالذات , . وكلاء المحافظات , في اليمن عموما , لا يشكلون عونا للرجل الاول في المحافظة , بل عبئاً عليه . وبدلا من أن يشاركوه في حل هموم الناس , نجد المحافظ يتفرغ لحلحلة المشاكل التي يفجرها وكلاؤه هنا وهناك , والغالب منهم , يجيدون وظيفة السكرتارية للمحافظ فقط ,في الصباح , وتقمص دور « الزباج» او المحامي , في مقيله عصراً..مناصب شرفية , وهي تركة ثقيلة ابتدعها النظام السابق لمن لا مواقع حقيقية تحتويهم . منصب الوكيل , مكرُمة فقط. بدلا من ترميم الشرخ الحاصل وسط المجتمع , يتحولون الى معاول تزرع شروخاً وانشقاقات مخيفة . بدلا من أن يتحدث عن المستقبل , تجده لا يجيد التحدث سوى في الماضي , واستجرار صراعاته , وهو ما يخلق انطباعاً سوداوياً من الناس , ليس على اولئك الوكلاء , ولكن على كل من يداوم داخل مبنى المحافظة . مثل هولاء , وغيرها من العثرات هي من جعلت تعز , تبدو بهذا الشكل المزري . مسئولون لا يعرفون وظائفهم , تحولوا الى عالة, وأصابوا تعز بالتبلد . نحن نعرف يا محمود ان تعز ليست على ما يرام . يعايروننا بأن تعز « قرية » ومعهم كل الحق , فنحن قرية, لا تمتلك أي مقومات الحياة . الوضع في تعز لا علاقة له بشوقي هايل بالطبع , حتى لا يقوم المنجمون بتأويل كلامي هذا , هي تركة مريرة . حبل التف حول عنق المحافظة منذ عقود . لا هو قتلها , ولا هي استطاعت الفكاك منه . لا يتذكر مثقفو تعز , مدينتهم , الا عندما يستقبلون وافدا من خارجها , ويبدأون بتلقي سهام النقد للوضع البائس فيها . يتحول القادم من صنعاء , كأنه هبط من « نيويورك سيتي » عندما يصل تعز , ويشاهد الاختناق الحاصل فيها صباحا , والموت الحاصل فيها عصرا .. على شوقي هايل ان يدرك انه محافظ لصحراء أسمها تعز . صحراء بحاجة الى حرث حقيقي , وإعادة قولبة كاملة , وتأهيل شامل في مختلف النواحي ؟ هل يُثمر صب جالون من الماء , فقط , في زراعة صحراء قاحلة ؟ تعز بحاجة الى أن تتنفس , تنمويا وثقافيا واقتصاديا وسياحياً. الشارع اليتيم والوحيد في قلب المدينة , تحول الى سوق للباعة المتجولين الذين يسيطرون على نصف مساحته , في حين تحتل الدراجات النارية ما تبقى منه ؟ من أين يمر الناس ؟ *** خلال الفترة الماضية , شرعن كثيرون للانفلات الامني الحاصل في تعز , واعتبروه جزءاً مما هو حاصل في البلد . نعرف ان الوضع الأمني في اليمن, يعيش بالحضيض , لكننا لا نريد من تعز أن تشبه مأرب , ولا نريد من قلعة القاهرة أن تُقلّد جبال «فرضة نهم» , وتأوي الأشرار . تعز يجب ان تظل تعز , وعلى كل الاتعوز الطيبين , ان يباركوا ما هو حاصل فيها من ترميم للصدع الأمني الذي حصل خلال الفترة الماضية .. العنف دخيل على ابناء المدينة , وفي تعز , الوعي المجتمعي , في الغالب , مازال يمقت السلاح , ويكره تجول المسلحين في شوارعها , حتى لو كانوا أضطروا , في فترة مضت , إلى اللجوء اليه , كحل أخير , لمواجهة ألة القمع البشعة التي استخدمت ضدهم .. تتحول تعز الى مدينة مقرفة , عندما يتصدر المسلحون المشهد العام فيها .