صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو استراتيجية للثقافة الوطنية
نشر في الجنوب ميديا يوم 26 - 11 - 2012

أربعة عقود ونيف قد مضت من عمر دولة الإمارات العربية المتحدة شهدت خلالها الكثير من الإنجازات على صعيد الإنسان والمجتمع، وعلى صعيد الداخل والخارج، وخلال تلك العقود شهد الحراك الثقافي والفني والعلمي الكثير من الإنجازات كما شهد العديد من الإخفاقات . . أصبح المشهد الثقافي في الدولة بين مد وجزر، تقاس الإنجازات بمعايير كمية لا نوعية، ومع تلك العقود شهدت الحالة الثقافية نوعاً من الضحالة والاضمحلال بعد أن تراجع الدور المؤسسي للثقافة، وأصبح المثقف الإماراتي محاصراً بالكثير من الهموم والإشكاليات تراجع على إثرها عن القيام بدوره الريادي ومساهمته التنويرية المنتظرة .
لما كان العطاء الثقافي والإبداعي قد تراجع، وحيث إن الرصيد الثقافي والإبداعي إنما يمثل الضمان في استمرار الإنجازات المادية التي تحققت باعتبار أن صيانة تلك الإنجازات مرهون بمدى تحقيق إنتاج إبداعي وفكري وثقافي، والعمل بشكل جاد وحقيقي لتوليد الفكر والإبداع، وحيث إن الثقافة بمفهومها الواسع والثقافة الوطنية على وجه الخصوص إنما تمثل أحد أهم مفاصل التنمية والنهضة والتطور والتقدم لمجتمع الإمارات، ومن خلالها تستطيع الدولة تحقيق حضورها الفاعل والحقيقي في الساحة الدولية وفي مختلف ميادين التنمية .
فإن كل هذا يستوجب من مختلف المؤسسات المعنية رسمية كانت أم أهلية ثقافية كانت أم اجتماعية، حكومية كانت أم خاصة، اقتصادية كانت أم إبداعية أن تضطلع بدورها وتتحمل مسؤولياتها بالتعاون مع شريحة المثقفين والمبدعين من كتاب وأدباء ومحللين، من مواطنين ومقيمين حتى يمسكوا ببعضهم ويعملوا على تشخيص حالة الثقافة والفن والإبداع في دولة تنشد التطور والحضور والتنمية والازدهار .
وهنا نؤكد أن القراءة الأمينة والموضوعية والدقيقة لمسيرة الإبداع والثقافة سوف توصلنا حتماً إلى التبصر لحقيقة تلك الإنجازات وتأكيد حضورها ومعرفة الاختلالات في مسيرة العمل التنموي والإبداعي والعمل على معالجتها لضمان المحافظة على ما تم إنجازه، واستشفاف آفاق المستقبل في ضوء الثوابت الثقافية والرؤية العلمية والاستراتيجية الوطنية لا سيما في ظل ما يشهده عالم اليوم من متغيرات سريعة، وثورات علمية، وتقنية، ونقلة كبيرة في وسائل الاتصال والتواصل والمواصلات، ثم في ظل فكر جديد تفرضه معطيات العولمة الثقافية وحوار الفكر الجديد .
إذا كان العقدان الأولان من عمر الدولة قد شهدا ثقافة نوعية حقيقية كان لها تأثير مباشر على مسيرة التنمية والتطور وكانت المؤسسات الرسمية والأهلية وأعداد كبيرة من المثقفين شركاء في صياغة منظومة ثقافية كان لها عظيم الأثر في مسيرة الدولة، فإننا لا نستطيع أن ننكر أن العقدين الأخيرين قد شهدا مظاهر ثقافية سلبية اعتمدت على معايير كمية، واتسمت بأنها ثقافة استهلاكية، وشهدت معها تغييباً للثقافة الوطنية ذات الامتداد الحضاري الإنساني الأصيل، وتمددت على ساحتنا الثقافية ثقافات متداخلة ومتباينة الأهداف، ومتناقضة في الآليات والأدوات، وفقيرة في المضمون والمحتويات، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على تعزيز مسيرة الثقافة والتنمية وعلى النسيج الاجتماعي والاقتصادي في الإمارات .
