رأى المخرج المسرحي عبدالهادي القرني أن جمعية المسرحيين السعوديين ينقصها وجود مسؤول مسرحي يعرف متطلبات المسرح، كما تنقصها الشفافية والبُعد عن الاحتكار الوظيفي، معتبرًا أن المسرح السعودي ماضٍ على نحو متطور، داعيًا الإعلام إلى تغيير نظرته «المتهالكة والقديمة» للمسرح، نافيًا أن يكون في وجود السينما والتلفزيون والفيديو مهددات تسحب البساط من تحت المسرح.. القرني استبعد إمكانية تحوله للكتابة للتلفزيون، رافضًا في الوقت نفسه تقمص دور الكاتب المسرحي المتحذلق، مستغربًا لخطوة إلغاء المسرح من مهرجان الجنادرية.. كل هذا وغيره من محاور أخرى طي هذا الحوار مع المخرج المسرحي عبدالهادي القرني.. دور غير مطاق * بين الكتابة المسرحية والإخراج.. إلى أيهما تميل؟ لا أحب الكاتب فيَّ.. أملك أفكارًا مسرحية كثيرة، ولكن أصبحت لا أُطيق أن أتقمص دور الكاتب المسرحي المتحذلق الذي يصفف الكلمات لكي تُعجب الآخرين، حبكة النص المسرحي على الورق تحتاج إلى أطنان من الصبر، والجلوس خلف القلم، ورسم خطوط كثيرة حول الشخصية، وتقاطعات مع بقية الشخوص.. أصبح الوقت قصيرًا، ولا أمتلك الوقت الكافي لذلك. نشاط واضح * إذًا على ماذا تراهن أنت ورفاقك في المسرح؟ (كان يا ما كان في قديم الزمن) ولتْ إلى غير رجعة، وهذه النظرة التشاؤمية البحتة لم تعد صالحة لهذا الزمن، وأرفض أن يُقال: إن الرياح حملت بما صُنع خلال الفترة الماضية، بل كانت استمراراية للزمن الماضي، وأصبح الحاضر مُشبعًا بمسرح يُرضي بالحد الأدنى لعُشاق المسرح، أكثر من عشر مهرجانات مسرحية سنوية تقام خلال العام في جميع مُدن المملكة، وأكثر من مائة فعالية مسرحية متنوعة تُنفذ خلال الفترة نفسها، هو حاضر جميل يتواكب مع إمكانات مسؤول المسرح المتواضعة. هي دعوة أقدمها لمن لا زالت جمجمته مُتجهه إلى الخلف أن يُعطي طبلة الأذن فرصه في أن تسمع طقطقة فقرات العنق وهي تتجه إلى الأمام ليستمتع بما يُقدم، لا أُنكر أن هناك عراقيل صُنعت بأيدي مسرحية، وبعضها إدارية، ولكن لا يُلغي أو يُقزم ما قُدم إلى الآن. مسؤول مفقود * كيف تقيم جمعية المسرحيين السعوديين؟ ينقصها ضخ دماء جديدة، مع إمكانات مادية أفضل، مع وجود مسؤول مسرحي يعرف ما هي متطلبات المسرح، ويُنكر ذاته بتقديم مصلحة المسرح على مصلحته المسرحية الشخصية.. تنقصها الشفافية والبُعد عن الاحتكار الوظيفي، تحتاج إلى أن تتجه صوب الإعلام بشكل ممنهج لتقول للمجتمع نحن هنا. عروض للمشاهدة * العروض التجريبية لا جماهير لها في الغالب.. فلم الإصرار عليها؟ الجماهير مختلفة المشارب، هناك من يبحث عن العروض المسرحية التجريبية، وهناك من يُحب العروض الكلاسيكية. وفي كل الأحوال يظل الجمهور من يُقيّم هذه العروض، لذلك هو العمود الرئيسي في بيت المسرح، ونتقاطع معهم دائمًا ولولا الجمهور لن يكون هناك مسرح، لذلك نحن كمسرحيين نتألم عندما يكون حضور الجمهور في العروض التجريبية قليل جدًّا لأنها تستحق أن تُشاهد على الرغم من أن بعضها غارق في الرمزية الشديدة، ولكنها تُعتبر عروضًا مسرحية مهمة لرفع الوعي الفكري والثقافي كما هي العروض الكلاسيكية. إعادة صياغة * برأيك.. كيف للكاتب المسرحي أن يوازن بين البعد الأدبي والفني للنص المسرحي؟ كل نص مسرحي أتخاطب معه كمخرج اعتبره من وجهة نظري ناقص وغير مكتمل، وأعيد صياغته فنيًا من جديد لتوائم مع ما أراه في هذا النص من زاويتي أنا فتجد هناك تعديلات معينة أدبية أو فنية قد تصل في النهاية إلى تواجد نص مختلف عن النص المبدئي مع عدم الإخلال بالفكرة أو البنية الأساسية للنص، وليس بالضرورة أن يُنفذ النص كما هو. نظرة متهالكة * ألا ترى أن وهج المسرح بات يخفت في زمن السينما والتلفزيون وأفلام الفيديو؟ سينما، تلفزيون، فيديو مهما أُوتيت من قوة لا يمكن أن تسحب البساط من المسرح، وإلا لاختفى المسرح من العالم كُله. والمسرح إن تعرض لفترة ما بعد "كان يا ما كان في قديم الزمان" فإنه في العشر سنوات القليلة الماضية عاد أفضل مما كان، وأصبح متواجدًا بقوة، وفعّال بشكل أفضل، أصبح هناك مسرح يُناقش القضايا الاجتماعية والفكرية بشفافية أكثر. ولكن العيب في الإعلام الذي لم يواكب الجديد في المسرح، ينتظر أن تصله أخبار الفعاليات المسرحية عن طريق البريد الإلكتروني، وهذا هو الشيء الوحيد المتطور في الإعلام في استخدامه للبريد الإلكتروني، فلازالت أفكاره عن المسرح قديمة ومتهالكة، لازال يحمل ظروف السنوات العجاف ويتعامل مع المسرح بها، وهذي مشكلة كبيرة إذا كان الإعلام لازال يحمل هذا الفكر ونحن كمسرحيين تجاوزناها كثيرًا، لذلك أدعو الإعلام إلى مواكبة وهج المسرح واللحاق به. إلغاء غير مبرر * كيف تقيّم تجربة مهرجان مسرح الجنادرية منذ تأسيسه قبل أن يلغى؟ (كان) فعل ماضي تام الأركان، قبل أن يُحكم عليه بالإعدام بقرار كانَ من السهل جدا عدم اتخاذه لو نُظر إليه بطريقه بعيدة عن فكر ما بعد حُقبة (كان يا ما كان في قديم الزمان) فليس من المنطق والعقلانية إلغاء مهرجان الجنادرية المسرحي لهذا العام مع الإبقاء على ندوات ومحاضرات عن المسرح السعودي خلال مهرجان الجنادرية الثقافي، الرجل الأول في مهرجان الجنادرية سيتفهم ما يُدار خلف كواليس المهرجان من تساؤلات كبيرة بحجم مهرجان الجنادرية نفسه (لماذا أُلغي المهرجان المسرحي)، ولو اجتمع مع المسرحيين أنفسهم وناقش سيجد أن المبررات التي اتخذت للإلغاء كان بالإمكان تجاوزها وحلها بطريقة بعيدة جدًّا عن إبعاد واجهة ثقافية مهمة للوطن، وهو خيرُ من يتفهم ذلك. فمهرجان الجنادرية الثقافي الضخم جدًّا لا يعجز عن احتواء أبو الفنون. إمكانيات وثقة * ومتى نراك في التليفزيون السعودي كاتبًا أو مخرجًا؟ في الأفق المنظور لا أعتقد أن الكتابة للتليفزيون تستهويني، ولا أجد نفسي ميالاً لها، وكمخرج هناك محاولات جادة وحثيثة أن أصبح تلميذًا لمن سبقني في هذا المجال، وعلى الأقل من أخرج بعض المسلسلات التلفزيونية ليسوا بأفضل من محاولات تلميذ سيصنع مسلسلاً جديدًا في الاسم مستهلكًا في الفكرة يُعرض علي جمهور يقبل بمثل هذه التسطيح المتعمد ويكون راضيًا تمام الرضا. لذلك أثق أنني سأكسب هذا الجمهور الوفي.