يقول الخبير السياسي الايراني "سيد ياسر جبرائيلي" اننا نتفق مع السيد اردوغان ان احداث تركيا ان لم تتفجر بسبب قطع 10 او 15 شجرة في متنزه جيزي لوجد المحتجون ذريعة اخرى لتفجير الاوضاع في تركيا؛ لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا قرر سوروس وشركاؤه الغربيون فجأة خلط اوراق اللعبة في تركيا ؟. طهران (فارس) ويتابع قائلا ان وكالة انباء فارس كانت قد نشرت العام الماضي مقالا قدمت فيه تحليلها عن جذور فقاعة النمو الاقتصادي التركي منذ بداية عام 2003 فما بعد. وجرى الاشارة في المقال الى ان نمو الاقتصاد التركي كان بفعل الاستثمارات الاجنبية، وانه رغم الزيادة المصطنعة للناتج المحلي الاجمالي،الا انه كبد انقرة ديونا خارجية وعجزا كبيرا في الميزانية. واكد المقال آنذاك بان انموذج النمو التركي، هو اعادة تطبيق لمشروع غربي مماثل جرى تنفيذه قبل ذلك في افريقيا الجنوبية، وان توقفت عملية استقطاب الاستثمارات فان تركيا ستواجه مأزقا كبيرا. وقد لقي المقال الذي نشر تحت عنوان "بالونات الاقتصاد التركي؛وهم النمو وفقاعة التنمية" اقبالا واسعا من قبل النخبة من جهة، وانتقادات كثيرة بسبب النظرة الايجابية لظاهرة "الاستثمارات الخارجية" في الاسس الاكاديمية للاقتصاد الدولي من جهة اخرى. واليوم حيث ان الازمة والاضطرابات تعصف بالاوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تركيا، ارتأينا بان نستعرض هذا الموضوع ثانية نظرا الى المعطيات الجديدة التي لم تكن متوفرة آنذاك، لرسم صورة اكثر واقعية عن الاقتصاد التركي. ويضيف جبرائيلي: هناك تحليل حول تركيا يحاول بوضوح الربط بين التقلبات الاقتصادية لهذا البلد وصناعة السياحة. وقد جرى نشر هذا التحليل العام الماضي ايضا ردا على مقال وكالة انباء فارس للتشكيك حول دور الاستثمارات الاجنبية في النمو الخارق للاقتصاد التركي من جهة، والربط بين التقلبات الشديدة التي تشهدها بورصة واسواق تركيا مع انخفاض عدد السياح الوافدين على مدينتي اسطنبول وانتاليا - بسبب اضطرابات الشارع- من جهة اخرى. دراسة الاحصاءات السابقة واللاحقة، ليس فقط تكشف عن ضرورة اعادة النظر في هذا التوجه الاختزالي، بل تؤيد ما يطرح حول الدور الكبير للاستثمارات الخارجية في الاقتصاد التركي وتفتح نوافذ جديدة لتفسير الواقع الذي يعيشه هذا البلد في الوقت الراهن. فالسياحة تعد من الصناعات المدرة للارباح على تركيا حيث حصل هذا البلد على عوائد تقدر ب 10،3 مليار دولار خلال عام 2000 ليشهد هذا القطاع زيادة في معدل العوائد تصل الى ثلاثة اضعاف ليبلغ خلال العقد الاول من القرن الجديد الى 33،2 مليار دولار. ان هذا النمو لافت وجدير بالاشادة، ولكن ان اخذنا بنظر الاعتبار ان قيمة الناتج المحلي الاجمالي لتركيا بلغت 772 مليار دولار خلال عام 2011 ،لوجدنا ان العدد المذكور لقطاع السياحة ( 33 مليار دولار ) لايمكن ان يلعب دورا كبيرا في تقلبات الاقتصاد التركي . وما يعزز هذا التوجه هو تقرير اللجنة الدولية للسياحة والاثار التي اعلنت بان صناعة السياحة حازت على 4،3 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي التركي لعام 2011 . لذلك لايمكن اعتبار تقلبات هذا القطاع الاقتصادي بانها العنصر الرئيسي في تحليق وانهيار الاقتصاد التركي . ويتابع قائلا: الحقيقة هي ان الغرب وبهدف تقديم الانموذج التركي الى شعوب المنطقة باعتباره بلدا "مسلما وعلمانيا في نفس الوقت" استثمر منذ عام 