وفي ضوء الأزمات التي يشهدها عالم اليوم فإن صياغة رؤية تنموية أو وضع استراتيجية ثقافية تراعي الخصوصية وتحافظ على الثوابت وتحصن الهوية إنما تشكل غاية المنظمون لهذا المؤتمر ومن خلالها نستطيع استعادة دور الثقافة والمثقفين ليمارسوا دورهم كقيادات تنويرية .
وإذا كان العنصر الإماراتي من أهل الفكر التنموي والثقافة الجادة والفاعلة ولا سيما الكتاب والأدباء والفنانين من موسيقيين وتشكيليين ومن صحفيين وبقية قيادات الفكر والتنمية الثقافية هم الطرف المعني الأول في مواجهة كل تلك التحديات والضبابية في الرؤى والاستراتيجيات، فإننا نتوجه إليهم في مؤتمرنا الأول الذي يعقد قصداً لتشخيص تلك التحديات والخروج بالتوصيات لصياغة ذاتنا الثقافية، والبحث عن هويتنا الوطنية، علنا نحقق ما نصبو إليه ونستعيد ما فقدناه ونتمكن من ترميم ذاتنا الثقافية وهويتنا الوطنية وشخصية مجتمعنا العربية .
في ضوء تلك المعطيات والمسوغات انصب تفكيرنا - نحن أعضاء اتحاد الكتّاب والأدباء - في كيفية الخروج من هذا المأزق الثقافي الذي كنا أحد أطرافه، والاتحاد أحد الأطراف المسؤولة عنه، فكان هذا المؤتمر الذي نسعى من خلاله إلى تحقيق حزمة من الأهداف، منها تشخيص الواقع الثقافي والفني والعلمي في الدولة وتحديد أسباب تراجعه خلال العقدين الأخيرين مقارنة بالعقدين الأوليين من عمر دولة الإمارات، ومن ثم تحديد رؤية (استراتيجية للتنمية الثقافة والعلمية والفنية) للنهوض بالمجتمع الإماراتي تشارك فيها مختلف الأطراف المعنية . وأخيراً تحديد أدوار المؤسسات المعنية بالفعل الثقافي الحكومية المحلية منها والاتحادية والأهلية، وصولاً إلى وضع رؤية أو استراتيجية للتنمية الثقافية تحقق أهدافنا الوطنية في بناء مجتمع محصن ووطن قوي ومستقبل زاهر .
لم يكن هدف اتحاد الكتّاب والأدباء في موسمه الثقافي هذا أن يضع في برنامج نشاطه هذا المؤتمر لإحراز صفقة إعلامية، وإنما يسعى إلى وضع رؤية استراتيجية للتنمية الثقافية، من خلال دعوة كافة الأطراف المعنية من مؤسسات حكومية اتحادية ومحلية، وجمعيات أهلية أدبية وفنية وإعلامية، ومشاركة مؤسسات القطاع الخاص من إنتاجية وخدمية إلى الجلوس على طاولة واحدة وفي وقت واحد لوضع تلك الرؤية لتكون جزءاً أو محوراً مهماً وأسياسياً ضمن رؤية التنمية الشاملة على مختلف أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي نحن في أمس الحاجة لبناء مستقبل هذه الدولة، وتحصين المجتمع من تحديات داخلية صعبة، وأزمات خارجية مستفحلة . وأعتقد أن هذا هو أقل ما يمكن القيام به كمثقفين في الدولة للذّود عن هويتنا والمشاركة في بناء مستقبل وطننا .
