فكري قاسم أفكر أن أحدثكم طويلاً عن الصورة المكبرة للقاهرة. عن الحسين، والسيدة زينب، وقهوة الفيشاوي، وميدان التحرير، وقبر عبد الناصر.. وقبر خوفو .. وتسريحة شعر هند رستم، لكنني لست صحفياً ب"طربوش!". وأفضل أن حدثكم الآن عن ليل القاهرة الذي لا ينام ؟ كانت الساعة الثالثة فجراً وأنا في بطن تاكسي يمر من تحت كوبري صغير يؤدي إلى سور مجرى العيون، (سنة 2003 طبعا ) وفجأة طار النوم من عيوني وأنا ألمح زحام سيارات كأننا في عز الظهيرة ! سألت السائق :"دائماً يحدث مثل هذا الزحام" قال :"هو أنته لسه شفت حاجه ؟ .. إحنا في الصيف ؟!".. إحنا في اليمن صيف وإلاَّ شتاء بعد 11ليلاً تنطفئ مدننا كلها .. من يرى كآبتنا تلك يظن الشعب كله "شقاة" ينامون بدري عشان يصحوا بدري يطلبوا الله ؟! المدن التي تزداد فتنتها وحيويتها في الليل هي مدن أشبه بفساتين السهرة، يتم تصميمها بعناية، وبإشراف عبقري من قبل أناس يعرفون جيداً كيف يكون الجمال.. عكس المدن - المعسكرات - التي تفرض عليك وصايتها وتذكرك دائماً ب"كيس النوم" العفن ؟! من الطبيعي جداً أن تكون القاهرة كذلك، فمدينة يسكنها قرابة 22مليون نسمة، ويزورها ثلاثة إلى أربعة ملايين سائح في العام الواحد .. لا بد أن تكون فستان سهرة لم يخطر على بال الأميرة شهرزاد .. كما لم يخطر على بالي إطلاقاً أني سأشتري إسويرة كريستال بثلاثة أضعاف قيمتها وأنا راضٍ بذلك وأضحك من أعماق أعماق قلبي !! كيف حدث هذا؟ أين؟ وببساطة التقطني أحد الباعة المتجولين في شارع (طلعت حرب) وأخذ يناديني كأنه يعرفني منذ سنين طوال ويقول :"إيه يابيه .. يابو يمن .. صنعاء، حضرموت .. سوق الملح، عبد الله صالح ، إلخ ....! المهم رص لي كل ما يعرفه من أسماء في اليمن وسردها دفعة واحدة دونما جملة مفيدة على الإطلاق حتى ضحكت من قلبي واشتريت أسويرة أول ما أعطيتها هدية لأختي رمتها في وجهي وهي تلعن ذوقي العفن!.. [email protected]