2003 ولحد الان اكثر من 140 مليار دولار في تركيا ما ادى الى نمو مزيف في اقتصاد هذا البلد. لقد بلغت شهرة تركيا قرى ايران ايضا ومن هنا نستطيع ان ندرك بان الغرب عكس نفس هذه الصورة عن تركيا في اذهان دول المنطقة وهذا هو السر الذي يكمن وراء التصريح الذي ادلى به السيد اردوغان خلال زيارته لتونس مخاطبا المصريين بكل ثقة - وبالطبع التونسيين ايضا- ان كنتم تريدون تحقيق التقدم فعليكم بالعلمانية. الاستثمارات الاجنبية "ليس فقط لا تعد ظاهرة منبوذة وماساوية ، بل ان تم رصدها في مجالات البنى التحتية والانتاجية وان لا تشكل ركيزة لاقتصاد البلاد ، فانها ظاهرة مباركة؛ ولكن في خصوص تركيا فان العكس هو الصحيح، لان غالبية الاستثمارات الاجنبية في تركيا لم يجر استثمارها في البنى التحتية. من جهة اخرى وبسبب ان نمو الاقتصاد التركي لم يكن داخليا بل بسبب الاستثمارات الخارجية فان معدل خروج هذه الاستثمارات سبق معدل استقطابها لنرى اليوم بان تركيا تواجه ديونا خارجية تقدر ب 51 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وتواجه عجزا في الميزانية يقدر ب 41 مليار دولار. وهنا نستطيع في مقابل مفهوم "التنمية بفضل الاستثمارات الخارجية المباشرة " ابداع مفهوم "التنمية المرتبطة بالاستثمارات الخارجية المباشرة " لنبين بناء عليها اسباب التوترات الاقتصادية التركية والظواهر المماثلة لها . ويرى المقال ان الحكومة المتكلة على الاستثمارات الاجنبية تعيش في دورة مفرغة فهي من جهة وبسبب ارتفاع معدل خروج الاستثمارات مقارنة بدخولها للبلاد (يجب الالتفات الى ان المستثمر لن يستثمر ما لم يضمن الحصول على ارباح في استثماره) ستتكبد ديونا وعجزا في الميزانية، ومن جهة اخرى فانها ومن اجل تسديد ديونها الخارجية وسد عجزها -لانها تفتقر الى الاقتصاد المنتج- سيكون مستقبلها منوطا بدخول الاستثمارات الخارجية. ومن هنا يمكن تفسير مسالة تسديد انقرة لقسط كبير من ديونها الى صندوق النقد الدولي خلال الاعوام الاخيرة ، حيث انها من جهة اخرى باتت مدينة للكارتلات الاجنبية. فما دامت عملية دخول الاستثمارات جارية في البلاد او يحافظ المستثمرون على استثماراتهم، فان من الممكن ان تتأخر ظهور علائم المرض الاقتصادي في مجالات العمالة والقوة الشرائية للمواطنين وقيمة العملة الوطنية ؛ لان الازمة ستبدا حين تتوقف عملية استقطاب الاستثمارات الاجنبية او تخرج الاستثمارات من البلاد. ويوضح جبرائيلي ان دخول وخروج الاستثمارات في اي بلد له علاقة مباشرة بالاستقرار السياسي لذلك البلد . بمعنى انه كلما ينخفض معدل الاستقرار السياسي فان المستثمر الاجنبي يشعر بهواجس حيال استثماراته ويرغب بنقلها الى مكان آخر، وهذه هي المسالة التي تهدد الاقتصاد التركي المتكل على الاستثمارات الاجنبية في الوقت الراهن.وخير دليل على ذلك تصريحات "ارديم ياشجي" رئيس البنك المركزي بتركيا الذي صرح عقب الاضطرابات التي شهدتها تركيا بسبب ازمة متنزة "جيزي"القاضي بانه تم سحب اكثر من 8 مليارات دولار من سوق الاستثمارات وان مؤشر البورصة انخفض بنسبة 12 بالمائة وان قيمة الليرة وصلت الى ادنى حد لها في مقابل الدولار خلال ال17 شهرا الماضية، فضلا عن ان الاحتياطي الفدرالي الامريكي اعلن بانه قد يعيد النظر في الاستثمارات الجديدة داخل تركيا. ويتابع المقال: لقد قلنا فيما سبق ان وجود ونشاط المستثمرين والشركات الخارجية وفضلا عن الهيمنة الاقتصادية يؤدي الى الهيمنة السياسية