إن مجموع اللوحات التي تُعرض في باريس حالياً لصور معلقة لشهداء الثورة والنضال في بيوت الفلسطينيين ليست حالة منفردة في معرض "وطن الأشباح" للفنانة الفلسطينية أحلام شبلي بباريس بل موضوع حاضر في المشهد الفلسطيني المعاصر وفي أعمال الفنانة الفوتوغرافية شبلي التي أثارت غضب منظمات يهودية في فرنسا بعرضها الفكرة والصور وبتهاتف الشباب الفرنسي وأوساط مثقفة ومتضامنة مع شعبنا في المجتمع الفرنسي على هذا المعرض الذي أقامته هذه المصورة الجريئة في العاصمة الفرنسية وتقديمها وبموضوعية كاملة لصورة الشهيد ذلك الشهيد برمزيته وقيمته المقدّسة دائما في حاضر وماضي ومستقبل الوعي الجمعي الفلسطيني... ويتضمن المعرض الذي ينظم بمتحف جو دوبوم (Jeu de Paume) الباريسي ست مجموعات من الصور الفوتوغرافية أنجزتها شبلي في العشر سنوات الاخيرة وتعالج فيها مواضيع عديدة بالتدرج من مسألة فقدان البيت الى الارض لغاية الوطن والصراع الذي فرض على شعب بأكمله ضد هذا الفقدان و ضد الإقصاء الإجتماعي والوجودي والسياسي ضد هذا الشعب وأرادت شبلي أن تغطي صورها من الناحية الاعلامية البحته بالتزامها الوقائع وماتعبر عنه الصور بطريقة موضوعية ارادت التركيز على إشكالية مفهوم الوطن أو الانتماء إلى مكان محدد على الخارطة لأفراد أو مجموعات يخضعون لسياسة إقصائية قمعية ومعركة وجود يومية وفي سلسلة الصور التي تحمل عنوان "موت" (2011/2012) ترصد شبلي كيف يحافظ المجتمع الفلسطيني على حضور شهدائه من خلال صور وملصقات ورسوم جدارية في الشوارع (فن الغرافيتي) تحتل الفضاءات العامة والخاصة وتشكل نوعا من المقاومة وتبجيلا لمآثر الشهداء وتضحياتهم لتصل الفنانة لفكرة أن الشهيد حي في قلب الفلسطيني وذاكرته وكيانه... وتبرز الفنانة بشكل واضح ولا يفسح المجال للشك أيضا كيف تتحول القضايا الوطنية والسياسية إلى مسألة شخصية وعاطفية فيها دموع وشجن ومعاناة ومرارة في نظر الانسان الفلسطيني ... وقد أثارت هذه السلسلة غضب واستياء المنظمات اليهودية في فرنسا لاعتبارهم ان شهداء فلسطين (قتلة وإرهابيين) على حد تعبير ممثل المنظمة الصهيونية روجيه كوكيرمان الذي بعث برسالة إلى وزارة الثقافة الفرنسية طالب فيها بإنهاء المعرض ومحاسبة الفنانة شبلي بتهمة معاداة السامية المعروفة ..كما انتقدت وسائل إعلامية مقربة من اللوبي الصهيوني المعرض وقد دافعت إدارة المتحف في باريس عن المعرض رغم تلقيها تهديدات هي ايضا من قبل مجهولين وحذرت ادارة المتحف أي شخص يحاول إغلاقه بالقوة بملاحقته واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة .. كما تلقت الاوساط والمنظمات الصهيونية إدانة واضحة من قبل مثقفين وفنانين فرنسيين دافعوا عن موقف شبلي وأصدروا بيانا نددوا فيه بكل المحاولات لإغلاق معرضها. وغير بعيد عن موضوع الشهداء وفي سلسلة الصور التي تحمل عنوان "صدمة" (2008/2009) تبرزشبلي كيف يتحول الضحية إلى جلاد وتنطلق من إحياء ذكرى ثورة أبناء مدينة تول الفرنسية ضد الاحتلال النازي وما تبعها من تدابير انتقامية بحقّهم في السابع والتاسع من يونيو/حزيران 1944 وتبين أن بعض أبناء هذه المدينة الذين شاركوا في هذه الثورة وعانوا الأمرّين على يد النازيين شاركوا بعد بضع سنوات