الصديق العزيز فكري قاسم تحية رمضانية رمضان من حق تعز، هذا الذي اتعرف عليه للمرة الأولى. مثل الاف من ابناء هذه المحافظة، نمت حياتي خارجها، الحقيقة ليست هجرتنا نحن منها، للداخل أو للخارج، بل هجرتها هي من داخلنا.. لكأنها تحس هي بالغربة فينا.. بالغياب في أعماقنا فتسافر مبكرا منا ب"لا فيزا ولاعنوان".. وبخاصة نحن الذين نستقر في صنعاء. صنعاء، التي تشكو هي الأخرى من عدم انتماء اهلها لها.. وكل أهل هذه الأخيرة قادمون من الريف.. يبحثون عن مصالح مدنية ولكن بعقل ريفي.. وعاطفة ريفية.. وانتماء ريفي.. تتلقفهم دولة ريفية العقل.. قاحلة العاطفة. في شارع هايل، ارياف تعز.. في شارع خولان، ارياف ذمار ومحافظة صنعاء، في الحصبة أرياف حجة وصعدة واجزاء أخرى من المحافظة لا من العاصمة.. في الصافية ارياف المولدين الافارقة.. بوادي حضرموت.. في المدن السكنية الجديدة ارياف شبوة وعوائل المولدين الخليجيين سعوديين وكويتيين.. تخيلوا هل هذه مدينة أم معكسرات تستعد للاحتراب. هكذا تبنى الارياف.. خلافا للاسواق والحواضر. واذا صنعاء ضايعة بين البين. وفي صنعاء، مرت اغلب رمضانات حياتي.. بداياتها الأهم.. هذه أول مرة أكون في تعز أول أيام الشهر.. وكأني مستشرق -كما يقول سامي غالب كلما اكتشفنا كم نحن جاهلين ببلدنا الكبير، التي تصادرنا عاصمته مواطنين في دولة النقطة. كالمستشرق اكتشفت جوا تعزيا جميلا لرمضان. غضب مني بعض من قلت لهم ذلك عبر موقع الفيس بوك. قالوا اني واحد ممن عقوا صنعاء التي استقبلتني و... و... وتعرف حديث من يريدون تعليم الاخرين دروسا في القيم والمثل، وهو ليس سوى دليل انهم اصلا لاينتمون لانفسهم وادميتهم.. هم. لست ضد صنعاء، بل أنا حتى لا اتحدث عنها هنا.. هي مثلي غائبة في ذلك التجمع السكاني الضخم الذي يكبر ليخدم بعضه بعضا، بدون قصد. يسكن هذا هنا لانه قدر على شراء ارض.. فيستأجر منه اخر دكانا ليبيع له ولعائلته.. ويكتشف آخر المكان فيقدر انه بحاجة لمطعم.. وثم صيدلية... وهكذا تجد صنعاء نفسها مسكونة بالجميع.. وليس لها وكيل عام يطالب الجميع بادراك انهم لم يعودوا في قراهم.. لذا تختنق هي بتناقض السلوكيات.. وتستسلم للغلبة والقوة.. لايترك القبيلي أيا من عاداته.. بل يحولها بعنجهيته الفطرية الى كونها العادة الجمعية التي يدان من يخالفها.. ويضطر الضعيف إما للاستسلام او لسلاح اللؤم والعصبويات.. وهكذا. وجدت في تعز جوا مختلفا.. من مساجدها وحتى فرزات الباصات.. ليسوا أفضل من اهل صنعاء.. فمرة ثانية صنعاء تتحول مع الايام الى مجرد مقلب تسكبنا فيه بوابير سلطتنا المركزية.. فحين نقول صنعاء فإذا نتحدث عن التعزي والابي واللحجي و.. و.. فقط نسختنا التي تتضح معالمها هناك. نعم، البشر انظف في تعز.. ملابسهم ليست انيقة لكنها نظيفة.. انا اتحدث عن تعز وليس عن ابناء تعز.. ستجد ابن ريمة او ابن صبر او ابن جبل حبشي في تعز انظف من اخوانهم من نفس المناطق الذين يعيشون في صنعاء.. هذا وتعز بلا ماء. دعني اعترف هنا فكري.. اني لم الاحظ هذا بسهولة.. لم انتبه له الا بعد ان سمعت المقارنة بشكل مباشر.. وعادنا بدأت أقاور.. وقليلا قليلا.. رأيت الفوارق مذهلة.. قال لي صديق آخر ايضا، حين زار صنعاء: جدران المنازل هنا.. الابواب.. الشوارع ليست مستقيمة.. يعني عوجاء.. ربما تجد في تعز الكثير.. لكن اغلبية المباني لاتقول ماتقوله المباني في صنعاء مثلا والتي تشكو كأنها جميعا بنيت على عجل خوفا من سيارة البلدية. كنت اتحدث عن رمضان.. لكن الكل شدني.. تعرف حين تكتب بتوتر وقلق.. فهذه قضايا قد تتحول وكأنها دعوات عنصرية.. مع اني اتحدث عن المكان لا عن الاشخاص. اهل تعز، كلهم يتحدثون عن تعز القرية.. ويقولون انها كل عام وهي تزداد قروية.. وهم هنا يتحدثون فقط ليقولوا بعدها ان الدولة ضد تعز.. ولست مع هذا مطلقا.. اصلا ليست لنا دولة حتى تكون مع تعز أو عدن.. صنعاء بكلها مظلومة حيث ليس لها دولة.. اتحدث عن دولة مدنية.. مش عن لافتات عصبوية. فقط نمط الثقافة الاستهلاكية في تعز يخنق المدينة.. التعزي في الغالب بخيل،، هكذا تقول ملامح سوق المدينة.. لاتتحدثوا عن الفقر.. ففي المدينة والمحافظة ولو حتى بس ثلث سكانها ليسوا فقراء.. لكن لا اثر لهم في السوق.. ليس هناك مرافق تخدمهم.. والفقراء هم ايضا مراتب.. وطالما هم يعيشون فاذا سيتوجب ان تظهر فوارق التسوق بين الجميع.. لكن في تعز لاتظهر.. وخاصة انها تختلف عن عدن مثلا بان سكانها اصيليون.. بمعنى لايتجدد سكن المدينة.. لذا يتحكم السكان الأصيليون -بياء قبل اللام- بمظهر التسوق.. المجتمع العدني وهو قريب من المجتمع التعزي.. لكن مدينته قبلة لالاف من البشر على مدار الزمن لذا لايمكن قياس حركة السوق في عدن لثقافة اهلها.. ككل المدن المماثلة من دبي الى نيويورك. ليس في تعز مرفق واحد يقول ان الثقافة الاستهلاكية في تعز تنمو.. لا مغسلة واحدة تشبه الطيف مثلا او بلاك اند وايت في صنعاء. لا مطعم واحد لن نقول كزورباس.. لا بل ولا حتى كالخطيب او الشلال في صنعاء.. لا مقهى واحد لغير الاكل والشرب العاجل.. وابن الحاج والشعبي لم يتكررا حديثا.. ربما الاسابيع الآخيرة شهدت تغيرا طفيفا في محلات التسوق الغذائي.. لكنها لاتشبه لن نقول شميلة هاري أو هابي لاند.. بل ولا الجندول او الاقل والاقل.. مثلها لامحلات انترنت.. صوالين الحلاقة والكوافيرات.. الاف العناوين التي تدل على الحياة. اتحدث عن الحياة بغض النظر عن شكل النظام السياسي. واذا علمنا ان اغلب ملاك مؤسسات الخدمة الكبيرة في صنعاء هم من تعز، ويحافظون في صنعاء على تعزيتهم.. يحافظون بسبب لامدنية صنعاء او بسبب موقفهم هم الاجتماعي.. فإذا هم لايفتحون فروعا في تعز لأن سوقها ميت. السلوك الاستهلاكي لمواطنيها ضعيف. او -وهو الأسوأ- وعيها الاستهلاكي متخلف.. اقول الوعي لان المسألة تتعلق بادارتك للألف