العنوان السابق ليس من إنشائي، وليس لي فيه فضل إلا نقله بكل شاعريته وبهائه، وبكل ما تشي به حروفه وكلماته من دِلالات مستقرة في وجدان كل سعودي درج على ثرى وطنه الغالي، واختلطت به مشاعره وأحاسيسه. عنوان المقال هو عنوان كتاب نقديٍّ صدر حديثًا عن النادي الأدبي بالباحة للشاعر الناقد الدكتور يوسف حسن العارف.. الكتاب عبارة عن دراسة ومقاربات نقدية لنصوص وقصائد وطنية بلغت (50) نصًّا وطنيًّا لشعراء وشاعرات سعوديين بمناسبة اليوم الوطني ال(83) للمملكة العربية السعودية.. وكم كان مساء الأربعاء الماضي فواحًا بشذى الوطن، مترعًا بأريج المواطنة التي تلألأت في جنبات قاعة النادي الأدبي بالباحة التي شهدت أمسية ثقافية تحدث فيها المؤلِّفُ عن مؤلَّفِهِ منذ أن كان فكرة حتى ساعة صدوره، وقرأ بعض النصوص والقصائد المختارة مستعينًا في ذلك بالعرض المرئي، وقد أدار الأمسية التي شهدت عدةَ مداخلاتٍ هادفةٍ الدكتورُ حمدانُ الحارثي، وفي نهاية الأمسية تمت عملية تدشين الكتاب.. ما يُحمد للمؤلِّف أنه لم يكتفِ بحشر النصوص والقصائد الشعرية بين دفتَي الكتاب ومن ثم تقديمها جافةً للقارئ؛ بل عمد إلى تقسيم الكتاب إلى أربعة محاور: المحور الأول عن مفهومَي الوطن والمواطنة، فالوطن لدى المؤلف لا يُختصر في الجغرافيا والتاريخ فقط؛ بل هو "آية من العطاء الزاهر، والتقدم الوافر، والبناء المتجدد، والغد الموسوم بالفداء والتضحية". ومن خلال رؤية المؤلِّف للوطن تتشكل المواطنة الحقة التي يراها في "الصدق والولاء والعطاء، والتفاني، والذود، والحرص والبناء".. والمحور الثاني عن ما أسماه (الوطن الشِّعْري) من خلال دراسة تحليلية للعتبات النصية وملامح الوطن الشعري، والجغرافيا الشعرية.. والمحور الثالث ضمَّنه النتائج والخلاصات.. والمحور الرابع ضمَّنه النصوصَ والقصائدَ الشعريةَ التي عمد إلى توزيعها إلى ست مجموعات تضم كل مجموعة عددًا من النصوص والقصائد الوطنية.. يُحمد للمؤلف كذلك تقديمه لكل نص أو قصيدة بتعريف عن الشاعر وإصداراته الشعرية، ثم تقديمه لإضاءة نقدية مختصرة عن النص أو القصيدة وجمالياتها الشعرية؛ ويعلل المؤلف ذلك "حتى يعيش القارئ والمتابع في أجواء القصيدة وتجلياتها الوطنية". هناك أمر رائع أراه مُتحققًا في هذا الكتاب ألا وهو إبطاله لمقولةٍ تَرِد -أحيانًا- عند الحديث عن الوطن، مفادها أن هناك حالةَ قطيعةٍ بين السياسي من جهة والمثقف والمتدين من جهة أخرى، فالنصوص والقصائد ال(50) التي تضمنها الكتاب، لا ينفك مبدعوها عن أن يكونوا جميعهم مثقفين، وبعض هؤلاء المثقفين هم من (المتدينين) بالتالي فالكتاب يأتي ليُبطل تلك المقولة من خلال نصوص وقصائد المثقفين والمتدينين الذين تغنَّوا بوطنهم وأظهروا مشاعرهم الفياضة بالمحبة والوفاء تجاهه، وهو ما يراه المؤلف "دِلالة على الولاء والانتماء الصادق شعورًا، ومشاعر، وإحساسًا ينعكس على اللغة الشعرية ومفرداتها ومعانيها، ويتجلَّى ذلك من خلال ثنائية الذات الشاعرة، والمكان، واتحادهما في ذات الوطن وفضاءاته واقعًا وشعرًا وخيالًا أدبيًّا"، وهو ما يعكس بحق حالة الانتماء الصادق للوطن من قِبل أبنائه مهما تنوعت أطيافهم. وقد ذكر المؤلِّف أنه خرج بمصطلحين جديدين هما مصطلح (الوطن الشعري) ويعني به "صورة الوطن في الخطاب الشعري السعودي، وتجلياته، ورمزيته، ودِلالاته، وآفاقه، وفضاءاته"، ومصطلح (جغرافية النص الوطني) ويعني به "تلك الأماكن والجهات والأقاليم السعودية التي تحضر في القصيدة الشعرية أو النص الوطني"، برأيي فالكتاب عمل فريد في فكرته وتبويبه، وفي إيحاءاته ودِلالاته التي برهنت على عمق القواطع المشتركة بين السياسي من جهة والمثقف والمتدين من جهة أخرى. توقيع: يا مَوطِني كلُّ شبرٍ فيكَ يأسرُني/ وذِي تضاريسُهُ تغفُو على بَدنِي * في كلِّ سَهلٍ وفي وادٍ وفي جَبلٍ/ ألقاكَ يا مَوطني شَدْوًا على الفَنَنِ. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain