كم يبدو الأمر مبهجاً عندما تعتلي السطور الأولى من الأخبار نتاج تحركات الدوائر الحكومية والرقابية في بلادي في بحثها عن المخالفين ورصدها للمخالفات؛ فلا أحد منا يستطيع إنكار سعادته عندما يتنامى لديه إحساس الأمان بوجود مؤسسات رقابية فعالة تؤدي دورها دون تقصير. لكن أود أن نتساءل سوياً سؤالاً افتراضياً يقول: لو قيل لك إنه تم إلقاء القبض على عدد خمسين من المجرمين في لحظة واحدة، كانوا يعيشون حولك، ويتربصون بك.. ألا يراودك شعور الخوف والرهبة عندما تتذكر أنك لم تكن في مأمن طوال أيامك الماضية لولا لطف الله بك؟ ألن يتبادر إلى ذهنك سؤال كيف وصلوا إلى هذا العدد؟ وأين دور الجهات الرقابية في منع تناميهم؟! إن كنت توافقني بجميع ما مضى.. فتعال نطبّق ذلك واقعاً. ألا تظن أن ما تقوم به بعض الجهات الرقابية بأخذها لغفوة عميقة تصحو بعدها لتضبط عدداً هائلاً من المخالفات، تقوم ببثها بوسائل الإعلام استعراضاً على نجاحها وفاعليتها.. ألا تظن أنه مطابق تماماً للمثال السابق؟! ألا توافقني أن دور الجهة الرقابية يجب أن يكون مستمراً؛ فلا تنمو المخالفات لتصل إلى هذا العدد الهائل، وأن نجاح أي مؤسسة رقابية هي أنها تقوم بضبط المخالفات فور نشأتها لا فور تراكمها؟! وإن كنت وما زلت توافقني فيما قلت.. فلعلك ستعايش الآن حجم شعور الخوف من لحظات السبات التي تمارسها بعض الجهات؛ لتصحو على كتلة الخراب؛ فتستعرض الأرقام وكأنها بطولة وكفاءة. إنني أؤمن بأن المتابعة المستمرة، التي تسفر عن كشف المخالفات فور نشوئها وبعددها القليل، خير وأصلح للوطن والمواطن من الإطاحة بمائة مخالفة مرة واحدة.. وأقر في نفسي أسفاً عميقاً على جهاتنا الرقابية التي تمارس اليقظة المفاجئة والسبات الطويل على أنه الطريق الأمثل والأبرز أمام الإعلام! ختاماً.. رسالة إلى كل جهة رقابية: إن إظهارك عدداً مهولاً من المخالفات هو إخبار مبطن بغيابك عن أداء دورك طوال الفترة الماضية.