للغرب على تركيا. تبعية واتكال الاقتصاد التركي على الكارتلات الاجنبية التي في غالبيتها غربية ادى الى تقويض استقلالية الحكومة التركية على صعيد القضايا الداخلية والخارجية وخير دليل على ذلك مواكبة السياسية الخارجية التركية للغرب في خصوص الدول الاسلامية مثل ليبيا والعراق وسوريا وفلسطين. لكن النقطة المدهشة حول تداعيات هذه التبعية هي ان المستثمر الاجنبي ليس فقط بامكانه الضفط على البلد المضيف من الناحية الاقتصادية باستثماراته، بل انه يستطيع طرح بعض المطالب السياسية والتوغل بين الشرائح الاجتماعية لتشكيل معارضة داخلية بغية تعزيز دوره وزيادة ثقله السياسي؛ الامر الذي نشاهده اليوم حيث تحولت المعارضة المدنية الى مشكلة اساسية تزعزع الاستقرار في تركيا وتهدد الاستثمارات الاجنبية. وهذا بالضبط هو المجهول المكشوف الذي يمكننا تفسير الاضطرابات الاخيرة في تركيا على اساسه. ويضيف المقال في جانب آخر منه انه ومن خلال المؤشرات التي يرسلها الاعلام الصهيوني والمسؤولون الاتراك حول اسباب الاضطرابات نستطيع التعرف بوضوح على اسم "جورج سوروس" المستمثر اليهودي الشهير على صعيد اثارة الثورات المخملية، والذي قام باستثمار ملايين الدولارات في تركيا خلال الاعوام الماضية. **السيد اردوغان يتهم بصراحة "جورج سوروس وشبكته بالوقوف وراء احداث تركيا". ولا يخفى ان سوروس بتاريخه في مجال الثورات المخملية بالمنطقة استطاع عبر استثماراته الكبيرة فتح منافذ للتوغل بين المجتمع التركي وتشكيل معارضة مدنية بفضل استثماراته خدمة لمآربه في تركيا. ومن هنا فاننا نوافق الرئيس التركي في مقولته القاضية بان الاحداث ان لم تتفجر بسبب قطع 10-15 شجرة لوجد المحتجون ذريعة اخرى لتفجير الاوضاع في تركيا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا قرر سوروس وشركاؤه الغربيون خلط اوراق اللعبة في تركيا ؟. فهل صحيح ما يقوله المحللون، بان اردوغان يعاقب من قبل الغرب بسبب ادائه الضعيف حيال تحقيق مطالبهم الاقليمية وعجزه عن منع وصول الاسلام السياسي الى سدة الحكم في الدول التي شهدت صحوة ثورية ؟ هل تم تقديم طلبات جديدة الى حزب العدالة والتنمية قاوم امامها لكي يتم تنظيم هذا العصيان المدني في تركيا؟ هل ان جورج سوروس له منافع شخصية ليثير هذه الفوضى؟هل ان القيود الجديدة التي فرضتها الحكومة على استهلاك الكحول وبعض السياسات الاسلامية على اعتاب انتخابات 2014 - والتي جاءت بهدف امتصاص غضب المجتمع من سياساته المناهضة للمقاومة - تقاطعت مع الالتزامات العلمانية لحزب العدالة والتنمية لتثير سخط الغرب ؟ هذه اسئلة قد يكون الرد عليها بحاجة لمعلومات لا تتوفر سوى لدى المسؤولين الكبار في الحكومة التركية. لكن مهما كانت الاجابة، فان هذه الاضطرابات كشفت عن حقيقة باتت ظاهرة للعيان وهي، لا يمكن ان تكون مسلما وليبراليا في نفس الوقت،لايمكن ان تتحدث عن الاسلام وتتمسك بالحجاب وتقيم مخيما في معسكر الغرب والصهاينة. فاليوم انكشف للجميع حقيقة هشاشة اسس الاقتصاد التركي "المتقدم" الذي وقع في مصيدة الاستثمارات الاجنبية من جهة، وفقد السيد اردوغان وحزبه مصداقيتهم بين المسلمين الاتراك وجبهة المقاومة، والدليل على ذلك ان رئيس الوزراء كان قد وعد بان يقوم بتعبئة مليون شخص في مقابل كل مائة الف محتج، ولكنه فشل. وللاسف فانه مع استمرار هذه الوتيرة فان هزيمة هذا الحزب في الانتخابات المحلية والرئاسية لعام 2014 ستكون محتملة. /2819/