والألفين وليس بكون معك مائة الف او عشرة. قد تشتري من لولو سنتر بارخص مما تشتري من بقالة الحارة. عدا ذلك، في تعز حياة مختلفة.. تلك الحياة التي تفتقدها صنعاء.. لاتجد تلك التجمعات الكبيرة التي تستقبل مغرب تعز في شواع الحارات من مختلف الاعمار في اي مكان في صنعاء ولا حتى في صنعاء القديمة. طرمبة الباب الكبير، تصر على التمساك في تعز.. تلك الكثافة من الخضروات التي تدل على استهلاك عالي في تعز للخضروات. نعم ليل نخب تعز السياسية والثقافية بائس.. لامجمع سمر او مقيل لنخب هذه المدينة.. لكني لست مهتماً الان بموضوع النخب.. فصنعاء تعج نخباً.. لكن لاتجد لها قيمة حين تقيم السلوك العام للمدينة.. حتى مقاهي اليسار القديمة في القاع لم تعد مميزة.. والمد الديني لايؤسس اي حضور في هذه الشوارع. الذي اثار لدي حفيظة الكتابة.. التي استسمحك ان اواصلها لاعداد قادمة..هو السلوك في الشارع.. عن الناس العاديين. وسبب رسالتي لصحيفتك أني وجدتها صارت لهذه المدينة حديثا. في هذا الجمع كله، صديقي فكري وجدتك بين ايدي الناس. بين يدي عجوز بالكاد يمكنه التفريق بين الحروف رغم نظارته الكبيرة.. وشاب يلبس بنطلون جينز ابو تفحيطه. لم ار صحيفتك بأيدي نساء.. لأن نساء تعز كبقية نسوان البلاد لانعرف مابأيديهن أولا.. وثانيا لايقرأن خارج البيوت. ينمو جيل جديد من الخدمات في تعز، مثلما حضرت قبل سنوات باصات النقل.. الان يتمدد حضور الموتورات. ودوما تعاني تعز من انها مجرد محطة بين الريف وصنعاء أو عدن او غيرها من المناطق التي يبحث فيها شباب لم تعد العصبية الجمعية تساعده على توفير مقومات الحياة ماديا، لكنها تظل عاجة بالحركة. يبتعد شبابها وكبارها كثيرا عن السياسة.. اليسار فقد علاقته بشارع اليوم.. والاسلاميون كبروا في تعز للحد الذي اصطدموا بالاسئلة اليومية للحياة فتوقفوا.. عندهم لايزال التقييم فكرياً.. والحياة تتعب حين يراد لها ان تسير بالمسطرة.. تماما كما حدث لدول عظمى كالاتحاد السوفيتي مثلا.. واللقاء المشترك مختنق بالسياسات الكلية للدولة.. لم ينتبه انه لو نسي التداول السلمي للسلطة ثلاث سنوات وانشغل بتجديد العلاقة بينه وبين الشارع.. لماجاءت الانتخابات الا وعجزت كل قدرات المؤتمر عن كسره. سيسألون الان كيف.. لكأن الاشتراكي لايعلم كيف تمدد حضوره في اعقد مراحل القمع.. لكأن الاخوان لم ينمون الا بحماية الدبابة والمدفع. ليست صحيفتك، صوت كل هؤلاء، لكن هذه المحافظة وجدت صحيفتك حديثا.. واظن رغم الصعاب التي اعرفها تماما، ورغم الارهاق التي قد يمثله كمافعل معك سائق الدراجة النارية المشغول بتغيير حكومة مجور.. فإن شكرها لك واحتفاءها بك.. يعني لك شيئا.. فقلت ابلغك اني لمسته كزميل لك.. وبسببه احييك.. ايها القريب من يوميات البلاد. *عنوان المقال كما نشره موقع نيوزيمن "لماذا نسي الاخوان والاشتركيون كيف نموا.. صار لهذه المدينة حديث" [email protected]