في حروب فرنسا الاستعمارية في فيتنام وكمبوديا ولاوس والجزائر ضد شعوب مظلومة كانت تطالب بدورها بالاستقلال. وبالتالي تشكل هذه الصور شهادة فاضحة على تحول الضحية إلى جلاد في مراحل مختلفة من تاريخها... لتصل الى ان يستنتج الناس بأن الهلوكوست فكرة مطابقة لتحول الضحية الى جلاد وبدون ان تبدي الفنانة رأيها في ذلك صراحة وهنا جاءت براعتها الاعلامية ... ويرتكز مسعى شبلي الفوتوغرافي على مبدأ كشف قدر المقموعين أو المحرومين لكن دون حصر الاهتمام بأبناء وطنها فلسطين ارادت ان تفسر وتنقل تفسيرها الذي يعتمد إلى مراقبتها من مسافة نقدية وموضوعية لفضح الأفكار المسبقة حولها مما اعجب اوساط ثقافية في فرنسا وزاد اصرار هذه الاوساط على الدفاع عنها امام هجمة المنظمات الصهيونية وفي هذا السياق يتناقض معرض شبلي الوثائقي للتصوير الفوتوغرافي المبدأ المؤسس للتيار السائد في هذا الميدان الذي يقوم على تزويدنا سريعا بصور لكل حدث راهن دون التعليق عليه ومنحنا فرصة التدخل أو إبداء الرأي فيه ... فقد اعتمدت الفنانة إلى إرفاق صورها بنص مفصل يحددها في الزمان والمكان وإلى ربطها بسلسلة من اللقطات يستحيل عزلها عنها وإلا لفقدت معناها. وفي سلسلة الصور التي تحمل عنوان "بورتريه ذاتي" (2000) تعيد شبلي فيها خلق فصل من طفولتها باستعانتها بقصة لرواية تدور أحداثها في محيط القرية التي نشأت فيها.. ومن خلال احداث القصة تعرض صور لحقول مفتوحة تتمكن الفنانة من التعريف بأرض وتمثيلها تمثيلا ذاتيا ووجوديا ..ونوعا من المقاومة التي يمكن ممارستها على أراض أخرى تمارس شبلي مقاومتها داخل هذه الصور من خلال جمع علامات قادرة على تثبيت ذكريات فقدت فضاءها الجغرافي بفعل الاحتلال وفقدان الأرض وفي سلسلة "مطارِدون" (2005) تتناول الفنانة موضوع الفلسطينيين البدو الذين خدموا أو ما زالوا يخدمون داخل الجيش الإسرائيلي لطرح تساؤلات حول الثمن الذي تدفعه أقلية ما للبقاء على قيد الحياة أو للحصول على اعتراف بوجودها داخل أكثرية حاقدة و عدائية .. وتنقلنا سلسلة الصور التي تحمل عنوان "منزل الأطفال" (2008) إلى بولونيا لإطلاعنا على حياة أطفال داخل دور للأيتام وفي هذه الصور يبدو لنا كل طفل منصهر داخل جسد جماعي لا يغادره إلا حين يحين موعد النوم وبالتالي نستنتج حاجة الطفل والانسان الى الذاكرة الجماعية ومن خلال هذا المشروع أرادت شبلي الشهادة على الحاجة الملحة لأي إنسان في أن يكون مع الآخرين وفي الاتصال بهم ومصادقتهم وكسب حبهم وتشييد عائلة وبيت له يبعدان عنه شبح الرفض والإقصاء... مشروع شبلي اضحى بهذه السلسلة المتكاملة مشروعا مقاوما بشرف وسياسي بهدف واعلامي بمضمون كانت فلسطين فيها وراء السطور ويبن الحروف هكذا يكون مقاومة القلم والاعلام ... بقلم : مصطفى الهدهود متصفحك لا يدعم الجافاسكربت أو أنها غير مفعلة ، لذا لن تتمكن من استخدام التعليقات وبعض الخيارات الأخرى ما لم تقم بتفعيله. ما هذا ؟ Bookmarks هي طريقة لتخزين وتنظيم وادارة مفضلتك الشخصية من مواقع الانترنت .. هذه بعض اشهر المواقع التي تقدم لك هذه الخدمة ، والتي تمكنك من حفظ مفضلتك الشخصية والوصول اليها في اي وقت ومن اي مكان يتصل بالانترنت للمزيد من المعلومات مفضلة اجتماعية