في ضوء ذلك فإن محاور المؤتمر سوف تكون شاملة بدءاً من المحور المؤسساتي ويقصد به الوزارات والدوائر والهيئات الحكومية الاتحادية والمحلية، وقد قمنا بالفعل دعوة كل من وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ثم وزير التربية والتعليم، ثم وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في جلسة حوارية تعقب الجلسة الافتتاحية مباشرة، أما المحور الأهلي والذي يشمل الأندية الثقافية، والجمعيات الثقافية والفنية والشعبية، فإن هذا المحور يشكل أهمية كبيرة في مناقشات وفعاليات المؤتمر، وذلك لأهمية هذه المؤسسات في صياغة الرؤية ووضع الاستراتيجية بمشاركة الاطراف المعنية الأخرى ثم لأهمية هذه المؤسسات في فعاليات هذا المؤتمر، أما المحور الاعلامي فإنه يشكل حجر الزاوية في عملية البناء الثقافي، ومفصلاً حيوياً في فعاليات هذا المؤتمر، ونظراً لما للمؤسسات الإعلامية من قنوات فضائية، وصحافة محلية وإذاعات وطنية من دور فاعل في تأهيل الثقافة وصياغة مستقبل الوطن وبناء المجتمع .
ولما كان للقطاع الاقتصادي وخاصة مؤسسات القطاع الخاص ورجال الأعمال والفعاليات الاقتصادية من دور منتظر وأساسي في دعم الحراك الثقافي، وإحداث التنمية الثقافية فإن هذا القطاع الخاص أصبح طرفاً مهماً في صياغة استراتيجية التنمية ودعمها مالياً بعد أن ظل يستفيد من كل الوفورات والمزايا والتسهيلات التي قدمتها الدولة وحكوماتها الاتحادية والمحلية لأكثر من أربعة عقود من الزمن .
إضافة إلى الأهداف التي رسمها اتحاد الكتّاب لهذا المؤتمر، فإن هناك جملة من العوامل والأسباب تؤكد أهمية هذا المؤتمر والتي تجعل منه فرصة تاريخية للمثقفين الطبيعيين والاعتباريين والإسهام في بناء مستقبل هذا الوطن والمشاركة في صياغة مستقبل الأجيال المتعاقبة .
تأتي أهمية هذا المؤتمر من كونه يحمل اسم مؤسس الدولة والخالد في أفئدتنا ونفوسنا وعقولنا المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الرئيس المؤسس والباني الأول والداعم لكل ما من شأنه وطني، إنساناً كان أم مؤسسة، واختيار مجلس الأمناء اسم "زايد" ليرصع به المؤتمر الأول لم يأت من فراغ بعد أن كان لزايد دور بارز في بناء الإنسان والوطن، وقد أعطى الكثير من جهده ووقته وماله لدعم الإنسان والثقافة وتنمية المجتمع، ومن الطبيعي أن يحظى هذا المؤتمر باهتمام كبير من مختلف الأوساط الرسمية والأهلية والخاصة، ومن مختلف الهيئات والمؤسسات الثقافية والعلمية والفنية، وأن يشهد هذا المؤتمر حضوراً كثيفاً من مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته، ومن مختلف شرائح المثقفين مواطنين كانوا أم عرب، وذلك وفاء لزايد الباني والمؤسس، وليترجموا رؤية زايد وحلمه في بناء صرح دولة عصرية قوامها الإنسان الواعي والمحصن ضد محاولات التشويه والتقزيم .
إن أهمية هذا المؤتمر إنما تنبع أيضاً من رعاية كريمة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المؤمن بحتمية الثقافة كإحدى ضرورات ومتطلبات إحداث التنمية المنشودة، وبدور المثقف الإماراتي في بناء مستقبل هذه الدولة والمساهمة في بناء جيل من المثقفين، إن سلطان الثقافة الذي احتضن الثقافة والمثقفين عبر عقود من الزمن وفي مختلف إمارات الدولة حيث قدم لهم الكبير من الاهتمام، والكثير من المال والطويل من الوقت، ووظف علمه وماله ووقته من أجل تحقيق النهضة الثقافية المنشودة، فمن الطبيعي أن يكون لرعاية سلطان الثقافة وحضوره ومشاركته المنتظرة في فعاليات المؤتمر دور مباشر وعامل مهم في نجاح هذا المؤتمر، ومن الطبيعي أن يشهد هذا المؤتمر حضوراً كثيفاً من المثقفين من مختلف أطيافهم ومشاربهم الأدبية والمسرحية والفنية والإعلامية والاجتماعية، لا سيما أن هذا المؤتمر يمثل فرصة سانحة وتاريخية للمثقفين بلقاء سموه والحوار معه لتحديد عوامل النهضة الثقافية الذي يسعى سموه لتحقيقها على أرض الدولة، وأن يتمخض عن هذا الحوار وضع رؤية استراتيجية لثقافة إماراتية وطنية تكون أحد مفاصل التنمية في الدولة .
إن عقد هذا المؤتمر وتأمين نجاحه والمشاركة في مناقشاته وحواراته والمساهمة في صياغة توصياته، إنما يعكس شعوراً بالولاء للوطن والانتماء لجذوره الثقافية والحضارية والإنسانية حيث بات الأمر صعباً والواقع يمثل تحدياً للإنسان الإماراتي والوطن أن يكون للمثقفين على مختلف انتماءاتهم الدور الفاعل والصوت المسموع يسهمون من خلاله في معالجة الترهل الذي أصاب المفاصل الثقافية لدولتهم، وأن يعبر هؤلاء الكتّاب والأدباء والمثقفين رؤيتهم كقادة تنوير في تشخيص مجتمع الحاضر وبناء المستقبل، من هنا فإن هؤلاء المثقفين مطالبون بالاستفادة من هذه الفرصة التاريخية للتعبير عن ولائهم وانتمائهم لوطنهم باعتبار أن الولاء مسؤولية والانتماء وطن .
تأتي أهمية هذا المؤتمر من كونه قد جاء بعد أكثر من مضي أربعة عقود ونيف من عمر الدولة، وأكثر من ثلاثة عقود من تأسيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، ليعقد الكتاب والأدباء وشرائح المثقفين مؤتمرهم الأول لتقييم مسيرة العمل الثقافي والفني والعلمي، وتحديد الأهداف ووضع الرؤى والاستراتيجيات بعد أن أصاب مفاصل الثقافة الكثير من الوهن والضعف، وأصبحت مسيرة العمل الثقافي تعاني الكثير من العثرات وتواجه العديد من التحديات، وبالتالي كان لا مناص أن تجتمع الأطراف المعنية في مؤتمر عام للبحث في أسباب الضعف، ومكامن الاختلال، ودراسة سبل المعالجة والمواجهة وتحديد أسباب ومصادر القوة في مفاصل الثقافة وسبل تنميتها، سواء كانت مادية أم مالية، وسواء كانت ثقافية أو اجتماعية، وسواء كانت تشريعية أم قانونية، وسواء كانت بشرية أو مادية، وسواء كانت إدارية أم بشرية، وتوظيف تلك المصادر والإمكانات من أجل تحقيق النهضة الثقافية، ودفع الحراك الثقافي للخروج من حالة الوهن، وسبل دعم الجمعيات الثقافية وبقية مؤسسات المجتمع المدني الأهلية والرسمية للقيام بدورها في معالجة الخلل في العلاقة، وتحقيق إصلاحات جذرية في البنية الثقافية، وكذلك من أجل تصحيح العلاقة بين المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية من ناحية، والمؤسسات الثقافية المحلية والاتحادية من ناحية أخرى، ثم المؤسسات الثقافية وعلاقتها مع المؤسسات العلمية والتعليمية، ثم المؤسسات الثقافية وعلاقتها بالمؤسسات الإعلامية، كذلك تحديد دور ومسؤوليات مؤسسات القطاع الخاص والفعاليات الاقتصادية في تبني المشروعات والبرامج الثقافية ودعم مؤسساتها ومنها اتحاد الكتاب والأدباء وبقية الجمعيات الثقافية .
تأتي أهمية انعقاد هذا المؤتمر في السعي نحو وضع صيغة مناسبة وآليات علمية من أجل ترميم العلاقة بين الكتاب والأدباء أنفسهم وخاصة الأعضاء في اتحاد الأدباء واتحادهم، بعد أن شهدت العلاقة خلال السنوات الماضية الكثير من الفتور، وأصبح الاختلال في الرأي مفسدة للعلاقة الإنسانية وقد تجسد في هجرة الأعضاء لاتحادهم والبعد عن المشاركة في فعالياته وبرامجه ونشاطاته، ووضح جلياً في إحجامهم عن المشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية التي في كثير من الأحيان يتمخض عنها فوز أعضاء المجلس بالتزكية، بسبب الحضور المؤلم والتفاعل الخجول لأعضاء الجمعية العمومية، على عكس ما كنا قد شهدناه في سبعينات وثمانينات القرن الماضي من تفاعل كبير، حيث كانت اجتماعات الجمعية العمومية السنوية تشهد مناقشات ساخنة وحضوراً مكثفاً من قبل الأعضاء، رغم محدودية عددهم آنذاك .
من هنا فإن هذا المؤتمر إنما يمثل فرصة تاريخية للبحث في أسباب ضعف العلاقة بين الطرفين، وسبل معالجته وترميم وتصحيح العلاقة بما يخدم أهداف الاتحاد التي صاغها ووضعها نفر من الكتاب والأدباء من رواد العمل الاجتماعي والثقافي عند تأسيس الاتحاد، والتي آمنت بدورها وتحملت مسؤولياتها وربما يشهد هذا المؤتمر دعوتهم وتكريمهم بما يليق والدور الذي قاموا به خلال سنوات التأسيس .
يمثل هذا المؤتمر فرصة مؤاتية لفتح حوار مباشر ومناقشات علمية بين شرائح المثقفين المشاركين في المؤتمر والمسؤولين عن الحراك الثقافي في الدولة، بدءاً من وزارة التربية والتعليم المعنية بوضع اللبنة الأولى لثقافة الفرد والمسؤولة الأولى عن صياغة وعيه وتهيئته لتحمل دوره ومسؤولياته تجاه وطنه، ثم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي باعتبارها المسؤولة عن تعزيز الوعي لدى الإنسان الإماراتي وهو في مرحلة تعليمية متقدمة وتحديد مسؤولياته في بناء مستقبل وطنه، ثم وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع التي يفترض أن تكون ومعها المؤسسات الثقافية المحلية المظلة الأم للثقافة والمثقفين في الدولة، وتلك فرصة لاستماع المسؤولين إلى رؤى وأفكار المثقفين لهمومهم ومرئياتهم ورؤاهم وتطلعاتهم للمشاركة في بناء مستقبل الوطن وتنميته .
يعتبر هذا المؤتمر، وتنبع أهميته من كونه المؤتمر الأول لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، ويمثل نقلة نوعية في برامج الاتحاد ومناشطه بعد أن ظل ولعقود من الزمن حبيس أنشطة تقليدية كانت أحد أسباب هجرة أعضائه عن فعاليات الاتحاد، وإحجام المثقفين من كتّاب وأدباء واعدين عن الانضمام إليه أو المشاركة في برامجه وحضور نشاطاته .
يشكل هذا المؤتمر الأول لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات - في دورة تحمل اسم الخالد "زايد" ويرعاه سلطان الثقافة - فرصة مهمة لشرائح المثقفين من أبناء الدولة والعروبة للقاء مع بعضهم البعض وتجديد العهد مع اتحادهم ومؤسساتهم الثقافية، ولقاء مثقفين آخرين من أعضاء الجمعيات والمؤسسات الثقافية الأخرى كالتشكيليين، والصحفيين، والمسرحيين، والموسيقيين، والسينمائيين، ثم لقاء هؤلاء المثقفين مع المسؤولين الرسميين في الدوائر والوزارات المعنية تحت مظلة هذا المؤتمر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.