السبت 10 أغسطس 2013 08:07 صباحاً صرخات أرواح حزينة وغامضة،وأجسادٌ مقهورة تنطلق في ليالي الصيف إلى حقول البحر،تهيم في عتمة الأمواج،ثم تذوب متى طلعت خيوط الفجر الأولى،وقلائل يعرفون أنهم لو اقتربوا لاكتشفوا عالما من القسوة والصراع من أجل البقاء،عالماً منسياً مسكوناً بالأحزان والويلات،تقطنه فئة من إخواننا المواطنيين يستحقون بجدارة"المعذبون في عدن". في كل مساء،حينما يسقط الليل الصيفي الحار على جسد عدن برطوبته الكئيبة الكثيفة،ويقطن الضيق في الصدور،يكون سكان هذه المدينة على موعد مع الهروب من البيوت والشوارع إلى شاطئ البحر،حيث تهب نسيمات حانية،تجعلهم يشعرون أن هناك من يسمع همومهم ويخفف عنهم . على جانبي الكورنيش تفوح رائحة الذرة المشوية،والبطاط المقلية،تمتزج مع زعيق أصوات اطفال الفقراء الذين يكتفون من مباهج نسيم المساء بجلسة على أحد مقاعد الكورنيش الحجرية،ونظرة حانية ،رحيمة الى البحر. الفقر للأكثرية..والأرباح؟ الأرباح زهيدة،كل شيء ضد سكان هذه المدينة،البحر ملوث والأسماك لم تعد كما كانت،إنها تفتقد العافية يوما بعد يوم،هنالك المجاري التي لازالت تصب في البحر،وهنالك القذرات في الكورنيش تسمم الاسماك الصغيرة،(تذكرت انهم في المانيا حينما يتجمد وجه البحيرات،يزودون الأسماك حتى بالاكسجين في فصل الشتاء،وذلك خوفا عليها من الإختناق... )،ماذا يحصل عندنا...يانحن!! إن بقايا نفايات (التنك)،كالمعلبات وغيرها التي ترمى ضمن (القمامة)الى البحر تعلق بشباك الصيادين وتقطعها. إنها تشبه الشفرات الحادة،القائمة تطول في سرد معاناة الصيادين،وعليكم أن تسقطوا على ذلك معاناة الموظفين والمسرحين قسراً وعمال المصانع وكل من يقطن هذه المدينة،إنهم يحاربون على اكثر من جبهة،يحاربون إهمال المسؤولين ويحاربون الفقر الذي لا يرحم،إنهم اصبحوا بلا ضمانات ومعرضون دائما للتشويه والتشكيك فيهم،وللموت وشيخوخته،إن إصابتهم تعني موتهم جوعاَ!وهنالك الألاف من الناس يكافحون من اجل الرزق،لكن تجار الموت يأكلون رزقهم،خذ مثالاً: لأن الحكومة لم تبني للصيادين برادات لتخزين الاسماك،لذا فهم دوماً مضطرون إلى بيع مايصطادونه بأي ثمن خوفا عليه من التلف،والثمن يفرضه غالبا التاجر المحتكر،حتى اصبح تجار البر بالنسبة للصيادين أقسى من قسوة البحر( تراهم لذلك لا يصعدون إلى البر إلا ليناموا،ومتى استيقظوا عادوا إلى البحر). المسؤولون في عدن يعرفون جيدا ما يعاني منه الاف المواطنين،في عالمهم المغلق،بدليل خطاباتهم المتكررة وحلولهم الوهمية!! يصرخ أحدهم من جهة الشمال؟ لماذا انتم هكذا متذمرون؟ أليست معاناتكم هي ذاتها معاناتنا؟ألسنا نشرب من ذات الكأس؟ ونُجلد بذات الصوت؟ ...ياصاحب الصرخة التعيسة! كم كنت اتمنى ان نتساوى في التقدم والازدهار والعيش الكريم،لا أن تُعدد لي كرامات البؤس والحرمان،مع ذلك فإننا لانشكوا ولا نتذمر! كل مافي الأمر اننا وجدنا انفسنا بين عشية وضحاها مرميون في عالم آخر لم نتعرف عليه من قبل،مشاريع،خطط،كلام معسول،كلام جميل...ويظل المواطن ليس له حقوق المواطنة،يعيش حياة قسرية مُرَّة،بلا رواتب تقاعدية ولا اجازات ولا ضمانات صحية أو عائلية أو أي شرط من شروط الحياة الكريمة،المواطنون في عدن خاصة والجنوب عامة صرعى الإهمال المتعمد،والعذاب المُكرّس،ضائعون بين إهمال المسؤولين و مهددون في كل لحظة بتمهة حراكهم السلمي، وثورتهم المقدسة.... رأفت العقيلي