شكرا للقضاء التونسي المستقليتميز القضاء التونسي باستقلالية نسبية تحسده عليها معظم دول الجوار المغاربي الى جانب دول المشرق العربي، فقد اجتاز هذا القضاء اختبارات عديدة لمصداقيته كان آخرها يوم امس عندما رفضت محكمة تونس الابتدائية دعوى قضائية اقامها 'المكلف العام بنزاعات الدولة' لمنع قناة فضائية خاصة من بث مقابلة مسجلة مع السيد سليم شيبوب احد اصهار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. المقابلة التي جرى تسجيلها في دولة الامارات العربية المتحدة كان من المقرر ان تبث يوم الخميس الماضي، لكن محطة 'التونسية' التلفزيونية لم تتمكن من ذلك بعد استصدار ممثل الحكومة التونسية اذنا بوقف بث المقابلة الى حين البت في الدعوى القضائية المرفوعة. طلب منع بث المقابلة، ومن قبل حكومة وصلت الى السلطة في انتخابات نزيهة وحرة خطأ يتعارض مع كل القيم الديمقراطية التي انطلقت الثورة التونسية من اجل ترسيخها. نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي ارتكب جرائم عديدة في حق الشعب التونسي، ولكن الجريمة الاكبر في نظرنا هي مصادرة الحريات، وفرض رقابة صارمة على الاعلام ومصادرة الرأي الآخر. الحكومة التونسية الحالية جاءت على اكتاف الثورة التونسية التي اطاحت بهذا النظام، والتزمت بفتح الباب على مصراعيه امام حرية التعبير في ظل حماية القانون ومتطلبات التعددية الاعلامية التي تشكل ابرز انعكاسات التعددية السياسية. السيد سليم شيبوب المقيم حاليا في مدينة دبي التي لجأ اليها بعد اندلاع الثورة مثل الكثيرين من اقارب الرئيس بن علي واصهاره، يظل مواطنا تونسيا، ومن حقه ان يعبر عن وجهة نظره في محطة تلفزيونية تونسية، وعندما يحدث امر كهذا، اي دفاعه عن نفسه، والرد على بعض الاتهامات الموجهة اليه، فانه يخدم الثورة ويؤكد على ديمقراطية الحكومة ونزاهتها، وعدم مصادرتها للرأي الآخر مثلما كان يفعل النظام السابق الذي يحسب عليه، وربما تربح منه صهر الرئيس. مقابلة تلفزيونية لا يمكن ان تقلب نظام حكم او تعيد الرئيس المخلوع الى عرشه، في حال بثها، بل ما يمكن ان يحدث هو العكس تماما اي تقديم النموذج المشرق لتونس الثورة، تونس الديمقراطية، وبما يؤدي الى تعزيز التغيير الديمقراطي، واثبات مصداقيته وتنفيذه لوعوده في احترام حرية التعبير، وجعل القضاء النزيه المستقل هو الحكم والمرجعية الموثوقة في حل النزاعات بين الدولة والمواطن. ان رفض القضاء التونسي قرارا حكوميا بحجب هذه المقابلة يشكل انتصارا للعدالة وتأكيدا على صدقيته ونزاهته واستقلاليته، تماما مثلما اعترض هذا القضاء على قرار الحكومة بتسليم السيد البغدادي المحمودي رئيس وزراء ليبيا الاسبق الذي لجأ الى تونس وطلب اللجوء السياسي فيها. الحكومة التونسية التي ارادت مصادرة حرية التعبير بمحاولة منع بث هذه المقابلة، واعادة الرقابة على وسائل الاعلام التي من المفترض ان تكون سقطت بسقوط نظام بن علي هي التي خرجت خاسرة من هذه المواجهة القضائية، والمفترض ان تستوعب الدروس، ولا تقدم على هذه الخطيئة مرة اخرى، خاصة ان قادتها ووزراءها كانوا اكثر الناس شكوى واعلاهم صوتا في معارضة الرقابة وخنق الحريات سواء عندما كانوا في السجون او المنافي.