هذه المذكرة في سلسلة المذكرات التي أعدها باحثو مركز بروكينجز للرئيس الأمريكي باراك أوباما مع بداية توليه فترة ولايته الثانية هي لمايكل أوهانلون الزميل في المعهد والمتخصص في الأمن القومي وسياسة الدفاع، وهي بعنوان «وضع الخفض في ميزانية الدفاع في الحجم المناسب»، وتتمحور حول رؤية الباحث لكيفية التقليل من مخاطر الخفض في ميزانية الدفاع على الأمن القومي الأمريكي، وهو في هذه الرؤية لا يرفض خطة أوباما لخفض تلك الميزانية التي بدأت عام 2011، وإنما يقترح أفكارًا تؤدّي إلى توفير مبالغ كبيرة دون أن يؤثر ذلك سلبًا على الأمن القومي الأمريكي، على نحو ما جاء في تلك المذكرة. يخاطب أوهانلون الرئيس أوباما بقوله إن الإدارة الأمريكية تخطط لإجراء المزيد من الخفض في الميزانية الدفاعية، وأن الأرقام التي تم تداولها تبدو كبيرة للغاية، بحيث أن معظم الساسة، وحتى المواطنين العاديين، لم يعودوا قادرين على فهم ملابسات هذا الخفض، إلى جانب العجز عن فهم كيف ستؤثر الأموال التي سيتم توفيرها من الخفض على الأمن القومي الأمريكي. وهناك من يعتقد أن الخفض الفوري سيوفر قدرًا كبيرًا من الأموال مع مخاطر قليلة، فيما يفترض البعض الآخر أن أي خفض جديد سيؤثر على الأمن الأمريكي، وهو ما يتطلب منكم -الكلام موجه إلى الرئيس أوباما- وضع هذا النقاش ضمن علاقة تربط بين هذا الخفض، وبين الأمن القومي الأمريكي الآن وخلال العقود القليلة المقبلة. التوصية: ينبغي عليكم وضع الجدلية في هذا الموضوع الهام في إطاره الصحيح، بحيث ينتهي إلى المفاضلة بين خيارين: إمّا إجراء الخفض بدرجة طفيفة في إطار الإستراتيجية الحالية، أو تغيير الإستراتيجية الحالية بطرق رئيسة. مع ملاحظة أن الخيار الثاني ينطوي على خطورة، فيما أن الخيار الأول، في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، يستحق المحاولة. الخلفية: إن خطة الخفض على الإنفاق العسكري في ميزانية الدفاع التي بدأتم في تنفيذها في العام 2011 والتي ستستمر لفترة عشر سنوات، ستؤدي إلى تقليل ميزانية الدفاع للقوات المسلحة بمبلغ 350 بليون دولار، هذا إذا لم تخض الولاياتالمتحدة حروبًا طارئة خلال تلك الفترة. كما أن احتجاز بعض الأموال من قبل لجان الخفض الذي أجرته لجنتي سيمبسون - باولس، وريفلين - دومينسي عام 2010 ممكن أن يوفر 500 بليون دولار أخرى على مدى العقد. كما أن تضمن الخطة خفض عدد الجيش ب 100 ألف جندي بشكل تدريجي، وإلغاء بعض برامج التحديث، والمزايا التي كانت في السابق، وعدم زيادة الرواتب (لكن غالبية الجنود سيستمروا في تقاضي رواتب أعلى من نظرائهم في المؤسسات المدنية. تهدف الخطة أيضًا إلى توفير 60 بليون دولارعلى مدى هذا العقد في زيادة كفاءة الجنود على افتراض أن الأسعار ستظل على ما هي الآن خلال العقد. وستكون منطقتي الخليج وغربي الباسفيك بؤرتي التهديد الرئيستين للولايات المتحدة عبر البحار، وستكون الأولوية لغرب الباسفيك . وستحتفظ الولاياتالمتحدة بقدرتها على خوض حربين في ذات الوقت (كما كان الحال بالنسبة لحربي أفغانستان والعراق)، على الرغم من تضاءل إمكانية حدوث ذلك . وستظل أفغانستان وإيران تحظيا بالتركيز على المدى القصير، حيث يبقى 68 ألف جندي أمريكي في أفغانستان، ويظل احتمال إجراء عمليات عسكرية تستهدف البرنامج النووي الإيراني خلال العامين القادمين. ويستطرد أوهانلون في مخاطبته أوباما بالقول: قد تكون قادرًا على خفض الميزانية العسكرية، ولكن