ومعناه: ذو السلامة من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله, فهو الذي سلمت ذاته عن العيب والشريك والشبيه والمثيل والتغيير, وسلمت صفاته عن النقص والتناقض والاختلاف, والسلام هو الذي سلم له ملكه في الدنيا والآخرة يتصرف فيه كيف شاء وفق علمه وإرادته وقدرته; فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه, والسلام هو من يستمد منه السلم, وإليه يعود, فكل سلامة معزوة إليه صادرة أصلا عنه, وهو الذي يسلم يوم القيامة علي أوليائه; فيسلمون من كل خوف; قال تعالي: تحيتهم يوم يلقونه سلام,الأحزاب:44]. وقد جعل الله عز وجل تحيته إلي عباده في الجنة السلام قال تعالي: سلام قولا من رب رحيم,يس:58], وقال: دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين,يونس:10]. و كان النبي صلي الله عليه وسلم يستفتح به عقب الصلوات: االلهم أنت السلام ومنك السلام, تباركت ذا الجلال والإكرام(رواه مسلم:414/1), كما أمر صلي الله عليه وسلم المسلمين بأن يفشوا هذا الاسم وينشروه في الناس بقوله: اإن السلام اسم من أسماء الله, فأفشوه بينكم(رواه البخاري بسند حسن في الأدب المفرد:358/1), وفي ذلك لفتة طيبة للمسلم في أن يتشبه بالملائكة حين تستقبل أرواح المؤمنين بالسلام وبالبشري, قال تعالي: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون,النحل:32], وأيضا أن يفعل مثلما يفعل أهل الجنة حيث إنهم لا يسمعون من القول ولا يتحدثون بلغة غير لغة السلام, قال تعالي: لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما. إلا قيلا سلاما سلاما( الواقعة:25-26). ومما سبق نجد إشارة قوية للمؤمنين أن يجعلوا من اسم االسلام تحيتهم يلقونها علي الناس, وأن يكون شعارهم في جميع مجالات الحياة في المسجد والمعهد والمصنع والمتجر; فالسلام شعار يلقيه المسلم علي أخيه الإنسان كلما لقيه وكلما انصرف عنه, ويؤيد ذلك قوله صلي الله عليه وسلم: اإن السلام اسم من أسماء الله تعالي وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا, وأمانا لأهل ذمتنا( المعجم الكبير للطبراني:109/8), فإذا قال المسلم لأخيه: السلام عليكم. فكأنه يخبره بالسلامة من جانبه ويؤمنه من شره وغائلته, وأنه سلم له لا حرب عليه. والسلام أيضا جواب المؤمن ردا علي الجاهل:وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما,الفرقان:63], وذلك لسلامة المؤمن من العيب والإثم. والمسلم يجد من هذا الاسم العظيم منطلقا إلي تحقيق السلام بينه وبين نفسه, وبينه وبين الناس, فعن الطفيل بن أبي بن كعب أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلي السوق, قال: فإذا غدونا إلي السوق لم يمر عبد الله بن عمر علي سقاط أي بائع المتاع الرديء ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه( رواه مالك في الموطأ:961/2). وحظ المسلم من هذا الاسم أن يسلم قلبه من الغش والحقد والحسد وإرادة الشر; فكل عبد سلم قلبه عن ذلك وسلمت جوارحه عن الآثام والمحظورات وسلمت صفاته عن الانتكاس والانعكاس; فهو الذي يأتي الله تعالي بقلب سليم, وهو السلام من العباد المتعلق في وصفه باسم الله السلام المطلق الحق. والانتكاس في الصفات بأن يكون عقل العبد أسير شهوته وغضبه; فالواجب عليه عكس ذلك وهو أن يكون الغضب والشهوة أسيرين للعقل وطوعه; فإذا انعكس فقد انتكس, ولا سلامة حين يصير الأمير مأمورا والملك عبدا, ولن يوصف بالسلام والإسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده, وكيف يوصف به من لم يسلم هو من نفسه! ولذلك أمر الله المؤمنين بأن يؤمنوا ويتقوا ويصلحوا ذات بينهم ويخلصوا له في القول والعمل ويتعاونوا علي البر والتقوي ويعملوا جاهدين علي تعمير الأرض لا علي تدميرها وتشويه معالمها وإفساد الموازين التي وضعها الله لإحقاق الحق وإبطال الباطل وإقامة العدل بين الناس جميعا علي أساس من الحب والتفاهم والمساواة والاحترام المتبادل بين الخاصة والعامة وبين الأقوياء والضعفاء, بحيث ينال كل امرئ ما هو في حاجة إليه ويصل إلي ما يبتغيه دون حرب أو خصام, ذلك هو الأمن والسلم الذي يستمد من الله السلام. فاللهم حقق فينا وبنا وبيننا السلام, واجعلنا سلما لأوليائك ولمن سالمنا من خلقك.. آمين.