التعزي الحقيقي لا يمكنه القبول بالنشاز الذي يحدثه شيخ بموكبه المتخلف في احد شوارع المدينة , أو يسامحه على تشويه جمال المدينة المتبقي , سواء كان هذا الشيخ محسوبا ً على قريته , أو حزبه , أو توجهه الثوري . تعز تعرضت للغدر , والتشوية كثيراً , وعندما نقول ان النظام السابق , هو أكبر السفاحين بحقها , لا نرمي التهم جزافا , بل نقول حقيقة . حقيقة إنه نظام انتقم من تعز بكل أدوات الموت . تعز الحاضنة لتعداد سكاني ومديريات , ظلت منذ ولادتها محافظة واحدة , فيما ثلاث مديريات بشق صنعاء تتحول الى محافظة أسمها عمران من أجل المشاريع التنموية والاعتمادات . . تعرضت للخيانة من نخبها , ومثقفيها , الذين يخجلون من طرح قضاياها في مؤتمر الحوار , او في أي طاولة نقاش سياسية , حتى لا يظهرون أمام الغير « مناطقيين » , ويذهبون للدفاع عن قضايا محافظات أخرى , بكل استبسال . تعرضت للدهس من مشائخها « الصغار» , الذين يقلدّون مشائخ شمال الشمال بالاستعراض الكاذب للمواكب والمرافقين , ويتمرنون على القتل والخطف في شوارعها العامة . تعرضت للغدر من أحزاب أنانية , لا تتذكر تعز إلا وبيدها السم الذي ستدسه لها . حتى وهم يتفقون على قتلها , يريد كل فصيل منهم أن يكون أقل رأفة بها من الفصيل الآخر , بكمية السموم الملقاة لها . تعرضت للتشويه من قبل عصابات ملأت الشوارع , للصوص ينهبون روح المدينة , بتواطؤ حقير من الجميع .. حان الوقت ليفيق الجميع . اتركوا الأحزاب اللعينة , وحبوا تعز , فهي تستحق الحب حتى وان كانت قرية . فلا أجمل من الريف الهادىء , ثم أن الأرياف تتمدن لا محالة . عندما نشاهد شحنات السلاح , تتدفق من سواحلها , كل أسبوع , علينا ان ندرك أن تعز تتعرض لمؤامرة قذرة , ونتكاتف جميعا لإفشالها .. على أبناء تعز أن يقفوا جميعا ك«جدار عازل » في وجه شحنات الموت القادمة من سواحل ذباب وموزع والمخا . أن يبصقوا في وجه كل مريض يريد أن يتقيأ , أسقامه في هذه المدينة البريئة , ويُظهرها كمخزن لأدوات الموت . تعز تحلم باستيراد الماء , لا المسدسات التركية . نتمنى أن لا يأتي اليوم الذي نقول فيه : كانت هنا تعز . المدينة تشيخ , وبحاجة الى تدخل عاجل . Sms الى المحافظ شوقي هائل : لكل مسئول حكومي دستة من المنافقين , ومعك انت فقط أكثر من دستة . واحدة لأنك محافظ , واخريات لأنك شوقي هائل , ولذلك أنت تعاني وستعاني . البصمات الجميلة التي تطبعها على خد تعز , تطبعها انت , لا هم , ونتائجها , والثغرات المتبقية , ستشاهدها أنت بعينك , ولست بحاجة الى نظارات D3. الخطوات الصحيحة لتعزيز مكانة تعز , تنمويا وامنيا وثقافيا , ستلقى مباركات من كل أطياف تعز وجبالها , ونجاحك في تحصين تعز من السلاح , والتفاعل المجتمعي الحاصل , يتطلب منك صعق المدينة بالمزيد من المفاجآت والانجازات المطلوبة . الى مدير امن تعز : المشكلة الامنية في المحافظة ليست مستعصية . هي بحاجة الى كثير من العمل , قليل من الكلام .. عندما طردت احد اعضاء مؤتمر الحوار الوطني من مكتبك , لانه سألك عن الوضع الأمني , وضع كثيرون عليك علامة استفهام , لكن عندما تخاطب صحفيين على باب دورة تدريبية ب« يا دحابشة» , فذلك يضع امامك الكثير من علامات الاستفهام .هل بخت تعز في مدراء أمنها ؟ *[email protected]