ميزانية البنتاجون ممكن في واقع الأمر أن تزداد، وهو ما يعني مزيد من الخفض للميزانية العسكرية. النهج الأول: السعي للكفاءة وليس التخفيضات الكبيرة يمكن توفير مبلغ 100- 200 بليون دولار أكثر من الخفض المحدد في الخطة في غضون عشر السنوات المقبلة من خلال إجراء إصلاحات دفاعية، وقد نحتاج إلى خفض المزيد من القوات والأسلحة لتحقيق هذا الهدف: - يمكن خفض عدد العاملين في الجيش والبحرية (مدنيين وعسكريين) إلى مستويات التسعينيات (450 ألف جندي و160 ألف مشاة البحرية)، والخطة الحالية تهدف إلى الاحتفاظ بعدد أكبر من هذا المستوى. - يمكن تبادل قوات مشاة البحرية وهي في البحر من خلال نقل الطواقم البحرية جوًا إلى الأساطيل وهي في عرض البحر، بدلاً من اضطرار السفن البحرية من العودة إلى الموانىء لتعيير تلك الطواقم، وهو ما يوفر المال والوقت. - ينبغي خفض إجمالي عدد الطائرات المقاتلة من طراز إف- 35 المكلفة الباهظة التكلفة والمدرجة في الميزانية الدفاعية من 2500 طائرة إلى نصف هذا العدد. بدلاً من تصميم جيل جديد من الغواصات، يكتفى بتطوير الغواصات الحالية من طراز «ترايدنت». - ينبغي اصلاح نظام المعاشات للمتقاعدين بحيث أقل تلك المعاشات للمتقاعدين الذين يتركون العمل فبل بلوغهم سن التقاعد. كما يمكن تحقيق المزيد من الخفض في النفقات العسكرية، بتقليل الاعتماد على حاملات الطائرات في نشر ونقل قواتنا، والقيام بالعمليات العسكرية الضرورية من خلال إيجاد قواعد إضافية للأسطول الأمريكي. والاستغناء بقاعدتين عن حاملتين للطائرات من شأنه أن يوفر 15 بليون دولار في السنة. النهج الثاني: إجراء تغييرات إستراتيجية كبرى يضيف أوهانلون في مذكرته للرئيس أوباما: ينبغي عليك أن تعيد تقييم الدور الأمريكي في العالم، وأن تقبل حقيقة أن الولاياتالمتحدة لم تعد دولة مهيمنة على العالم، وأن تقبل في ذات الوقت توقع مخاطر أكبر بعد هذا الخفض في الميزانية الدفاعية. إن تخفيض عدد القوات الأمريكية الجاهزة للقتال بمقدار 25%، سيعني أننا سنكون قادرين فقط على القيام بحرب برية واحدة، وليس حربين في نفس الوقت، وهو ما يعني أيضًا أنه سيكون لدينا 400 ألف جندي فقط جاهزون للقتال، ولكننا سنظل، وبالرغم من ذلك، نمتلك أفضل جنود في القتال على الأرض. وسيكون هذا العدد كافيًا أيضًا لوجودنا عبر العالم في وقت السلم. ولكنه لن يكون كافيًا للاستمرار على ما نحن عليه الآن من قدرات وجاهزية، وفي القدرة على التدخلات العسكرية في أماكن محتلفة في العالم، كما ستنتهي إلى غير رجعة مقولة القدرة على خوض حربين في وقت واحد. التغير الثاني في هذا التحول الناتج عن الخفض في ميزانية الدفاع الخفض التدريجي في الرواتب، حيث سيتعين تخفيض الرواتب إلى المستويات التي كانت عليها في العام 2001. حيث يتقاضى الجنود الآن رواتب تزيد بمقدار 25 ألف دولار عما كانت عليه في بداية القرن. إن كل فكرة من هاتين الفكرتين ممكن أن توفر 30 مليار دولار سنويًا. وإذا أضيف هذا الوفر إلى الوفر الناتج عن النهج الأول، فإن مجمل المبلغ الذي سيمكن توفيره سيصل إلى حوالى 500 بليون دولار. الخلاصة: يجب الربط بين التوفير في نفقات الدفاع والتدني في القدرات العسكرية، والخطر الاكبر الناجم عن ذلك على أمننا القومي. ولكن مع الأوضاع الراهنة في العالم، فإن الخفض الكبير في النفقات ليس منطقيًا.. ولكن الخفض القليل وبشكل تدريجي هو الطريق الوحيد لتحقيق توفير ذي معنى في الميزانية.